Acyana Armağan
تحفة الأعيان لنور الدين السالمي
Türler
هذا كتاب موسى إلى الإمام أوصيك ونفسي بتقوى لله وطاعته والاجتهاد لله في إقامة ما ابتلاك بإقامته وحفظ ما استحفظك من أمانته , فإنك من يحق عليه الله الاجتهاد به صلاحك في المعاد فكن بذلك دائنا ولو تكون بنفسك به ثابتا إلا من وجد معك في ذلك وسايرك وعاونك على ذلك وناصرك , ولست على شيء حتى تقيم كل شيء مقامه؛ وتبلغ من كل أمر تمامه , وتأخذ منه بالمعرفة واليقين , وتكون منه على الحق المبين الذي لا ترى فيه شكا , ولا تخاف على نفسك هلكا , ولا يرتاب فيه من يرتاب ولا يعيبك فيه من عاب , فإن الله جعلك على أمر مبرأ من اللبس , مطهر من الدنس , وجعل أهله من ذلك أبرياء قد ارتضاهم ورضي عنهم وهم ولاة أمانته وأهل ولايته , لهم وراثة الأرض وأئمة الهدى يحكمون بالحق وبه يعدلون , قد استضاءت علانيتهم بضياء سريرتهم , وطاب ثناهم بطيب أعمالهم , لهم في الناس أمانة وللقلوب بهم طمأنينة , ولا تحسن القلوب تهمتهم ولا تنكر معرفتهم ولا تتحرج لهم الصدور , ولا تستنكر منهم الأمور , وإنما أبدي ذلك لهم وأظهر وأضاءه لهم ونوره الذي أسروه من البر والتقوى , وكذلك من أسر خلاف ما أظهر قربت منه الظنون , قال فيه القائلون؛ والمرء من بيانه قريب , وهو لعلمه نسيب , وعلى ما أطاع الله ورأى وأظهر لهم من الثناء جرت الولاية وانقطعت وأديت الحقوق ومنعت , فحق على من كان من ذلك على بينة ومعرفة أن لا يخاف في ذلك لومة لائم , ولا مخافة , وأن يعمل بما يبصر ويدع ما ينكر ولا يعمل بتبذير ولا يدخل نفسه في تغرير , فإنها شريعة ليست بمستحيفة وحمالة ليست بخفيفة , برأ أهلها من الحرج وعدلهم من العوج , ولم يرض لهم بالأخذ بالريبة ولا بنزول رفاهية ولا بموافقة رضاء ولا بإعراض ولا إغضاء عن الحذر لأهل الفتنة والاحتراس منهم في السر والعلانية, بل عرف عدواتهم وحذر طاعتهم ونحلهم الخيانة ومنعهم الأمانة , وتقدم فيهم على نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يتخذ منهم وليا ولا نصيرا ولا عضدا ولا مشيرا؛ تطهيرا لدينه وتعظيما لحرماته أن لا يتولى من لا يرعاه؛ ولا يدين له بتقواه؛ ولقد برأ الله من ذلك بيته الحرام وجميع حرم الإسلام حيث يقول في بيته ( وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ).
فالإسلام من الله بمكان رفيع في عز منيع من أهل الريب والأدناس أن يكون لهم سبب سلطان بيد ولا بلسان فيخرقوا ستوره ويطفؤا نوره ويضيعوا مناره , ويطمسوا آثاره , فأبى الله ذلك لهم وحماه عنهم وولاه الله الذين يتطهرون بطهوره ويستضيئون بنوره , ويرعونه حق رعايته ويدينون الله بمخافته فأولئك أولياؤه من الناس وبهم حق الاعتصام والاستئناس لا يلتجئ في الأمور إلا بهم , ولا تحل الأمانة إلا لهم , فأحق من كان له مانعا وعنه دافعا لمن جعل الله له السبيل إلى ذلك بالقدرة وهداه بالنور والبصيرة؛ فهم الذين يحيون سنته ويظهرون ملته ويتوجعون له ويجزعون ولا يرضون له بتضييع ولا يجعلونه في مضيع , ويحمونه ممن يشيعه ويمنعونه ممن يضيعه , ويرون أن تماما انتقض منهم فإليهم يطلب وما ضاع منهم فإياهم يعاتب , وذلك الذي جعله الله في أعناقهم وأخذ من ميثاقهم على القيام له بقسطه؛ والوفاء له بشرطه الذي عهده إليهم وأوجبه حقا عليهم؛ فهذا أمر محفوظ له مخشي فيه الله معمول فيه لله ولأهله فيه إلى الله إياب وفيه سؤال وحساب؛ فجنبك الله وإيانا من ذلك عسره. وجعل لنا ولك بسره؛ وإنا لرحمته راجون وإليه محتاجون.
Sayfa 121