فأخبر أن الذين يؤتيهم الأجر، ويؤمنهم من الخوف والحزن هم من اتصف بصفات المؤمنين الذين حرموا ما حرم الله من الربا، وأحلوا ما أحل الله من البيع، وعملوا الصالحات التي أمر الله بعملها وصلوا وزكوا، كما قال عز وجل فيهم في آية أخرى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار} ، لا للذين أحلو ما حرم الله وارتكبوا الربا وقد وعظهم الله تعالى، ثم أكد تحريم الربا بقوله عز وجل:{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} فأعاد تبارك وتعالى ذكر الأمر بترك الربا، وآذن من لم يفعل بما هو أعظم الأمور وأشدها، وما لا تقوم له الجبال الرواسخ والشم الشوامخ، ولا السماوات ولا الأرض من حرب الله[12/أ] ورسوله. فيقال لصاحب الربا: خذ أهبتك وسلاحك للحرب، فأي قوة له على ذلك، وأي تهديد أعظم من ذلك، وأي أمر أفجع وأفظع على العبد الضعيف من محاربة الله ورسوله، وكيف لا ينتهي عما نهاه الله عنه وهو يعلم ضعفه وعجزه، وقدرة الله عز وجل عليه، ويغتر بشيء حقير يناله من الدنيا الفانية يستبدل به هذا الوعيد الشديد، وعداوة الله القوي المبيد، فاتقوا الله عباد الله، وإياكم والدخول في شيء من شبه الربا، فإن الربا شعب كثيرة كلها مهلكة مردية موبقة مشقية، ومن ذلك ما نعيذكم بالله منه مما اتخذه بعض المرابين والظلمة من عباده طريقا إلى الربا، من أعطى الحب للمحتاجين وقت الحاجة على صورة القياضة والبيع والتأجيل توصلا إلى أن يقبضوا منهم عند الرخص أضعافه التي قال الله عز وجل فيها: {ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون، واتقوا النار التي أعدت للكافرين، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} .
ومن ذلك بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل التأجيل من بر وغيره، وأعظم من ذلك من يبيع بدين قد أغلاه، ثم ينقد لمن اشتراه منه دون ما باعه منه ويشتريه منه، وهو من مسألة العينة التي عظم النهي عنها ووقع كثير من الناس فيها.
ومن ذلك صرف نحو القروش بالبقش مصريها وعدديها، وصرف المصري أيضا بالعددي لتفاوت وزنها وعدم تيقن المساواة فيها، وقد شرط نبيكم صلى الله عليه وآله في حلها التساوي فقال: ((الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد)) فحرم صلى الله عليه وآله البيع والشراء فيها إلا أن تكون متساوية وحاضرة، وقال في آخر الخبر: ((فمن زاد أو ازداد فقد أربى)).
Sayfa 140