«ما أفاد معنى» عامّ فى الحقيقة والمجاز، لأن كل واحد منهما دالّ على معنى، وقولنا «غير مصطلح عليه فى الوضع الذى وقع فيه التخاطب» يفصله عن الحقيقة، لأنا إذا قلنا:
أسد، ونريد به الرجل الشجاع، فإنه مجاز لأنه أفاد معنى غير مصطلح عليه فى الوضع الذى وقع فيه التخاطب، والخطاب إنما هو خطاب أهل اللغة، وهو غير مفيد لما وضع له أوّلا، فإنه وضع أولا بإزاء حقيقة الحيوان المخصوص، وقولنا لعلاقة بينهما لأنه لولا توهّم كون الرجل بمنزلة الأسد فى الشجاعة، لم يكن إطلاق اللفظ عليه مجازا، بل كان وضعا مستقلّا، فلهذا لم يكن بدّ من ذكر هذا القيد.
خيال وتنبيه
فإن قال قائل: قولكم فى حدّ المجاز إنه «ما أفاد معنى غير مصطلح عليه فى أصل تلك المواضعة» يؤدى إلى خروج الاستعارة عن حدّ المجاز، وبيانه أنا إذا قلنا على جهة الاستعارة، رأيت أسدا، فالتعظيم والمبالغة الحاصلان من هذه اللفظة المستعارة ليس لأنا سّميناه باسم الأسد، ولهذا فإنه لو جعلناه علما لم يحصل التعظيم والمبالغة بذلك، بل إنما حصلا، لأنا قدّرنا فى ذلك الشخص صيرورته فى نفسه على حقيقة الأسد، لبلوغه فى الشجاعة التى هى خاصة الأسد الغاية القصوى، ومتى قدّرنا حصوله على صفة الأسدية وحقيقتها، أطلقنا عليه الاسم، وبهذا التقدير يكون اسم الأسد مستعملا فى نفس موضوعه الأصلّى، ويبطل المجاز.
«والجواب» أنه يكفى فى حصوله المبالغة والتعظيم أن يقدّر أنه حصل له من القوة ما كان للأسد، وعلى هذا يكون استعمال لفظ الأسد فى معنى يخالف موضوعه الأصلى، وبهذا التقرير يحسن وجه الاستعارة، وتتضح حقيقة المجاز.
وهم وتنبيه
فإن قال قائل: إنّ ما جعلتموه حدّا للمجاز يوجب عليكم أن تكون اللفظة الشرعية، كالصلاة والزكاة وما أشبهها مجازا، وبيانه أن لفظ الصلاة، والزكاة، قد أفادا معنى غير مصطلح عليه، فيلزم أن يكونا مجازين، قد قرّرتم أنها حقائق شرعية.
«والجواب» أن فيما ذكرناه فى حدّ المجاز ما يدرأ هذا الاعتراض ويبطله، ألا ترى أنا قلنا فى حدّه: «ما أفاد معنى غير مصطلح عليه فى الوضع الذى وقع فيه التخاطب» ولفظ
1 / 37