ثم وبخه بقوله ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ وأتى ههنا بلم الدالة على المضي في مقابلة قوله ﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾ فإن ذلك في الماضي أفيحسب أن لم يره أحد فيما أنفقه وفيما أهلكه
ثم ذكر برهانًا مقدرًا أنه سبحانه أحق بالرؤية وأولى من هذا العبد الذي له عينان يبصر بهما فكيف يعطيه البصر من لم يره وكيف يعطيه آلة البيان من الشفتين واللسان فينطق ويبين عما في نفسه ويأمر وينهى من لا يتكلم ولا يكلم ولا يخاطب ولا يأمر ولا ينهى وهل كمال المخلوق مستفاد إلا من كمال خالقه ومن جعل غيره عالمًا بنجدى الخير والشر وهما طريقاهما أليس هو أولى وأحق بالعلم منه ومن هداه إلى هذين الطريقين كيف يليق به أن يتركه سدى لا يعرفه ما يضره وما ينفعه في معاشه ومعاده وهل النبوة والرسالة إلا لتكميل هداية النجدين فدل هذا كله على إثبات الخالق وصفات كماله وصدق رسله ووعده
وهذه أصول الإيمان التي اتفقت عليها جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم إذا تأمل الإنسان حاله وخلقه وجده من أعظم الأدلة على صحتها وثبوتها فتكفي الإنسان فكرته في نفسه وخلقه والرسل بعثوا مذكرين بما في الفطر والعقول مكملين له لتقوم على العبد حجة الله بفطرته ورسالته ومع هذا فقامت عليه حجته ولم يقتحم العقبة التي بينه وبين ربه التي لا يصل إليها حتى يقتحمها بالإحسان
1 / 38