وكانت سعادة حامد قد انقضت، ومدته قد انقرضت، فدعاه المقدور إلى قصد دار السلطان في زي الرهبان، واستأذن على نصر الحاجب، فلما دخل ورآه قال له: إلى أين جئت؟ قال: جئت بكتابك. قال: إلى ها هنا كاتبتك بالمجيء؟ ولم يقم له ولا وفاه حقه؛ واعتذر إليه بخوفه من سخط الخليفة متى تجاوز به ما وقف عنده. وراسل نصر مفلحًا الأسود بالخروج إليه، لأن المقتدر بالله كان عند الحرم، فخرج إليه وقال له: قد ورد حامد على ما تراه من هذه الصورة، وهو اليوم في موضع رحمة، وما أولاك باستعمال الجميل معه. وقال حامد لمفلح: تقول لأمير المؤمنين أنا أرضى بأن اعتقل في دارك كما اعتقل علي بن عيسى، ويناظرني الوزير والمحسن والكتاب بحضرة القضاة والفقهاء والقواد، فإن وجب علي شيء خرجت منه بعد أن أُومن على نفسي، وأُمكن من استيفاء حججي. ويمنع المحسن من مقابلتي على المكاره التي أوقعتها به في طاعة أمير المؤمنين، فإنه شاب وبسط يده على مثلي ممن بلغ إلى مثل سني ووجب له من الحرمة ما وجب لي غير لائق بعادات أمير المؤمنين. فأراه مفلح أنه يفعل، ودخل إلى المقتدر فأورد عليه ضد ما قاله، وتكلمت السيدة في أمر حامد وأجابته إلى سؤاله. فقال مفلح: متى فعل ذلك لا يتم لابن الفرات أمر مع الأراجيف الواقعة به. فقال له المقتدر بالله: صدقت. وأمره بأن يتقدم إلى نصر بإنفاذ حامد إلى ابن الفرات، فخرج إليه وعرفه ما رسم له. فاستدعي حامد من نصر ثيابًا يغير بها ما عليه، فامتنع مفلح من الإذن له في ذلك، وقال: وقد أمرني مولانا بإنفاذه على زيه الذي حضر فيه. فلم يزل نصر يشفع له إلى أن أذن في تغيير، وأنفذه مع ابن الزنداق الحاجب.
1 / 43