129

The Story of Civilization

قصة الحضارة

Yayıncı

دار الجيل

Yayın Yeri

بيروت - لبنان

Türler

التي يفرضها عليه سادته أو جماعته؛ فالإنسان ليس بطبعه مطيعًا رقيقًا طاهرًا وليس شيء كالخوف من الآلهة - وذلك بعد القهر الذي خضع له الفرد قديمًا فأنشأ في نفسه الضمير - أخضع الإنسان لهذه الفضائل التي لا تتفق وطبيعته إخضاعها مطردًا صامتًا؛ فأنظمة الملكية والزواج تتوقف إلى حد ما على العقوبات الدينية وهي تميل إلى فقدان قوتها في العصور التي يسود فيها الشك الديني؛ بل الحكومة نفسها التي هي أهم أداة اجتماعية اصطنعها الإنسان، وأبعد أداة عن طبيعة الإنسان، كثيرا ما استعانت بالتقوى وبالكاهن، كما فعل أذكياء الهراطقة مثل نابليون وموسوليني اللذين لم يلبثا أن كشفا عن هذه الحقيقة؛ ومن هنا كان ثمة "ميل إلى قيام دولة دينية كلما نشأت الدساتير"؛ فلئن كانت قوة الرئيس البدائي تستمد الزيادة من السحر والعرافة، فإن حكومتنا (^١) نفسها تستمد بعض القوة من اعترافها السنوي "بإله المهاجرين".
وأطلق أهل "بولنيزيا" كلمة "تابو") ومعناها التحريم (على ما يحرمه الدين؛ فلما تقدمت المجتمعات البدائية بعض الشيء، اصطنعت هذه الحُرُمات الدينية مكانة هي التي أصبحت فيظل المدنية مكانة القوانين؛ وكانت صيغة التحريم عادةً سالبة: فبعض الأفعال وبعض الأشياء أعلن عنها أنها "مقدسة" أو "نجسة" وكان اللفظان في الواقع يعنيان نذيرًا واحدًا، وهو أن تلك الأفعال أو الأشياء لا يجوز لمسها؛ "فتابوت العهد" مثلًا كان محرمًا، ويُروى عن "عُزّى" أنه سقط صعقًا عند لمَسِه لمنعِه من السقوط؛ ويؤكد لنا "ديودورس" عن المصريين القدماء أنهم أكل بعضهم بعضًا إبان المجاعة، فذلك آثر عندهم من الاعتداء على تحريم أكل الحيوان الذي اتخذته القبيلة طوطمًا لها؛ وإنك لتجد في معظم الجماعات البدائية عددًا كبيرا جدًا من هذه المحرمات، فكلمات معينة وأسماء معينة ما كان لها قط أن تُنطق، وأيام معينة

(^١) يقصد الولايات المتحدة. (المعرب)

1 / 118