41

وبنت أمه عطف، وكانت أرملة فاضلة لزوج تقي، مدرسة أخرى هي المدرسة التوفيقية الملحقة بجامع التوفيق أو جامع الهوى، الذي يرجع تاريخه إلى هذا العهد، وقد بنى الحفصيون في القرن الأول من حكمهم مسجدين آخرين هما: جامع الزيتونة البراني (عام 1283م) خارج باب البحر، وقد شيد بأمر أبي الفضل ليحل محل الفندق الذي كانت تباع الخمر فيه، وجامع الحلق في الحي نفسه عند المصلى، وبنى أبو زكريا ابن السلطان أبي إسحاق مدرسة ثالثة هي مدرسة المعرض في سوق الكتبيين - وقد بنيت أيضا لتحل محل فندق يؤمه شاربو الخمر - ولكنها زالت من الوجود وأصبحت أثرا بعد عين، ثم عمرت الأسوار أو بعضها على الأقل، ومنها الباب الجديد، وباب المنارة وربما بني معها باب البنات وليس له الآن وجود.

وأصبحت تونس عام 1300م قريبة الشبه جدا بتونس الحالية، فقد امتدت المدينة من الشمال إلى الجنوب، وكانت تنحصر بين القصبة من ناحية الغرب - وهي قصر الأمير الحصين الذي يشرف على المدينة وعلى سهل المنوبة - وبين باب البحر من ناحية الشرق عند أسفل السهل، وهذا الباب يفتح على دار الصناعة ومنها إلى البحيرة، وفي منتصف هذا المرقى وفي سرة المدينة بالضبط المسجد الكبير، وتفتح أبوابه على الأسواق الجديدة المحيطة به، وقد عرف الباب الشمالي بباب البهور، ونحن نتساءل أكان اسم الباب الغربي باب الشفاء؟ وكانت كل سوق تغلق أبوابها إذا جاء الليل، ولا يزال هذا شأنها إلى اليوم، وباب الربع القريب من السوق الذي يعرف بهذا الاسم هو المخرج الجنوبي لهذا الحي كما هي الحال الآن. وقد تجمعت دكاكين بعض أرباب الحرف اليدوية حول المدينة خارج هذه الأبواب، فالصباغون داخل باب الجزيرة، والحدادون عند الباب الجديد، والسروجية عند باب المنارة، وكانت تجاور باب البحر بطبيعة الحال عدة فنادق يتوزعها تجار النصارى، فلما ضاقت بهم هذه البقعة بادروا إلى بناء حي صغير أو ربض خاص بهم خارج الباب، وهو الصورة الأولى للحي الأوروبي، وكانت الدور تبنى متلاصقة، لا فسحة بينها ولا رحبة للأسواق والمحافل، ولم تكن بطحاء ابن مردوم سوى مفرق طريق.

أما الأحياء الخارجية، فهي أحدث عهدا وأقل زحاما، فيها رحبات واسعة يبيع الناس فيها ويشترون، ويحمي كل حي من هذه الأحياء سور خارجي ينتهي عند القصبة، أما أبواب الصف الأول من هذه الحصون فهي في الحي الجنوبي: باب خالد (ولا شك أنه كان في الأصل باب المنصور) في الغرب، وباب الجرجاني في الجنوب، وباب الفلاق وباب علاوة

1

في الجنوب الشرقي، وفي الحي الشمالي: باب الخضراء في الشمال الشرقي، وباب [أبي] سعدون في الشمال الغربي، وباب الأقواس في الغرب، ولعله عين باب العلوج، وقد ورد ذكره لأول مرة بعد هذا العهد، وإذا أردنا أن نعين مكان ربض العلوج فلا مناص من أن نضعه بجوار الباب الأخير، والعلوج مرتزقة نصارى يدفع لهم سلاطين تونس أعطياتهم.

أما القصبة نفسها، فإن أحد بابيها يفتح على الريف، وهو باب الغدر، والآخر على المدينة وهو باب إنتجمي.

وبين باب علاوة وباب الخضراء مجموع من الخنادق تجري فيها الميازيب، فتصب شرقا في البحيرة، والمقابر حول المدينة، وقد لحقت على الأيام بأرباضها، فلما اتسعت هذه الأرباض خرجت عنها، وإلى الجنوب الغربي الزلاج الرحب، ويكاد يكون قائما بنفسه، وهو يخلد ذكر أبي الحسن الشاذلي المتصوف «سيدي بالحسن»، صاحب الطريقة الشاذلية، وقد عاش هناك في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي، وتلاصق باب الجرجاني بجوار مقبرة الهنتاتية أضرحة كثير من «الأولياء».

وقد اعتزت تونس بالمرابطين الذين لا ينكر سلطانهم السياسي أحد، مثل أبي محمد المرجاني مؤدب أبي عصيدة الذي أصبح خليفة فيما بعد، ولها أن تفاخر أكثر من ذلك بمن أخرجتهم من الفقهاء والأدباء والعلماء الذين ازداد عددهم على الأيام، وقد ازدهرت بها علوم الدين كما قال العبدري عام 1289م، وممن برزوا فيها القاضي ابن زيتون عند نهاية القرن الثالث عشر الميلادي.

وكانت للمسلمين المهاجرين من الأندلس مشاركة قيمة في النهوض بدراسة الأدب وفقه المالكية، منهم ابن الأبار، وقاضي القضاة ابن الغماز، وقد وفدا من بلنسية، وبنو عصفور من إشبيلية، وكذلك بنو خلدون أجداد ابن خلدون مؤرخ شمالي إفريقية الأشهر.

كان القرن الرابع عشر موضع إعجاب الرحالة خالد البلوي فهو العصر الذهبي للفقهاء والمفسرين، ومنهم ابن عبد الرفيع، وابن عبد السلام، وعيسى الغبريني، والقاضي ابن راشد القفصي، والمفتي ابن هارون، ثم ابن عرفة الإمام الجليل. أما في ميدان السياسة فإنا لم نأنس في الحكام إلا ضعفا، وفي المحكومين إلا اضطرابا وخوفا، فليس أيسر من أن يهدد الأعراب المدينة، كما احتلها المرينيون مرتين، وكان نموها ناحية الغرب وناحية الجنوب الغربي بالغ القوة في القرن السابق، ثم أعقبه شيء من الخمول، ومع ذلك فنحن نذكر أن مدرستين قد أنشئتا في هذا العهد، ابتنت الأولى أخت الخليفة أبي يحيى، وتعرف بالمدرسة العنقية (في شارع عنق الجمل)، وبنى الأخرى ابن تافراكين الحاجب (في شارع سيدي إبراهيم)، وقد أصبحت الآن أطلالا، ومن سمات هذا العصر أن المهندسين قد عنوا أولا وقبل كل شيء بما تتطلبه ضرورات الحرب، فقد عمر أبو الحسن المريني - بعد هزيمته في القيروان عام 1348م - أسوار مدينة تونس، واحتفر حولها خندقا، ودعم ابن تافراكين الأسوار الخارجية، وأنشأ أحباسا عظيمة لحمايتها.

Bilinmeyen sayfa