أقضمته حب الفؤاد لحبه ... وجعلت مربطه سواد المدمع
وخلعت ثم قطعت غير مضيع ... برد الشباب لجله والبرقع
١٦- غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة لأبى إسحق إبراهيم الكتبي المعروف بالوطواط (المتوفي ٨١٨ هـ) طبعة مصر ١٢٨٤ هـ.
ومما يورد من المحبة أعذب الموارد هدية يستعطف بها القلب الشارد قال رسول الله ﷺ: (تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء) . وقال ﵊: (تهادوا فإن الهدية تذهب وغر الصدور) وكان ﷺ يقبل الهدية ويثيب عليها. وقال: (لو أهدى إلى كراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت) وقالت عائشة ﵂: "اللطفة عطفة تزرع في القلوب المحبة والإلفة" وفي الأثر: (الهدية تجلب المودة إلى القلب والسمع والبصر) شاعر:
إن الهدية حلوة ... كالسحر تجلب القلوبا
تدنى البغيض من الهوى ... حتى تصيره حبيبا
وتعدي مضطعن العدا ... وة في تباعده قريبا
ومن أمثالهم: إذا قدمت من سفر فأهد لأهلك ولو حجر.
وقال الجاحظ: ما استعطف السلطان ولا استرضى الغضبان ولا أزيلت السخائم ولا استدفعت المغارم بمثل الهدايا، وقالوا: في نشر المهاداة طي المعاداة.
* * * وقال ضياء الدين ابن الأثير في رسالة يذكر فيها الهدية: الهدية رسول يخاطب عن مرسله بغير لسان ويدخل على القلوب من غير استئذان وبهدية المرء يستدل على عقله كما ذكر: أن رجلا أهدى على قتادة نعلا رقيقة فجعل النعمان يرزنها بيده ويقول: يعرف قدر الرجل في سخف هديته اللهم إلا أن يهدى شيئا سخيفا حقيرا فيصيره بالاعتذار عنه شريفا خطيرا.
كما فعل أبو العتاهية فإنه أهدى إلى الفضل بن الربيع نعلا وكتب له معها:
نعلا بعثت بها لتلبسها ... قدم تسير بها على المجد
لو كان يحسن أن اشركها ... جلدي جعلت شراكها خدي
وأهدى الأخيطل الأهوازي إلى ابن حجر في يوم نوروز طبقا فيه وردة وسهم ودينار ودرهم وكتب معه:
قل لابن حجر ذي السماح الخضرم ... لا زلت كالورد نضير المبسم
ونافذا مثل نفاذ الأسهم ... في عز دينار ونجح درهم
* * * وقال بعضهم: من امتنع من إهداء القليل لجلالة قدر المهدي إليه انقطعت سبل المودة بينه وبين إخوانه ولزمه الجفاء من حيث التمس الإخاء.
أبو العتاهية:
هدايا الناس لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في القلوب وودا ... وتكسوهم إذا حضروا جمالا
آخر:
ما من صديق وإن تمت صداقته ... يوما بأنجح في الحاجات من طبق
إذا تلثم بالمنديل منطلقا ... لم يخش نبوة بواب ولا غلق
لا تكذبن فإن الناس مذ خلقوا ... لرغبة يكرمون الناس أو فرق
وبالجملة إذا كانت من الصغير إلى الكبير فلطفت ودقت كان أبهي وأحسن، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فعظمت وجلت كان أوقع لها وأنجع.
* * * أهدى يعقوب الكندي إلى بعض إخوانه سيفا وكتب معه: "الحمد لله الذي خصك بمنافع ما أهدى إليك فجعلك تهتز للمكارم اهتزاز الصارم، وتمضى في الأمور مضاء المأثور، وتصون عرضك بالإرفاد كما تصان السيوف في الأغماد، ويظهر دم الحياء في صفحة خدك المشروف كما يشف الرونق في صفحات السيوف، وتصقل شرفك بالعطيات كما تصقل متون المشرفيات" * * * وأهدى الصابى دواة ومرفعا وكتب معهما: " قد خدمت مجلس مولانا بدواة يداوى بها مرض عفاته، ويروى بها قلوب عداته على مرفع يؤذن بدوام رفعته وارتفاع النوائب عن ساحته.
وأهدى أيضا على بعض الأصحاب فرسا وكتب معه: قد قدمت إليك فرسا والله تعالى يبارك لك فيه، ويجعل الخير معقودا بنواصيه والإقبال غرة وجهه، ونيل الأماني طلق شده، وفتح الفتوح غاية شأوه، وإدراك المطالب تحجيل قوائمه، وسلامة العواقب منتهي عنايه. والسلام.
(من أهدى هدية حقيرة واعتذر عنها) كتب بعضهم مع هدية حقيرة:
قبول الهدية أرومة ... وحاشاك أن ترد الكرم
فإن الملوك على قدرها ... لتقبل نشابة أو قلم
ابن التعاويذي:
هدية المرء تنبي عن مروءته ... وعن حقارة مهديها وخسته
وما يحيط من المهدي إليه إذا ... كانت محقرة عن قدر رتبته
1 / 39