دقيقة
اعلم أنّ إطلاق لفظ المجاز على ما يفيده، ليس على جهة الحقيقة، وإنما يطلق على جهة المجاز، لأمرين، أمّا أوّلا: فلأن الحقيقة فى هذا اللفظ، إنما هو التعّدى والعبور، وحقيقة ذلك إنما تحصل فى انتقال الجسم من حيّز إلى حيّز آخر، فأما فى الألفاظ فلا يجوز ذلك فى حقها، وإنما تكون على جهة التشبيه، وهذا هو فائدة المجاز ومعناه، وأمّا ثانيا: فلأن المجاز وزنه «مفعل» وبناء المفعل حقيقة إمّا فى المصدر، كالمخرج، والمدخل، وإمّا فى المكان، والزمان، إذا أريد به زمان الدخول، والخروج، ومكانهما، فأما الفاعل فليس مستعملا فيه فيقال بأنه حقيقة كما قرّرنا من قبل أن اسم الحقيقة فعيلة بمعنى فاعلة، أو مفعولة، وعلى هذا يكون استعماله فى اللفظ المنتقل عمّا كان عليه فى الأصل لا يليق إلا مجازا.
المسألة الثانية فى تقسيم المجاز
اعلم أن المجاز واسع الخطو فى الكلام كثير الدّور فيه وليس يخلو حاله إمّا أن يكون واردا فى مفردات الألفاظ أو فى مركباتها، أو يكون واردا فيهما جميعا، فهذه مراتب ثلاث لابّد من كشف الغطاء عنها، وبيان أمثلتها بمعونة الله.
المرتبة الأولى فى بيان [المجازات المفردة]
وهذا نحو استعمال الأسد فى الرجل الشجاع، والبحر فى الكريم، والحمار، فى البليد إلى غير ذلك من المجازات المفردة وجملة ما نورده من ذلك أمور خمسة عشر.
أولها: [تسمية الشىء باسم الغاية] التى يصير إليها،
وهذا نحو تسميتهم العنب بالخمر لما كان يصير إليها، والعقد بالنكاح، لما كان موصّلا إليه، فلأجل توهمهم المبالغة أطلقوا هذه الألفاظ على ما ذكرناه وإن لم تكن حاصلة على ما ذكرناه لما كانت غايتها إليها.
وثانيها: [تسمية الشىء بما يشابهه] ،
وهذا نحو تسميتهم المذلّة العظيمة، بالموت، والمرض الشديد، بالموت أيضا وهكذا الأمور الهائلة، والأهوال العظيمة، ووجهه المجاز إما من أجل المشابهة، وإمّا لأنها تؤدّى إليه.
وثالثها: [تسميتهم اليد باسم القدرة]
كقوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
[الفتح: ١٠] أى قدرته، وقولهم: يد فلان على غيره قاهرة ووجه المجاز من جهة أن اليد محلّ للقدرة، أو
1 / 39