The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
Türler
المماليك وحكم مصر
لقد حدث فراغ سياسي كبير جدًا بقتل توران شاه، فليس هناك أيوبي في مصر مؤهل لقيادة الدولة، ومن ناحية أخرى فإن الأيوبيين في الشام مازالوا يطمعون في مصر، والشام ومصر كانتا دولة واحدة في زمن الملك الصالح أيوب ﵀، فقد وحد الدولتين بعد حربه مع الأيوبيين والصليبيين في الشام، والآن سيحاول الأيوبيون في الشام ضم مصر إلى الشام لصالحهم، ولا شك أنه قد داخل الأيوبيين في الشام حنق كبير على المماليك؛ لأنهم تجرءوا وقتلوا أيوبيًا، وكان المماليك يعلمون أن الأيوبيين سيحرصون على أخذ الثأر منهم، لكنهم كانوا يدركون أن قيمتهم في الجيش المصري كبيرة جدًا، وهم يعرفون أن المماليك هم القوة الفعلية في مصر، وأنهم قد ظُلموا بعد موقعة المنصورة وفارسكور؛ فقد كانوا السبب الرئيسي في الانتصار، ومع ذلك همش دورهم، كل هذه الخلفيات جعلت المماليك ولأول مرة في تاريخ مصر يفكرون في أن يمسكوا هم بمقاليد الأمور مباشرة، فهم القادرون على أن يغلبوا، فلماذا لا يكون الحكم لهم؟ ولأول مرة طرح هذا السؤال على أذهان المماليك، وقد استخدموا في مصر من أيام الطولونيين، يعني: من سنة (٢٥٤) من الهجرة، ثم بعدها استخدموا أيضًا في أيام الدولة الإخشيدية، ثم في أيام الدولة الفاطمية، ثم في أيام الدولة الأيوبية، وفي كل هذه الفترات كان الجيش يعتمد تقريبًا اعتمادًا كاملًا على المماليك، ومع ذلك لم يفكروا مطلقًا في حكم ولا سياسة، فقد كانوا دائمًا أعوان الملوك، وما كانت تخطر على أذهانهم فكرة الملك أبدًا؛ لكونهم من المماليك الذين يباعون ويشترون، فلم تكن لهم عائلات معروفة أصلًا ينتمون إليها، وهذا يشعرهم بالغربة في البلاد الجديدة التي يعيشون فيها، والخطر لم يكن يمسهم ألبتة، وإنما كان دائمًا يمس السلطة، وهم تبع للسلطة الجديدة، وينتقلون من سيد إلى آخر وهكذا.
وأما الآن فالمؤامرات ستدبر لهم مباشرة، والدائرة ستدور عليهم هم، والملوك ضعفاء، والقوة كلها بيدهم، فلماذا لا يجربون حظهم في الحكم، ولكن صعودهم مباشرة إلى الحكم سيكون مستهجنًا جدًا في مصر، فالناس لا تنسى أن المماليك في الأساس عبيد يباعون ويشترون، وحتى لو أعتقوا، فتقبل الناس لحكمهم سيكون أمرًا صعبًا، وحتى لو كثرت الأموال في أيدي المماليك، وتعددت الكفاءات، وحكموا الأقاليم والإقطاعات فهم في النهاية مماليك، وصعودهم إلى الحكم يحتاج إلى حجة مقنعة للشعب الذي لم يألفهم أبدًا إلا في كنف السلاطين.
كل هذا دفع المماليك البحرية الصالحية إلى أن يرغبوا بعد مقتل توران شاه في فترة انتقالية تمهد الطريق لحكم المماليك، وفي ذات الوقت لا تقلب عليهم الأمور في مصر أو في العالم الإسلامي، فهم يريدون الحكم بعد توران شاه، ولكنهم يريدون فترة انتقالية، بحيث يستوعب الناس جلوسهم على الكرسي بعد ذلك.
إذًا: كانت هذه هي حسابات المماليك الصالحية البحرية، فهم يريدون أن يحكموا؛ لأنهم هم أصحاب القوة الحقيقية، ويخافون على أنفسهم من أن يقصوا من الحكم بسبب أنهم من المماليك، وهذه مشكلة لا يستطيعون حلها.
7 / 15