وأمره بتقديم الحجج القاطعة، والبراهين الساطعة، فيما يستنبط منه العلم، ويستخرج منه الحكم، فيبدأ بأعلاها طبقة، وأسناها درجة، وأسبقها حكمة، وهو الحق اليقين، والنور المبين، كتاب الله العزيز، وحرزه الحريز، المنجي من الردى، والمزجي نحوه الهدى، والمصباح الأزهر، والصباح الأنوار، والمهيع الألوح، والمشرع الأروح، والمتين الذي لا يتضعضع، والمكين الذي لا يتزعزع، يجد عنده الأمن والأنس، وعجز عنه الجن والإنس، وانتفى عنه العمى واللبس، شفاء لما في الصدور، ورحمة للمؤمنين، فمهما حز به مشكل، أو دهاه حكم معضل، فزع إلى نصوصه، وفحص معنى عمومه وخصوصه، وأتمر بأوامره، وانزجر عن زواجره، وقام بحدوجه، عمل بعهوده، ولم يعده إلى ما عداه، ما وجد فيه نصا أو فحواه.
وأمره إن أعوزه في هذه المظنة أن يتطلبه فيما يتلوه من السنة، فيتخذه للقضاء فصلا، سواء ثبت قولا أو فعلا، فهو الحجة الثانية للقرآن، والمحجة التالية للفرقان، والمضاهي له في الحجة، وإن فاضله في البهجة، والمداني في الإيجاز، وإن لم يبلغ حد الإعجاز، {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم:4]، إذا تواتر أوجب العلم والعمل، وإذا تقاصر فروي بطريق الآحاد لزم العمل، وإن تعارض الخبران، وتناقض المخبران، فسبيل المجتهد أن يبحث عن التاريخ، فإن وجد وإلا عمل على الترجيح، فأخذ عند ذلك بالتحقيق، وسلك فيهما طريقة التلفيق، إن دفع فيهما إلى المضيق، أو يعدل إلى ما سواه من الدليل، إن لم يمكن التأويل، ففي السنة الخروج من السنة، {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب:21]، فسبيل المجتهدين أن يتنبهوا، {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر:7].
Sayfa 260