265

Asma ve Ebsar Hazinesi

تحفة الأسماع والأبصار

Bölgeler
Yemen

ولما رجع إلينا جوابه بالمطابقة والموافقة، سارع الأمير عبدالوهاب إلى محمد باشا بكتاب يذكر به مثل ما عرفناه به، وأرسل به رسولا من فوره، ثم إنه تجدد بعد ذلك اختلاف رأي الملك علينا، وقال: مروركم من جانب الأتراك لا سبيل إليه، ولا يمكن أن يكون ذلك، فإنهم أعداؤنا وأعداؤكم ولا أمانة لهم، فقلنا له: أما عدواتهم فلا ننكرها، وأما الغدر منهم فلا نظن ذلك فيهم، فإن الغدر مذموم في كل ملة وفي حكم كل شريعة، ألا ترى أنا دخلنا بلادكم، ووصلنا إليكم بمجرد كتاب منكم، وأنتم مخالفون لنا في الدين والملة، فأنتم على دين النصرانية ونحن على دين الإسلام، فلو أنا ما وثقنا بقولكم وما وصلنا إليكم، وما رأينا عاقبة ذلك إلا وفاء وكرامة، وعافية وسلامة، وأما الأتراك فهم -على ديننا وملتنا وكتابهم كتابنا، ونبيهم نبينا، فكيف أن لا نقبل منهم الأمان، ونجعله أعظم حجة بيننا وبينهم، وليس المراد للملك إلا الرجوع في طريق بيلول لتلك الأغراض التي يريدها فقط، فما برحت المراجعة بيننا وبينه دايرة، والأقوال مختلفة، وهو يتوسل علينا بكثير من الناس، ويلقي إلى أصحابنا شيئا من ذلك الحديث سرا وجهرا، ويخوفهم من السلوك في جانب الأتراك بكل مخافة، والملك في ما أعتقد غير محيط علمه بصفات هذه الطريق التي يحاولها من جانب بيلول، وإلا فلو يعرفها حق المعرفة ما أظنه يستحسنها مع وجود غيرها، فلما طال الحديث بيننا وبينه على ذلك، وعرف أنا باقون على تلك النية غير منقلبين عنها، لم يجد بدا من إسعافنا إليها، غير أنه طلب منا شاهدا نكتبه يكون في يده يقضي ببراءته من هذا الرأي، وأن عاقبته من سلامة أو ندامة لنا وعلينا، فوضعنا له شاهدا، وقبضه منا وقد أشهدنا فيه على أنفسنا وأعطاه ذلك الرسول الذي وصل إلى الإمام، ودخلنا في صحبته؛ لأن الملك عازم على عوده إلى حضرة الإمام -عليه السلام- ثم بعد ذلك خلى سبيلنا في سلوك هذه الطريق التي كانت عاقبتها ولله الحمد أحمد، والرأي في سلوكها هو الرأي الأسعد، وقد أطردنا الحديث على هذا النسق، وبقي لنا أشياء لاغنا عن ذكرها، مما يتعلق بأيام إقامتنا، وقد قدمنا ما ذكر ما أمر به من أمور النفقة المرتبة في كل شهر، على نظر ذلك الوزير المسمى (حواريا) مع مشاركة ساير الوزراء في تلك الأعمال، ومشارفتهم عليها كما هي قواعدهم المعروفة في جميع[91/أ] الأحوال، فإن التصرف والتدبير الذي هو في الحقيقة من التدبير إنما هو في أيديهم، وجار على مرادهم، وآرائهم متطابقة في الإستواء على اتباع الأهواء، لا تظهر فيهم المنازعة، ولا تقع فيهم المدافعة، أعمالهم مبنية على الجور وأكل الرشا، يتعاملون بذلك ظاهرا، ويشطرونها على أهل الحاجات شاهرا، لا يستترون بها، ولا يستحيون منها، وكانوا لهذه الصفات الدنية فيهم يريدون التباطؤ بقضاء أغراضنا وإبلاغ حوائجنا، ليضطرونا إلى الولوج في هذه المخازي، والدخول في هذه النقايص، فتقاصرت عنا آمالهم، ولم تبلغ إليها أعمالهم، لما رأوا من علو منزلتنا عند الملك، والإتصال به في أي وقت نريده، فنافسونا على ذلك، وأدركنا منهم العداوة والبغضاء، والمكايدة والمعاندة، ومما اتهمناهم به أمر الحريق الذي وقع معنا هنالك، فإن فاعله إنما أراد هلاكنا بالنار غير أن الله سبحانه وتعالى أبقى علينا ستره، وأبطل على الساعي بذلك كيده ومكره، وكيفية الحال في هذا الحريق، أنا لم نشعر في بعض الليالي وقد هدأت العيون بمراقدها، وأخذت الجنوب مضاجعها، إلا وقد اشتعلت النار في جانب العشة التي أنا فيها مع شدة رياح العاصفة، وزعازع منها قاصفة، فأسرعت في الإشتعال، وأتلفت جميع ما لدينا من الآلات وساير الأثقال، ولم نتمكن بعد ظهور النار إلا من النجاة بالنفوس، فالحمد الله الذي نجانا من ذلك البؤس، وكان من أهم ما أهمنا من ذلك حريق الكتب التي كنا استصحبناها، فإنه ذهب منها شيء بالكلية وبعضها بقي منه بقية، وبعضها وقع فيه شين وتناقص عن حالته السليمة السوية، إلا نفس المصحفين الذين كانا في تلك العشة، فإنا وجدناهما سليمين لم يصبهما شيء أصلا، وإنما وقع في إحداهما شين يسير، في جلده فقط وذلك من فضل الله وكرامة كتاب الله، ووقع معنا من هذا الحريق روعة عظيمة، وفزع كبير، رأينا سلامتنا منه والله الحمد نعمة عظمى، ومنه طلع نجمها في فلك السعادة الأسمى:

Sayfa 397