كان الأطفال من حولنا يصيحون:
Shut up, shuddup . وكانت هذه هي الكلمة الأولى التي أفهمها من سياقها الدرامي. وقفت مع أختي في باحة المدرسة ونحن ممسكتان كل منا بالأخرى، بينما كان الأطفال يركضون من حولنا، وهم يضربون بعضهم بعضا ويصيحون مثل دراويش المولوية.
7
على الرغم من معاناة إيفا من تغيير الدول، بالإضافة إلى تغيير اللغات والمدارس وحتى اسمها الأول من أجل دمجها في المجتمع على نحو أسرع، فقد نجحت ببراعة في دراساتها وحياتها المهنية. ومع الأسف، ليس كل الأطفال الذين يجدون أنفسهم في سياق «الفشل أو النجاح» هذا يتخطونه على نحو جيد مثل إيفا.
يقضي كثير من الأطفال والمراهقين بعض الوقت في منطقة أخرى أو دولة أخرى من أجل اكتساب اللغة المستخدمة فيها، دون الهجرة الفعلية. حدث هذا على مدار التاريخ البشري، منذ عهد روما القديمة، عندما كانت العائلات الرومانية ترسل أطفالها إلى اليونان حتى يتعلموا اللغة اليونانية. وفي سويسرا، حيث أعيش حاليا، يوجد تقليد منذ زمن طويل يتمثل في قضاء المرء في مرحلة المراهقة بعض الوقت في جزء آخر من الدولة، من أجل تعلم لغته بسهولة أكبر (على سبيل المثال: يقضي كثير من المراهقين الذين يعيشون في الجزء الذي يتحدث بالألمانية السويسرية سنة، وأحيانا أقل، كمتدربين أو مقيمين مع أسر نظير تأدية بعض المهام المنزلية في الجزء الذي يتحدث بالفرنسية). (2) التحول إلى الأحادية اللغوية
كثيرا ما نسمع، أو نقرأ، عن أطفال أصبحوا ثنائيي اللغة، وأحيانا في وقت قصير للغاية، ونتعجب من كيفية قيامهم بهذا. لكننا نادرا ما نسمع النوع نفسه من القصص عن أطفال تحولوا إلى الأحادية اللغوية بعدما كانوا ثنائيي اللغة. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يمثلون جزءا مهما من حياتنا بالقدر نفسه، على الرغم من أن الناس يقدرون اكتساب اللغة أكثر من نسيانها. دعني أذكر لك حالتين: تتعلق الأولى بستيفن - وهو ابن عالم الأنثروبولوجيا روبنز بورلينج البالغ من العمر 16 شهرا - الذي ذهب مع والديه إلى منطقة جارو هيلز في ولاية آسام في الهند. بدأ ستيفن في استخدام كلمات اللغة الجاروية في غضون بضعة أسابيع من وصولهم، على الرغم من أن لغته الإنجليزية ظلت هي السائدة في البداية. ونظرا لأنه كانت لديه مربية من المنطقة، تحسنت لغته الجاروية سريعا، خاصة عندما دخلت والدته المستشفى وترك في رعاية مربيته؛ بالإضافة إلى ذلك، كان والده عادة ما يتحدث معه باللغة الجاروية. سافرت الأسرة إلى منطقة أخرى في الهند في وقت لاحق، وتحسنت لغته الإنجليزية مرة أخرى، خاصة بسبب عودة والدته. وعندما تركت الأسرة منطقة جارو كان سيتفن، الذي جاوز الثالثة قليلا، ثنائي اللغة بحق في الجاروية والإنجليزية، وربما كانت الجاروية هي السائدة قليلا حينها؛ فكان يترجم وينتقل بين اللغتين مثلما يفعل الأطفال الثنائيو اللغة.
8
إن ما يرويه روبنز بورلينج مثير للاهتمام كثيرا؛ إذ يحكي لنا عن عودة ستيفن إلى الأحادية اللغوية؛ فعندما سافرت الأسرة عبر جميع أنحاء الهند، حاول ستيفن التحدث بالجاروية مع الهنود الذين قابلهم، لكنه سرعان ما أدرك أنهم لا يتحدثون بها (فلا يتحدث باللغة الجاروية إلا أكثر بقليل من نصف مليون فرد). كانت آخر مرة حاول فيها استخدام هذه اللغة على متن الطائرة عند عودته إلى الولايات المتحدة؛ فقد ظن أن الفتى الملايوي الجالس إلى جواره كان يتحدث بالجاروية، وكما كتب بورلينج يقول: «انفجر سيل من اللغة الجاروية كما لو أن كل الكلام المكبوت كل هذه الأسابيع قد أطلق سراحه.» حاول والد ستيفن الحديث معه بالجاروية عند عودتهم إلى الولايات المتحدة، لكن بعد بضعة أشهر لم يكن يجيب على حديث والده بها. لم يعرف بورلينج هل كان هذا نتيجة لعدم قدرة ستيفن على الفهم، أم أنه كان يرفض الحديث باللغة «الخطأ». وفي خلال ستة أشهر من تركهم لجارو هيلز، كانت توجد مشكلات لدى ستيفن مع أبسط الكلمات باللغة الجاروية. ينهي روبنز بورلينج حديثه قائلا:
التحق ستيفن بالحضانة في الولايات المتحدة في سن الخامسة والنصف، وقد أصبح يتحدث بالإنجليزية ربما بطلاقة أكثر قليلا من الأطفال في نفس عمره، وبالتأكيد باستمرار أكثر. وهو لا يستخدم حاليا من الكلمات الجاروية إلا الكلمات القليلة التي أصبحت من المتعارف عليه في العائلة، لكني أتمنى أن أتمكن في يوم ما من العودة به إلى جارو هيلز ليكتشف ما إذا كان لا يزال يحتفظ في عقله الباطن بآثار إتقانه للغة الجاروية، بحيث يمكن إعادة إيقاظها إذا عاد إلى الاتصال باللغة.
9
Bilinmeyen sayfa