8
عندما انتهيت من فحصي للكتابات الموجودة عن آثار الثنائية اللغوية التي ظهرت في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، من أجل كتابي «الحياة مع لغتين»، أشرت إلى أن الثنائية اللغوية في حد ذاتها لا يوجد لها مثل هذا التأثير الكبير - سواء أكان الإيجابي أم السلبي - على النمو المعرفي والعقلي للأطفال. وقد استشهدت باختصاصي علم اللغة التطبيقي باري ماكلوكلين، الذي كتب يقول إن نتائج الأبحاث عن آثار الثنائية اللغوية إما ثبت خطؤها من قبل أبحاث أخرى، وإما يمكن التشكيك فيها بناء على المنهجية المتبعة. وكانت النتيجة الوحيدة التي اعترف بها هي أن إتقان اللغة الثانية يشكل فرقا إذا خضع الطفل إلى الاختبار في هذه اللغة؛ فإذا كانت لدى الطفل معرفة جيدة بهذه اللغة، فإن النتائج ستكون جيدة، وإن لم يكن كذلك، فإن النتائج لن تكون جيدة؛ وقال ماكلوكلين: «وهذا ليس اكتشافا مفاجئا.»
9 (2) ما الوضع اليوم؟
في أثناء إعدادي لهذا الكتاب، كنت مهتما بمعرفة إلى أين أخذتنا الكتابات الخاصة بآثار الثنائية اللغوية؛ فاتصلت بأشهر اختصاصية في هذا المجال، الاختصاصية الكندية في علم اللغة النفسي التطوري إلين بياليستوك، وتفضلت بلطف وأطلعتني على آخر المستجدات، وأرسلت لي أحدث الأبحاث لقراءتها.
10
ففي الوقت الحالي لم تعد النتائج قاطعة مثلما كانت في الأبحاث السابقة؛ فلم تكن إيجابية بالكامل ولا سلبية بالكامل، وأصبحت الفروق بين الثنائيي اللغة والأحاديي اللغة، إن وجدت، ترتبط عادة بمهام معينة وأحيانا تكون غير واضحة على الإطلاق.
أثبتت بياليستوك مرارا وتكرارا أن الثنائية اللغوية تعزز القدرة على حل المشكلات، عندما تعتمد الحلول بشدة على التحكم في الانتباه (فهي تتحدث عن «الانتباه الانتقائي» و«ضبط الاستجابة») لأن هذه المهمة تحتوي على معلومات مضللة؛ على سبيل المثال: في دراسة أجرتها مع ليلي سينمان، عرضتا مجموعة من الأشياء المختلفة على أطفال أحاديي اللغة وثنائيي اللغة تتراوح أعمارهم بين سن الرابعة والخامسة. كان من بين هذه الأشياء قطعة من الإسفنج تبدو مثل الصخرة (أطلقتا عليها اسم الصخرة الإسفنجية)، وضعتا هذا الشيء على طاولة وقالتا للأطفال: «انظروا ماذا لدينا! هل تستطيعون أن تقولوا لنا ما هذا؟» أجاب معظم الأطفال الإجابة الصحيحة وقالوا إنها صخرة، ثم أظهرت الباحثتان السمة الخفية في هذا الشيء؛ حقيقة كونه قطعة من الإسفنج، وطرحتا المزيد من الأسئلة؛ فطرحتا بعض الأسئلة عن الشكل (على سبيل المثال: «ما الذي ظننتم عندما رأيتم هذا الشيء لأول مرة؟») وسؤالا عن حقيقته «ما طبيعة هذا الشيء؟» كان هذا السؤال الأخير الأصعب على الأطفال (فقد كانت الإجابة بالطبع: «قطعة إسفنج»)، بسبب ضرورة تجاهل أو تثبيط السمات الحسية لهذا الشيء (فقد كان شكله يشبه الصخرة). اكتشفت بياليستوك وسينمان أن الأطفال الأحاديي اللغة والثنائيي اللغة كانت إجاباتهم متشابهة على الأسئلة المتعلقة بالشكل، لكن الأطفال الثنائيي اللغة حققوا نتائج أكيدة أفضل من الأطفال الأحاديي اللغة في الأسئلة المتعلقة بطبيعة الأشياء. فسرت الباحثتان هذا الاختلاف باقتراح أن الأطفال الثنائيي اللغة أكثر تطورا من الأطفال الأحاديي اللغة في نمو ضبط الاستجابة لديهم.
11
تحدثت في موضع سابق من هذا الكتاب عن دراسة أخرى أجرتها إلين بياليستوك وزملاؤها أثبتت أن هذه الميزة تستمر طوال حياة الشخص الثنائي اللغة، وحتى توجد لدى الأشخاص الثنائيي اللغة الكبار السن.
12
Bilinmeyen sayfa