فكن مهديا لي فدتك النفو ... س فجودك ممسك أرماقها
نظائر صفرا غدت فتنة ... بلطفة أنامل حذاقها
ومثل الأفاعي إذا ألهبت ... وللروم زرقة أحداقها
ولم أر من قبلها أنفسا ... تذيب الجسوم بإحراقها
وإن مرضت لم يكن برؤها ... بشيء سوى ضرب أعناقها
الباب الرابع
في ذكر من استهدى هدية بغير شعر
حدثنا الأصبهاني قال: كتب رجل إلى محمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة، وكان كريما سخيا، يلقب "الفتى العسكر" يستهديه جارية رقعة فيها" "حفظك الله وحفظ النعمة عليك، إن بين كل أمر يطالبه الرجل وبين المطلوب إليه ذريعة يتوسل بها إلى معروفه، ولي بارتجائك درجة توجب قضى الحقوق. وحاجتي -أبقاك الله - ظريفة من الجواري لم تتداولها أيدي التجار، ولم تمتهنها خدمة الموالى؛ ولى فيها شريطة أعرضها عليك، وأذكرها لك، لترى رأيك فيها.
وهي أنه كان يقال: إذا اتخذت جارية فاستجد شعرها؛ فإن الشعر أحد الوجهين؛ وتكون رائعة البياض تامة القوام، فإنه يقال: إن البياض والطول نصف الحسن. وأنا أقول: إنه الحسن كله، وتكون مليحة المضحك فإنه أول ما تسجلب به المرأة المودة وتعتقد الحظوة، وتكون جيداء العنق، غيداء الليث، كحلاء العين، لها طرف أدعج وحاجب أزج، موردة الخدين سهلتهما، واضحة الجبين، قنواء الأنف، حماء الشفتين، مفلجة الثنايا، نقية الثغر، مشرفة النحر؛ ولست أكره الانكسار في الثديين لأنه ليس للنهود عندي إلا لذة المنظر، وهي أيضا تحول بين المعانق وبين إرادته وليست من قول الشاعر:
حال الوشاح على قضيب زانه ... رمان صدر ليس يقطف ناهد
وأكره العجيزة الضخمة، ولا أحب الرسحاء بل أريدها وسطا، لأن "خير الأمور أوسطها". وتكون سبطة البنان فتلاء الساعد، ممتلئة الذراع، فخمة العضد، قباء البطن، نحيفة الخصر، يطويها الضجيع طي الحمالة؛ عبلة الفخذين، بردية الساقين، لطيفة القدمين.
ولولا إفراط الغيرة لذكرت ما أحبه مما هو مستور إلا عند الحاجة إليه.
وأريدها رخيمة الصوت، شهية النغمة، عذبة الألفاظ، بها غنة الحداثة، وبحة الاحتلام؛ أشجى حلقا من الغريض. وأنغم كلاما في الآذان من نغم "مخارق"، وأثبت حجة من "أبى الهذيل العلاف"، وأبين معنى من "النظام"، ظريفة المجون، حسنة الوقار إن أردتها دنت وإن كرهتها نأت، أطوع من الرداء وأذل من الحذاء.
وقدرك - أيدك الله- يحتمل اقتراحي عليك، وشكري لك يستوجب ما سألته منك، وأنا بالإسعاف جدير، وأنت بالإفضال قمين؛ والسلام.
فأجابه محمد بن منصور: "سألت أعزك الله عن هذه الصفة وطلبت هذا النعت فأعيتني في الدنيا، وما أراني أجدها في الآخرة وقد بعثت إليك ألف دينار لتلتمسها أنت، وتسأل إخوانك معاونتك على ذلك، فمتى وجدتها أو وجدها لك أحد دفعت الدنانير إليه عربون الدلالة وعرفتني مقدار الثمن حتى أنفذه إليك".
قال: وكتب بعض أصحاب معن بن زائدة، وهو ببرذعة، متقلدا لها رقعة فيها: " إن رأى الأمير أن يأمر بحملاني، فإني بغير مركوب فعل إن شاء الله". فوقع معن على رقعته: "يدفع إليه حجر ومهر، وبغلة وبغل، وحمارة وعير، وناقة ونجيب، وبقرة وثور، وسفينة وقارب، وجارية وغلام، وخف ونقل. وما أعلم أنه أبقى شيء مما يركب إلا فيل وزندبيل؛ وأرجو أن أملكها وأحملك عليهما إن شاء الله".
وحدثنا جحظة قال: كان جعفر بن عبد الواحد الهاشمي بخيلا موسرا، وكان ينزل سر من رأى وكان يستهدى في أيام الرطب من صديق له رطبا، فكان يوجه إليه في كل يوم سلة رطب، فكأنه ربما جاءته متشعثة، فيتهم الغلام أنه يأكل منها.
فلما طال ذلك عليه قال للذي كان يهديها إليه: إن أردت تمام العارفة عندي، وأحببت أن تهنئني بما تهديه إلي فاختمها فقد اتهمت الغلام؛ فكان يختمها ويوجهها إليه، فساء ظنه أيضا بالغلام، فقال: إن أردت سروري وإزالة الفكر عن قلبي فصير ختمك إياها زنبورين حتى لا يتهيأ للغلام فيها ما يريد، ففعل ذلك. فكان إذا فتحها وطار الزنبوران منها علم حينئذ أنها ما فتحت، ولا أخذ الغلام منها شيئا.
الباب الخامس
في ذكر شيء من أخبار الهدايا
1 / 13