نظرتُ في فارس والروم فإذا هم يُغِيلون أولادهم، فلا يضر ذلك أولادَهم شيئًا" (^١).
فقد كان مشهورًا بين العرب أن الغَيْل يضر بالطفل، فوقع في ظنه ﵌ صحة ذلك وأنه مبني على تجربة صحيحة، فأراد أن ينهى عنه لما فيه من الإضرار، ثم سأل عن حال فارس والروم فأُخبِر أنهم لا يتوقَّون كما يتوقَّى العرب، ثم رأى أنه لا يظهر بأولادهم ضرر، فظن ﵌ أن الغيل لا يضر، فقال ما تقدم.
[ص ٢٩] وجاء عنه ﵌ حديث آخر: "لا تقتلوا أولادكم [سرًّا]، فإن الغَيْل يدرك الفارسَ فيُدَعْثِره عن فرسه" (^٢).
فإذا صح هذا فلا بد أن يكون متأخرًا؛ لوجوه:
الأول: أن هذا نهي صريح، وقوله في الأول: "لقد هممتُ أن أنهى عن الغيلة" ظاهر في أنه لم يقع منه قبل ذلك نهيٌ، فعُلِم بذلك أن الخبر الصريح بالنهي لم يكن قبل ذلك.
الثاني: أن الخبر الأول مبني على الظن في الجانبين، كما تقدم، والخبر الثاني بتٌّ وقطع، فهو مبني على علم.
الثالث: أن قوله: "يُدرك الفارسَ فيُدعْثِره" شيء لا يُعرف بالقرائن