Klasik Miras: Çok Kısa Bir Giriş
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
Türler
وبالطريقة عينها تقريبا كان شباب الفنانين في ذلك الزمان يتعلمون المهارات عن طريق دراسة المنحوتات القديمة؛ وذلك عن طريق عملية نسخ وإعادة نسخ متواصلة للقوالب الجصية الخاصة بالتماثيل القديمة، أو (أفضل من ذلك) عمل نسخ للأعمال الأصلية نفسها. ولم يكن هذا جزءا من منهج دراسي في «تاريخ» الفن، ولكن كان درسا عمليا يتلقونه - وفق ظنهم - من أفضل أعمال النحت التي عرفها العالم على الإطلاق. أما اليوم فلم يعد التدريب الفني يعتمد على أعمال الإغريق والرومان كوسائل رئيسية للتعلم. في الواقع، في وقت سابق من القرن العشرين كانت كليات الفن الإنجليزية تتخلص من القوالب الجصية للمنحوتات القديمة بالمئات، وكانت تحطم في محاولة مبالغ فيها لتأكيد التحرر مما كان ينظر إليه (بحق أو بغير حق) على أنه قيود فرضها ذلك التعليم «الكلاسيكي». ولكن دور العالم الكلاسيكي كنموذج عملي، سواء للتصميم، أم للسلوك، ما يزال يشكل جزءا من نقاشاتنا اليوم. على سبيل المثال، نجد العديد من خلافات المعماريين الأخيرة يركز على ما إذا كانت الأشكال المعمارية القديمة لا تزال هي الأفضل، والأنسب للمحاكاة.
تصور معي البعثة الدولية المتنافرة التي قصدت باساي: ألمانيين ودنماركيين وإنجليزيين، مع مساعدة لا تقدر بثمن من رجل فرنسي. ثم تذكر أنه في وقت اكتشافاتهم كانت أوروبا في قلب الحروب النابليونية. لم تكن تلك الزمرة مجرد مجموعة من الأرستقراطيين تلاقت عقولهم؛ بل كانوا مجموعة من الأعداء المحتملين، جمعت بينهم دراسة التراث الكلاسيكي، وإعادة اكتشاف هذا التراث الكلاسيكي، ولم يكن السبب الوحيد لذلك أنهم، في تلك البقعة، كانوا بعيدين عن ساحات القتال؛ بل لأنهم كانوا يتشاركون بعض الاهتمامات الأكاديمية والثقافية، ولا يبالون بالحرب الدائرة. كان التراث الكلاسيكي يمثل تحديا أكبر بكثير للمصالح القومية في أوروبا القرن التاسع عشر.
كانت إعادة اكتشاف اليونان، بطريقة ما، بمنزلة إعادة اكتشاف لجذور الثقافة الغربية ككل؛ فقد كانت وسيلة لرؤية أصل الحضارة الأوروبية بأسرها، والتي تسمو فوق الخلافات المحلية والقومية. لا يهمنا أن تلك المشاحنات كانت دائما على استعداد لتطفو على السطح مرة أخرى، فعندما يحين وقت اقتسام كنوز العالم القديم التي اكتشفت، كان المهم في الأمر حقا أن الحضارة الإغريقية منحت الثقافة الغربية جذورها المشتركة التي يستطيع كل المتعلمين على الأقل التشارك فيها. وكما سنرى في الفصل الثامن من هذا الكتاب، فإنه بنفس الروح تقريبا، بعد ما يقرب من 200 سنة، لا يزال الناس ينظرون إلى أثينا القديمة على أنها مهد الديمقراطية في العالم، وأنها الأصل الموحد لنظام سياسي مفضل، حتى لو اختلفنا حول المعنى الحقيقي «للديمقراطية»، وما كان معناها، وأي صورها هي الأفضل. بل إن النزاعات والحروب يمكن أن تبدو، من جميع الجوانب، وكأنها اجترار للمعارك القديمة، وأنها تدور حرفيا على ذات البقاع القديمة. وفي أعين من تلقوا تعليما كلاسيكيا، عبر الحدود الحديثة، تبدو الأحداث وكأنها اكتست بثوب قديم مألوف.
ولكن الحقيقة الأهم حول بعثة باساي هي أنها كانت «رحلة استكشافية». فلقرون ظلت دراسة التراث الكلاسيكي لا تشتمل فقط على الجلوس في مكتبة لمطالعة الأدب الذي بقي من العالم القديم، أو زيارة المتاحف لرؤية المنحوتات المعروضة بأناقة، بل اشتملت كذلك على رحلات اكتشاف للعثور على أعمال الحضارات الكلاسيكية والعالم الكلاسيكي على أرض الواقع، حيثما وجدت.
لذلك كان دارسو التراث الكلاسيكي، وما زالوا، «مستكشفين»؛ فقد ارتحلوا لأشهر على الجبال التركية القاحلة، بحثا عن حصون الغزو الروماني. وقد حفروا وعثروا على قصاصات من ورق البردي القديمة، خطت عليها درر الأدب القديم، وذلك في رمال مصر (التي كانت ذات يوم إحدى مقاطعات الإمبراطورية الرومانية). لقد سافروا، مثل كوكريل ورفاقه، في الشوارع الجانبية للريف اليوناني يرسمون ويقيسون، والآن يصورون، مواقع للعالم القديم طواها النسيان منذ أمد بعيد. لقد استأجروا الحمير، وقطعوا مفاوز الصحراء السورية، وتنقلوا من دير إلى دير، يجوبون مكتباتها بحثا عن مخطوطات على أمل العثور على بعض نصوص العالم القديم المفقودة، نسخها بأمانة راهب من القرون الوسطى. كان الاهتمام بالعالم القديم يعني غالبا أن ترحل «إلى هناك»، لتشرع في رحلة إلى المجهول.
السعي وراء الحلم
بطبيعة الحال كانت تلك الرحلة أكثر تعقيدا من مجرد «اكتشاف» بسيط (وهو بالتأكيد ما يعرفه أي مستكشف في أي مكان)؛ فقد كانت بلا شك تنطوي على التوتر بين الواقع والمأمول، وفي هذه الحالة، بين صورة أمجاد اليونان القديمة، باعتبارها ذروة الحضارة، وواقع اليونان كبلد يزار. نحن لا نعرف بالضبط ما كان كوكريل يتوقعه عندما انطلق في رحلته من إنجلترا، ولا نعرف ردة فعله عندما حط على أرض أثينا. ولكن من الواضح أن العديد من مسافري القرن التاسع عشر ساءهم أن يكتشفوا (مهما كان جمال المشاهد أو رومانسية الأطلال) القرية الرخيصة التي تقبع محل أثينا القديمة، وما كان ينتشر فيها من قذارة وأمراض، وما وجدوه من الكثير من سكانها من وضاعة وخيانة للأمانة. وقد كتب أحد أوائل الزوار يقول: «دموع تملأ العيون، ولكن ليست دموع فرحة وبهجة.» كما عبر دي كوينسي عن أحوال «اليونان الحديثة» بعبارة شهيرة قال فيها: «ما هي المنغصات التي تتفرد بها اليونان، وتصد السياح عن القدوم إلى تلك البلاد؟ إنها أمور ثلاثة: اللصوص، والبراغيث، والكلاب.» كيف أمكن لهؤلاء أن يروا «المجد الذي كانت اليونان عليه» رغم تدهور أحوالها في العصر الحديث؟
كان هناك العديد من الإجابات لهذا السؤال. وقد حول بعض المسافرين الصعوبات التي واجهوها إلى فرص؛ فالنضال البطولي ضد الأمراض والغش والسرقة على يد قطاع الطريق كل هذا يمكن تصوره على أنه تعزيز لبطولة من يكتشفون اليونان القديمة نفسها، بما فيها من تبجح بحكايات الأكمنة، أو الموت من أجل الشهامة في أقاليم بعيدة، وكل هذا أضاف إلى رومانسية الاستكشاف. حاول آخرون أن يخترقوا بأنظارهم السطح القاتم لطبقة النبلاء في اليونان القديمة، والتي لا تزال موجودة (وإن كانت مخفية إلى حد ما) في اليونان الحديثة، وبوسعك دائما أن تجعل الأتراك هم العدو الحقيقي (كما فعل اللورد بايرون عندما عاد بعد ذلك ليقاتل ويموت من أجل اليونان في حرب الاستقلال). ولكن البعض وصل إلى نتيجة مختلفة تماما؛ وهي أن أفضل زيارة لليونان تكون في عالم الخيال.
بعبارة أخرى، كان هناك تصور آخر لاكتشاف العالم القديم. وبعض أقوى التعبيرات عن اليونان القديمة، تلك التي شكلت رؤيتنا وفهمنا لماضي العالم القديم، كانت إبداعات أناس لم تطأ أقدامهم قط أرض اليونان، فكانت اليونان التي كتبوا عنها، وبوضوح شديد، يونانا «وهمية». على سبيل المثال، جون كيتس الذي احتفى في أشعاره بروعة الفن الإغريقي والثقافة الإغريقية في إنجلترا في مستهل القرن التاسع عشر (لعل أشهرها «قصيدة على جرة إغريقية»)، زار روما، لكنه لم يغامر قط بأن يقصد اليونان. كما أنه لم يقرأ كثيرا من الأدب القديم، أو على الأقل ليس بأسلوب منهجي دراسي. وكان تقريبا لا يدري شيئا عن اللغة اليونانية القديمة، ولكنه كان يعتمد كلية على الترجمات، وعلى ما كان يمكنه رؤيته في المتاحف.
هذه الصور المتباينة لم توجد في تناغم سلس بعضها بجوار بعض. وكيتس نفسه كان موضع سخرية لا هوادة فيها من قبل الكثيرين في زمانه لجهله باليونان واليونانية. بل إن أحدهم انتقد قصائده نقدا لاذعا (لدرجة أن الكثيرين قالوا إنه أدى إلى وفاته) وأطلق عليه اسم «النظام التافه» الذي كانت رؤيته الرومانسية لثقافة العالم القديم لا تقوم إلا على خياله هو. لكن بايرون وقف على حقيقة الأمر:
Bilinmeyen sayfa