أنا ثنائي اللغة منذ فترة طويلة، لكني لم أدرك معنى هذا إلا عندما بدأت قراءة الكتابات عن هذا الموضوع. فدون أن أعلم هذا، كنت عرضة لمخاطر لا حصر لها تتمثل في تأخر النمو العقلي وضعف القدرات الذهنية والفصام واللامعيارية والاغتراب، التي من الواضح أنني نجوت من معظمها، حتى إن كان هذا بشق الأنفس. ومع أن والدي كانا يعلمان بشأن هذه المخاطر، فقد استبعداها تماما وجعلاني ثنائي اللغة رغما عني.
4
في منتصف القرن الماضي، تغير الوضع على نحو مفاجئ إلى حد ما، واكتشف كثير من الباحثين أن الثنائية اللغوية ، في النهاية، ميزة حقيقية لدى الطفل. وتعبر دراسة كبرى أجرتها إليزابيث بيل ووالاس لامبرت عن الأبحاث التي أجريت في هذه الفترة. اختارت بيل ولامبرت مجموعة من الأطفال في سن العاشرة من ست مدارس كندية فرنسية في مونتريال، وقارنا الأطفال الثنائيي اللغة في الفرنسية والإنجليزية بالأطفال الأحاديي اللغة في الفرنسية، في مجموعة من الاختبارات. حصل الأطفال الثنائيو اللغة على درجات أعلى في اختبارات الذكاء الشفوية وغير الشفوية. كما أظهرت الاختبارات الفرعية أن لدى الأطفال الثنائيي اللغة أشكالا أكثر تنوعا من الذكاء ومرونة أكبر في التفكير، تتمثل في مزيد من المرونة المعرفية والإبداع والتفكير التباعدي. بالإضافة إلى ذلك، كان الطلاب الثنائيو اللغة أكثر تفوقا في المهام الدراسية في المدرسة، كما أن سلوكياتهم تجاه الطلاب الكنديين الذين من أصل إنجليزي كانت أكثر إيجابية من سلوكيات نظائرهم الأحاديي اللغة في اللغة الفرنسية.
5
وبعد بضع سنوات، استعرض كل من ميريل سوين وجيم كومينز الدراسات التي أجريت في هذا المجال، وتوصلا إلى استنتاج أن الثنائيي اللغة تكون لديهم حساسية أكبر تجاه العلاقات الدلالية بين الكلمات، ويكونون أكثر تفوقا في فهم تخصيص الأسماء الاعتباطي للأشياء، وتكون لديهم قدرة أفضل على التعامل تحليليا مع تركيب الجمل، وحساسية اجتماعية أكبر، وقدرة أكبر على التفاعل بمرونة أكثر مع التقييم المعرفي، ويكون أداؤهم أفضل في تأدية مهام اكتشاف القواعد، ويتمتعون بقدر أكبر من التفكير التباعدي.
6
كيف لنا أن نفسر هذا التناقض بين نتائج الأبحاث التي أجريت في النصف الأول من القرن العشرين، وتلك الخاصة بالأبحاث التي أجريت في النصف الثاني منه؟ وما الذي يمكن للآباء وغيرهم من الذين يتعاملون مع الأطفال الثنائيي اللغة استنتاجه من كل هذا؟ نحن نعلم الآن أن إحدى المشكلات الرئيسية في تفسير نتائج الدراسات السلبية والإيجابية تكمن في التأكد من أن المجموعات التي أجريت عليها الدراسة (من الثنائيي اللغة والأحاديي اللغة) كانت قابلة بالفعل للمقارنة من كافة الجوانب، بعيدا عن ثنائيتهم أو أحاديتهم اللغوية؛ فإن الدراسات المبكرة التي غالبا ما كانت تشتمل على اختبار معدل الذكاء، والتي اكتشفت انخفاض درجات معدل الذكاء لدى الثنائيي اللغة، لم تهتم بالقدر الكافي بالفروق بين المشاركين في الجنس والعمر والخلفية الاجتماعية والاقتصادية وفرص التعليم. بالإضافة إلى ذلك، لم يتضح كيف اختار الباحثون عيناتهم الثنائية اللغة، وما إذا كانت تلك العينات تجيد اللغة التي تختبر فيها بما يكفي. وإذا لم تكن تجيدها، فلا عجب إذا من انخفاض مستوى أدائهم نظرا لأن معظم الاختبارات، بما في ذلك اختبارات معدل الذكاء، تتطلب فهما جيدا للغة المستخدمة.
على الرغم من أن الدراسات التي أجريت في النصف الثاني من القرن العشرين شهدت ضبطا لمثل هذه العوامل على نحو أكبر، فربما وقف التحيز في صف الثنائيي اللغة في هذا الوقت (تذكر أن نتائج الدراسات اللاحقة كانت لصالح الثنائيي اللغة). يذكر جيه ماكناب مشكلتين في دراسة بيل ولامبرت؛ الأولى أن الطلاب الثنائيي اللغة لديهم ربما كانوا ينتمون إلى أسر أكثر انفتاحا على الثقافات المختلفة، وأكثر استعدادا لخوض تجارب جديدة؛ بالإضافة إلى احتمال كونهم طلابا «أكثر ذكاء» من البداية. أما المشكلة الثانية فتتعلق بطريقة اختيار الطلاب المشاركين في مجموعة الثنائيي اللغة؛ فقد كان هناك معيار صارم للغاية لدى بيل ولامبرت، فلا بد أن يكون المشاركون من الثنائيي اللغة المتوازنين؛ بمعنى، الذين لديهم إجادة متساوية للغتين؛ لذلك استبعدوا كثيرا من المشاركين ولم يتركوا إلا «الأفضل». لا عجب إذا أن يكون أداء المجموعة جيدا.
7
أشار سوين وكومينز في دراستهما في عام 1979 إلى أن النتائج الإيجابية كانت ترتبط عادة بأطفال ينتمون إلى المجموعة التي تتحدث لغة الأغلبية، التي شارك أعضاؤها في برامج الانغماس اللغوي، بينما ظهرت النتائج السلبية مع طلاب يتحدثون لغة الأقلية ولم تكن ثنائيتهم اللغوية تقدر، وكانوا لا يعيشون في بيئة اجتماعية تحث على التعلم.
Bilinmeyen sayfa