جعلت فداك للنوروز حق ... وأنت علي أعظم منه حقا
ولو أهديت فيه جميع ملكي ... لكان جليله لك مستدقا
فأهديت الثناء بنظم شعر ... وكنت لذاك مني مستحقا
لأن هدية الألطاف تفنى ... وإن هدية الأشعار تبقى
وحدثنا جحظة قال: دخلت على أبي الصقر بن بلبل، وهو وزير في يوم نوروز، فقال: أين هدية النوروز يا جحظة؟ فقلت: "في صدري أيد الله الوزير" قال: "أحب الهدايا هاتها"، فأنشدته: ب"أبي الصقر" علينا=نعم الله جليله
ملك في عينه الدن ... يا لراجيه قليله
فأمر لي بمائتي دينار، وخلع علي، وحملني.
الباب العاشر
في ذكر شيء من هدايا ملوك الأطراف للسلطان ومكاتبتهم إياه
حدثنا أبو العباس أحمد بن أبي خالد عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي خالد وزير المأمون قال: كتب ملك الهند إلى المأمون مع هدية أهداها إليه: من رهمى ملك الهند، وعظيم أركان الشرق، وصاحب بيت الذهب وألوان الياقوت وفرش الدر.
والذي قصره مبني من العود الذي يختم عليه، فيقبل الصورة قبول الشمع، والذي توجد رائحة قصره من عشرة فراسخ.
والذي يسجد له إمام البد الذي وزنه ألف ألف مثقال من ذهب، وعليه مائة ألف حجر من الياقوت الأحمر والدر الأبيض.
والذي ركب في السعادة في ألف موكب وألف راية مكللة بالدر، تحت كل راية فارس معلمين بالحرير والذهب.
والذي في مربطه ألف فيل خزائمها أعنة الذهب.
والذي يأكل في صحاف الذهب على موائد الدر، والذي في خزائنه ألف تاج وألف حلة جوهر لألف ملك من آبائه، والذي يستحى من الله أن يراه خائنا في رعيته إذا اختصه بالأمانة عليهم والرئاسة فيهم.
إلى عبد الله ذي الشرف والرئاسة على أهل مملكته.
أما بعد فإن الذي تقدم به ذكرنا، أيها الأخ، من الملك والشرف والثروة، فما خطر ما ترتحل به الأوقات وتتخرمه الساعات ذهابا وزوالا والخطر الذي يجب على المستودعين من الله فضيلة العقل والاعتداد به، والمكاثرة له. ولكنا جرينا على ما جرت به سنة الملوك قلبنا، ولم نجهل أن الله له الشرف الذي يفوت الألسن ذكره، فإن الابتداء بتمجيده من أفضل الاعتداد، ولكنا أجللناه عن الافتتاح بذكره إلا في مواقف المناجاة له عابدين.
وأخبارك ترد علينا بفضيلة لك في العلم لم نجدها لغيرك، ونحن شركاؤك في المحبة والرغبة، وإن في أفئدتنا من ذلك ما لم نزل به لله بالفضل ذاكرين. وقد افتتحنا استهداءك بان وجهنا إليك كتابا ترجمته: "صفو الأذهان"؛ والتصفح له يسعد على صواب التسمية، وبعثنا إليك لطفا بقدر ما وقع منا موقع الاستحسان له، وإن كان دون قدرك.
ونحن نسألك، أيها الأخ، أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذرا في التقصير.
وكانت الهدية جام ياقوت أحمر فتحته شبر في غلط الإصبع مملوءا دار، وزن كل درة مثقال والعدد مائة؛ وفراشا من جلد حية تكون بوادي الديبراج، تبتلع القيل؛ ووشى جلدها دارات سود كالدراهم في أوساطها نقط بيض، لا يتخوف من جلس عليها السل، وإن كان به سل وجلس عليها سبعة أيام برئ؛ ومصليات ثلاثا بوسائدها من جلد طائر يقال له السمندل موشى إذا طرحت في النار لم تحترق فراوزها در؛ ومائة ألف مثقال عود هندي، يختم عليه فيقبل الصورة؛ وثلاثة آلاف منا من كافور محبب، كل حبة أكبر من اللوزة؛ وجارية طولها سبة أذ١رع تسحب شعرها لها أربعة ضفائر طل كل شفر من أشفارها إصبع، يبلغ إذا أطرقت نصف خدها، ناهد؛ لها ثماني عكن في نهاية الحسن والجمال ونقاء البياض.
وكان الكتاب مكتوبًا في لحاء شجرة تنبت بالهند يقال لها الكاذي لونه إلى الصفرة، والخط لازورد مفتح بذهب.
فأجابه المأمون: من عبد الله "عبد الله" الإمام المأمون أمير المؤمنين الذي وهب الله له ولاية الشرف بابن عمه النبي المرسل ﷺ وعلى ذكره التصديق بالكتاب المنزل.
إلى ملك الهند وعظيم من تحت يده من أركان الشرق، سلام عليك فإني أحمد إليه الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله وعلى أهل بينه.
1 / 20