The Safe Interpretation According to the Methodology of Revelation and Authentic Sunna
التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون
Yayıncı
(المؤلف)
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
Türler
التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون
تفسير القرآن الكريم على منهاج الأصلين العظيمين - الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة - على فهم الصحابة والتابعين
تفسير منهجي فقهي شامل معاصر
المؤلف: الأستاذ الدكتور مأمون حموش
المدقق اللغوي: أحمد راتب حموش
الطبعة: الأولى، ١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
1 / 3
جميع حقوق الطبع والتصوير محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
١٤٢٨ هـ-٢٠٠٧ م
موافقة وزارة الإعلام
رقم: ٩١٠٩٢
ورقم: ٩١٤٥١
تاريخ: ١٦/ ٧/ ٢٠٠٦ م
دمشق- سورية
يطلب من المؤلف
دمشق هاتف: ٣٢١٨٤٧١
المدقق اللغوي
الدكتور أحمد راتب حموش
1 / 4
لمحة عن المؤلف
الاسم: مأمون حموش
مكان وتاريخ الولادة: دمشق- سورية
الثلاثاء ١٧ - محرم- ١٣٨٢ هـ
١٩ - حزيران- ١٩٦٢ م.
الدرجات العلمية والتخصصية:
١ - إجازة في العلوم- رياضيات فيزياء- الترتيب الأول بامتياز- جامعة دمشق ١٩٨٥.
٢ - إجازة في الهندسة المدنية- جيد جدًّا- جامعة دمشق ١٩٨٥.
٣ - ماجستير في العلوم- جمل المعادلات التفاضلية- جامعة أوكلاهوما- الولايات المتحدة الأمريكية- ١٩٨٨.
٤ - ماجستير في الهندسة الإنشائية- قشريات ثنائية الانعطاف- جامعة أوكلاهوما - الولايات المتحدة الأمريكية- ١٩٨٩.
٥ - دكتوراة دولة في العلوم- رياضيات فيزياء- الجمل الديناميكية- جامعة آركنساس- الولايات المتحدة الأمريكية- ١٩٩٣.
٦ - دكتوراة فلسفة في الهندسة الإنشائية- نظرية المرونة ونظرية العناصر المنتهية والمحيطية في التحليل اللاخطي ومجالات التقارب- جامعة آركنساس- الولايات المتحدة الأمريكية- ١٩٩٣.
٧ - تخصّص في العلوم الشرعية مع حفظ القرآن الكريم وأغلب كتب السنة والسيرة الصحيحة.
المؤلفات العلمية:
١ - السيرة النبوية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة (٣ - مجلدات).
٢ - أصل الدين والإيمان- عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان (٢ - مجلد).
1 / 5
٣ - تحصيل السعادتين على منهج الوحيين (أبحاث في علم النفس- مجلد).
٤ - منهج الوحيين في معالجة زلل النفس وتسلط الجن (أبحاث في علم النفس- مجلد).
٥ - الأمراض النفسية وعوامل الشد إلى الخلف (أبحاث في علم النفس- مجلد).
٦ - الحج والعمرة على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة.
٧ - علوم الحديث وتراجم أعلامه وفرسانه.
٨ - السياسة الشرعية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة.
٩ - التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون (٨ - مجلدات).
١٠ - نظرية المرونة- دراسة تحليلية وتطبيقات هندسية- جامعة دمشق.
١١ - الرياضيات المتقدمة للمهندسين- كلية الهندسة المدنية- جامعة دمشق.
إضافة إلى موضوعات وأبحاث علمية متنوعة قيد الإنجاز.
المساجد التي تعاقب على الخطابة والتدريس فيها:
أ- ما بين الأعوام ١٩٨٧ - ١٩٩٣.
١ - مسجد الصديق- ستيل وتر- أوكلاهوما- الولايات المتحدة الأمريكية.
٢ - مسجد حمزة- فيتفل- آركنساس- الولايات المتحدة الأمريكية.
٣ - المراكز الإسلامية في ولاية: نيوجرسي، تكساس، كاليفورنيا، أوكلاهوما، آركنساس، وغيرها في الولايات المتحدة الأمريكية.
ب- ما بين الأعوام ١٩٩٤ - ٢٠٠٦.
١ - مسجد عمار بن ياسر- قرى الأسد- دمشق.
٢ - مسجد البراء بن عازب- باب شرقي- دمشق.
٣ - مسجد الخجا- حيّ المزّة- دمشق،
٤ - مسجد الحسن- أبو رمانة- دمشق.
٥ - مسجد القزاز- حي برزة- دمشق.
٦ - مصلى العيد- جبل قاسيون- دمشق.
إضافة إلى مساجد متفرقة أخرى.
1 / 6
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
المقدمة
إن الحمد لله نحمدهُ ونستعينُه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشمهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدهُ ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد: فإن خير الكلام كتاب الله، وخير الهدي هديُ محمد ﷺ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وإنَّ الله سبحانه في كتابه الكريم قد أثنى على القرآن العظيم، فوصفه في أوصاف عالية، هي في منتهى الفخامة:
١ - مبين. قال تعالى: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [يوسف: ١].
٢ - عظيم. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: ٨٧].
٣ - مجيد. قال تعالى: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ [ق: ١].
٤ - حكيم. قال تعالى: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس: ١ - ٢].
٥ - ذو ذكر. قال تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١].
٦ - كريم. قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ [الواقعة: ٧٧ - ٧٨].
1 / 7
٧ - مبارك. قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: ٩٢].
٨ - روح. قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢].
٩ - بشير ونذير. قال تعالى: ﴿حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [فصلت: ١ - ٤].
١٠ - عزيز. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ [فصلت: ٤١].
١١ - علي. قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤].
هذا الثناء الرفيع من الله سبحانهُ على كتابهِ قد لفت انتباه المسلم الصحابي فأفردهُ بمكانة خاصة في حياته حفظًا وتلاوة وتدبرًا وعملًا.
وقد أنزل الله تعالى هذا القرآن مُنَجَّمًا مفرقًا على الوقائع ليكون ذلك أثبت في الفهم والحفظ والتدبر، فكان الصحابة لا يتجاوزون عَشْر الآيات منه حتى يتقنوا تلاوتها وحفظها ويقوموا بها ويعملوا بمقتضاها، ثم يغادروا إلى عشر آيات غيرها، وهو أمر حَريّ بالمسلمين اليوم أن ينتبهوا له عند تعليمهم أبناءهم كتاب الله في المساجد أو البيوت أو حلق العلم والذكر، فلا يكون الهدف هو التسابق في الحفظ فحسب لِيُنسى بعد أيام أو سنين إن لم يتعاهده صاحبهُ من التفلت، وكذلكَ لا يكون الجهد كله منصبًا على حراسة الحفظ فحسب دون العناية بالفهم والتفسير والأحكام والواجبات وربط القرآن بالحياة، فهذا أمر غفل عنهُ كثير من المسلمين اليوم، فإذا جاءت الفتن فلا ينفع الحفظ الذي لم يقترن بالتفسير وفهم سنن الله وأحكامهِ في الأمم، ونواميس التغيير في الأحوال والنعم، ومعرفة الله بأسمائه وصفاته ومحامده ووعده ووعيده وما أخَّرَ للمسرفين من العذاب والنِّقم، ولكن إذا اقترن الحفظ وحسن التلاوة بحسن الفهم والعمل ثم الانتقال بعد ذلكَ إلى غيرها من الآيات كان أقرب لطريقة النبي ﷺ مع أصحابه رضوان الله عليهم.
ثمرات علم التفسير:
١ - فهم كتاب الله العظيم، الذي أنزله بلسان عربي مبين.
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: ٢].
1 / 8
٢ - التأمل والتدبر بآيات هذا الكتاب الكريم، فهو الكتاب المعجز والحجّة والذكر الحكيم.
قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢].
وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالهَا﴾ [محمد: ٢٤].
وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: ٢٩].
قال القرطبي: (فالواجب على من خَصَّهُ الله بحفظ كتابه أن يتلوهُ حق تلاوته، ويتدبّر حقائق عبارته، ويتفَهّمَ عجائبه، ويتبيّن غرائبه).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعًا: [والقرآن حجةٌ لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها] (١).
وفي جامع الترمذي ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن جبير بن نفير عن أبي ذر الغفاري مرفوعًا: [إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه. يعني القرآن] (٢).
٣ - أخذ الحِكَم والفوائد والدروس من الآيات للاعتبار، ومعرفة علل النواهي والأوامر والأخبار.
قال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨].
فالقرآن كتاب الله ﵎، فيه نبا من قبلنا، وخبرُ ما بعدنا، وحكم ما بيننا، وهو الفصل ليس بالهَزْل، مَنْ تركه مِنْ جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهُدْى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرد،
_________
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٢٣)، وأحمد (٥/ ٣٤٢)، والدارمي (٦٥٨)، والبيهقي (١/ ١٠).
(٢) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (٢/ ١٥٠) عن جبير بن نفير مرفوعًا مرسلًا، وأخرجه الحاكم (١/ ٥٥٥) موصولًا كما يتضح من السند، وكذلكَ البيهقي في "الأسماء والصفات" (٢٣٦)، ورجاله ثقات، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٩٦١).
1 / 9
ولا تنقضي عجائبهُ، مَنْ علِمَ علمهُ سبَق، ومَنْ حكم به عدل، ومَنْ عملَ بهِ أُجِرَ، ومن دعا إليهِ هدي إلى صراط مستقيم.
روى مسلم وأهل السنن من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: [من سلك طريقًا يلتمس فيه عِلمًا سَهّل اللهُ له طريقًا إلى الجنة، وما اجتمعَ قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم اللهُ فيمن عنده، ومن أبطأ به عملهُ لم يُسرع به نسبه] (١).
٤ - وقوع الخشية والرهبة في القلب، نتيجة التأثر بمعاني كلام الرب.
قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: ٢٣].
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَال عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ١٦].
ثم إن خشوع قلوب المؤمنين للقرآن العظيم، يُقابل بشفاعة القرآن لهم يوم الدين.
ففي صحيح ابن حبان بإسناد جيد عن جابر، عن النبي ﷺ قال: [القرآنُ شافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، من جَعَلَهُ أمامَهُ، قادَهُ إلى الجنة، ومَنْ جَعَلَهُ خلفَ ظَهرهِ، ساقَهُ إلى النار] (٢).
وقوله: "وَمَاحِلٌ مصدق". أي: خصم مجادل مُصَدَّقٌ، والمماحلة في كلام العرب المماكرة، والمكايدة، فالقرآن شافع لأهله أهل الخشية والإيمان، خَصْمٌ مجادِلٌ لمنكريه أهل المكر والطغيان.
٥ - وقوع الطمأنينة على القلوب، نتيجة العلم بآفاق كلام المحبوب.
فالطمأنينةُ تنزل على قلوب أهل الإيمان، الذين هم أهل العلم بالقرآن، أهل الله وخاصتهُ من الإنس والجان.
_________
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٦٩٩)، و(٢٧٠٠)، وأبو داود (٤٩٤٦)، والترمذي (٢٩٤٥)، والنسائي في "الكبرى" (٤/ ٣٠٨ - ٣٠٩)، وابن ماجة (٢٢٥)، ورواه أحمد في المسند (٢/ ٥٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن حبان (١٧٩٣)، وأشار المنذري في "الترغيب" (٢/ ٢٠٧) إلى تقويته، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٠١٩) وقال: إسناده جيد، رجاله ثقات.
1 / 10
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨].
وفي سنن ابن ماجة والنسائي بإسناد حسن عن أنس بن مالك، قال: [قال رسول الله ﷺ: إنَّ لله أهلينَ من الناس. قالوا: يا رسول الله! مَنْ هُمْ؟ قال: هُمْ أهل القُرآن، أهلُ اللهِ وخاصّتهُ] (١).
وفي الأثر عن عثمان: (لو سلمت قلوبكم ما شبعتم من كتاب الله تعالى).
٦ - معرفة ضوابط وقواعد أصول الدين والسلوك والأحكام، نتيجة التفسير والتحليل المنهجي لآيات هذا القرآن.
ففي علم التفسير علم الأصول والقواعد والأحكام، وفهم ميزان وضوابط الحلال والحرام، وإلا فإن في الجهل والفوضى الهلاك وخراب البنيان.
قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٢ - ٨٣].
وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح من حديث أبي جهيم مرفوعًا: [لا تُماروا في القرآن، فإن مِراءً في القرآن كُفر] (٢).
وفي مسند أحمد -كذلكَ- عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: [هلاك أمتي في الكتاب واللّبن. قالوا: يا رسول الله! ما الكتاب واللبن؟ قال: يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله ﷿، ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع ويبدون (٣)] (٤).
٧ - معرفة منهاج الشريعة في تقرير الأحكام، ومعالجة مستجدات الأمور التي طرأت عبر الزمان.
_________
(١) حديث حسن. أخرجه ابن ماجة (٢١٥)، والنسائي في "الكبرى" (٨٠٣١)، والحاكم (١/ ٥٥٦) وإسناده حسن، رجاله ثقات. وانظر صحيح سنن ابن ماجة (١٧٨).
(٢) حديث صحيح. انظر مسند أحمد (٤/ ١٦٩ - ١٧٠)، وصحيح الجامع (٤٣٢٠)، وسندهُ صحيح.
(٣) أي يخرجون إلى البادية لطلب اللبن في المراعي على حساب ترك الجماعات والجمع والاهتمام بالدين. وهو شأن كثير من أهل هذا الزمان.
(٤) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٤/ ١٥٥)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢٧٧٨).
1 / 11
ففي علم التفسير علم الدنيا والآخرة، وتقرير مناهج بناء النفس والأسرة والمجتمع والدولة، وتأصيل القواعد والأصول لدراسة مستجدات الأمور في حياة المسلمين، على منهاج التفسير المستنبط من نور الوحيين.
قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤].
قال الإمام أحمد كما يروي عنه أبو الحارث: (لا يجوز الإفتاء إلا لرجل عالمٍ بالكتاب والسنة) - أعلام الموقعين.
أخرج الطبراني في "المعجم الكبير" بسند صحيح عن أبي ذر قال: [تركنا رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علمًا، فقال ﷺ: ما بقي شيءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الجنة ويُباعد من النار إلا وقد وبُيِّنَ لكم] (١).
٨ - فوائد علمية أخرى كثيرة، لا يحصيها إلا الله ﵎.
إنَّ هذا الكتاب الذي أقدّمهُ اليوم للأمة هو تفسير الوحي العظيم، على منهج الوحيين وفهم الصحابة والتابعين، وهو منهاج متكامل في فهم كتاب الله ﷿، لا يقتصر على فهم الآيات وذكر معانيها، بل يتعداه إلى ربطها بما صَحَّ من أسباب نزولها، واستنباط الفقه والأحكام الشرعية المتعلقة بها، ووصلها بعلوم من صحيح السنة العطرة تتصل بآفاقها، وبقواعد السياسة الشرعية، وأصول الفقه المستنبطة منها ومن منهاج السيرة النبوية المطهرة.
وقد كنتُ بدأت في مشروع هذا التفسير أيام التخصص في الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة للشعور بضياع المسلمين وجماعاتهم في متاهات الرأي والهوى والحزبية، والتجرؤ على تحريف فهم الآيات والنصوص الشرعية، لتناسب مناهجهم التي وضعها لهم مشايخهم والتي هي في كثير من أحوالها تقليد لمناهج أرضية، وتنحرف في بنائها عن منهاج صحيح السيرة النبوية.
ولما كانت التفاسير الموجودة في تاريخنا وعالمنا الإسلامي تفتقر أحيانًا إلى المنهج، وأحيانًا إلى التأصيل، وأحيانًا إلى علوم الوحي الثاني "السنة الصحيحة
_________
(١) حديث صحيح. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٦٤٧)، وأخرجه أحمد (٥/ ١٥٣) من طريق آخر عند أبي ذر. وبنحوه البزار (١٤٧). وانظر السلسلة الصحيحة (١٨٠٣).
1 / 12
المطهرة"، بل يشكل بعضها -أحيانًا- صورة من الفوضى والضياع لا يخلص طالب العلم معها إلى فهم دقيق واضح لكثير من الآيات المتشابهات، أضف إلى ذلك امتلاء بعضها أو أكثرها بالإسرائيليات والأخبار الواهية والقصص المكذوبة، والأحاديث الضعيفة والموضوعة، والأقوال الكثيرة المتعارضة، وغير ذلكَ من العيوب، فقد دفعني هذا الركام من المشكلات إلى الاستعانة بالله على تفسير أصيل يبث في الأمة معاني القرآن بروح الوحيين وجمال منهاج النبوة، بعيدًا عن الرأي والفلسفة وعلم الكلام والخرافات، والقصص الواهية والإسرائيليات، وفوضى المعاني والأقوال والتناقضات، وهو في الوقت ذاته تفسير عصري يواكب فهم المستجدات، وعصر العلوم والاكتشافات.
وقد أفدت من معظم كتب التفسير في ذلكَ، فإنها تبقى الأصل والمرجع لكل الباحثين -جزى الله المفسرين عن الأمةِ خير الجزاء- كما أفدت من ميراث المحدثين والفقهاء وبحوث السنة والسياسة الشرعية والسيرة النبوية ومعاجم اللغة العربية، وقد اجتهدت وبذلت أقصى الجهد في تنقية هذا التفسير من كل حديث لا يصح عن النبي ﷺ، وذكرت درجة صحة كل حديث ومصادره التي يُرجع إليه فيها، فأضفته إلى من خَرَّجَهُ من الأئمة الأعلام، والثقات المشاهير من علماء الإسلام، ونسبت كل قول في التفسير إلى قائلهِ، من الصحابة أو التابعين، أو كبار العلماء والمفسرين، فإنه كما يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله. وقد سعيت إلى تفنيد الأقوال، والجمع بين بعضها إن سمحت الأحوال، وتوجيه المعنى ليخلص من تناقضات آراء الرجال.
وقد سمّيتهُ: "التفسير المأمون، على منهج التنزيل والصحيح المسنون"، ليكون موسوعة في علوم الوحيين: القرآن الكريم والسنة الصحيحة العطرة، فلا يصدر الفهم إلا منهما، ولا يتفرقان حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وقد عملته تذكرة لنفسي، وإحياء وإنقاذًا لأمتي، وذخيرة ليوم رَمْسي (١)، وعملًا صالحًا أستأنس بهِ في حياتي وبعد موتي.
فالحمدُ لله الذي جعل صدري وعاء للوحيين، وحرّك قلمي لتصنيف علوم الملة والدين، وتبليغ الأمة ميراث سيد المرسلين، فإن أصبت فإنما هو مَنُّ الله تعالى عليَّ
_________
(١) الرَّمْسُ: الدفن.
1 / 13
وتوفيقه وفضله وكرمه، وإن أخطأتُ فإنما ذلكَ من نفسي وتقصيري ومن الشيطان، وأستغفر الله من ذلك.
اللهم إني أسألكَ بحبك لتفسير كلامكَ بوحيك وهدي نبيكَ أن تتقبل مني هذا العمل إنك أنتَ السميع العليم، وأن تجمعني بنبيك محمد ﷺ في جنة الفردوس تحت ظل عرشك العظيم، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن تجعل هذا التفسير يضيء بيوت وحياة المسلمين في أرجاء المعمورة، وأن يكون عمادًا لخلافة راشدة على منهاج النبوة، إنك أنتَ البر الرحيم، والحمدُ لله رب العالمين.
دمشق: ٦/ ربيع الآخر/ ١٤٢٧/ هـ، الموافق ٤/ أيار/ ٢٠٠٦ م.
وكتبه
مأمون أحمد راتب حموش
1 / 14
أئمة التفسير من الصحابة ومدارسهم وتراجمهم
١ - المدرسة المكية: أستاذها الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، وعنه أخذ سعيد بن جبير، ومجاهد وعكرمة وطاووس وعطاء وغيرهم.
٢ - المدرسة المدنية: أستاذُها أُبي بن كعب، وعنهُ أخذ زيد بن أسلم وأبو العالية رفيع بن مهران ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم.
٣ - المدرسة العراقية: أستاذها عبد الله بن مسعود، أخذ عنه: علقمة ومسروق بن الأجدع والأسود، ثم من بعدهم: الحسن البصري وعامر بن شراحيل الشعبي وقتادة وغيرهم.
أولًا: المدرسة المكية:
١ - عبد الله بن عباس: هو الإمام البحر عالم العصر وحبر الأمة، مات رسول الله ﷺ وله ثلاث عشرة سنة، وقد دعا لهُ النبي ﷺ.
فقد أخرج البخاري عن عكرمة، عن ابن عباس قال: [ضمَّني النبي ﷺ إلى صدره وقال: اللهم علمه الحكمة] (١). وفي رواية: [اللهم علمه الكتاب].
قال البخاري: (والحكمة: الإصابة في غير النبوة).
وفي صحيح مسلم عن أبن عباس: [أن النبي ﷺ أتى الخلاء، فوضعتُ له وَضوءًا، فلما خرج قال: مَنْ وضعَ هذا؟ قلت: ابنُ عباس، قال: اللهم فَقِّههُ في الدين] (٢).
_________
(١) حديث صحيح. أخرجهُ البخاري (٣٧٥٦) - كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ، باب ذكر ابن عباس ﵄. وانظر صحيح سنن الترمذي (٣٠٠٤) - في المناقب.
(٢) حديث صحيح. أخرجهُ مسلم في الصحيح- حديث رقم- (٢٤٧٧) - كتاب فضائل الصحابة- باب من فضائل عبد الله بن عباس ﵄.
1 / 15
وأخرج ابن ماجة في السنن بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: [ضَمَّني رسول الله ﷺ إليه، وقال: اللهم عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ وَتأويلَ الكتاب] (١).
وأخرج الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس قال: [دعا لي رسول الله ﷺ: أن يؤتيني الله الحكم مرتين] (٢).
فابن عباس هو أكثر الصحابة وأشهرهم تفسيرًا للقرآن الكريم، وكان لهُ مدرسة تخرج فيها مجاهد وعكرمة وغيرهما، وروى له الأئمة الستة.
وروى الأعمش عن أبي وائل: (استعمل عليٌّ ابنَ عباس على الحج فخطب يومئذٍ خطبة، لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ أعليهم سورة النور فجعل يفسرها).
وكان عبد الله بن مسعود يقول: (نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس).
وقد شهد له بالفضل - وهو شاب في عنفوان الصبا - كبار الصحابة حتى كان ينافسهم وينتزع إعجابهم مع حداثة سنَّه، وكان عمر ﵁ يدخله إلى مجلس الشورى مع كبار الصحابة الأجلاء يستشيرهم، وربما عرض الأمر عليهِ، وكان تقدير عمر لابن عباس مثار جدل عند بعض الصحابة. حتى قال بعضهم: "لم يدخل هذا الشاب معنا وعندنا من الأولاد من هو أكبر منه سنًّا". وله قصة رواها البخاري في صحيحه تدلُّ على غزارة علمهِ، وعلو شأنه في الغوص على دقائق أسرار القرآن، وهي مذكورة عند تفسير سورة النصر.
ومن أهم شيوخ ابن عباس الذين استقى منهم علومه بعد رسول الله ﷺ: (عمر بن الخطاب، وأبي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت).
توفي بالطائف سنة ثمان وستين. (تذكرة الحفاظ ١/ ٤٠).
٢ - سعيد بن جبير: هو الإمام الكوفي المقرئ الفقيه أحد الأعلام، ولد سنة (٤٥) هجرية، وهو من أكابر التابعين علمًا وورعًا، سمع ابن عباس وابن عمر وطائفة، وروى عنه الأعصش وأيوب. وقد اشتهر بتفسير كتاب الله ﷿، وكان طودًا شامخًا، وعلمًا لامعًا، تناقل علمه الرجال، وسرت بذكره الركبان.
قال سفيان الثوري: (خذوا التفسير عن أربعة: عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحّاك).
_________
(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (١٦٦) في السنن- باب في فضائل أصحاب رسول الله ﷺ.
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح سنن الترمذي (٣٠٠٣) - مناقب عبد الله بن العباس ﵄.
1 / 16
وقال قتادة: (كان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير). (الإتقان ص ١٨٩). وكان آية في الحفظ، يحفظ ما يسمع، وقد شهد له ابن عباس بالحفظ حتى قال له: (انظر كيف تحدّث عني فإنك قد حفظت عني حديثًا كثيرًا).
وكان ابن عباس إذا حجّ أهل الكوفة وسألوهُ يقول: (أليس فيكم سعيد بن جبير؟ !). وقد كان عابدًا زاهدًا، وكان لا يدع أحدًا يغتاب عنده.
وجاء في ترجمته في الأعلام: "سعيد بن جبير الأسدي الكوفي، أبو عبد الله تابعي، كان أعلمهم على الإطلاق، وهو حبشي الأصل، أخذ العلم عن ابن عباس وابن عمر، ولما خرجَ عبد الرحمن بن الأشعث على عبد الملك بن مروان، كان سعيد بن جبير معه، فلما قتل عبد الرحمن ذهب سعيد إلى مكة، فقبض عليه واليها (خالد القسري) وأرسله إلى الحجاج فقتله (١)، وكان الحجاج يخاطبه (بشقي بن كسير) بدل سعيد بن جبير.
قال أحمد بن حنبل: قتل الحجّاجُ سعيدًا، وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه".
٣ - مجاهد بن جبر: هو الإمام المخزومي مولاهم المكي المقرئ المفسر الحافظ. ولد سنة (٢١) هجرية، وكنيته (أبو الحجّاج).
وكان من أشهر العلماء في التفسير، وقد سمع سعدًا وعائشة وأبا هريرة وابن عمر وابن عباس ولزمه مدة وقرأ عليه القرآن.
قال عنه الذهبي: (شيخ القراء والمفسرين بلا مراء، أخذ التفسير عن ابن عباس) (٢). وكان من أخص تلامذته، ومن أوثق من روى عَنْهُ، ولهذا يعتمد البخاري كثيرًا على تفسيره كما يعتمد كثير من المفسرين على روايته، تَنَقَّلَ في الأسفار، واستقر في الكوفة. قالت قتادة: (أعلم من بقي بالتفسير مجاهد).
تلقّى مجاهد تفسير كتاب الله عن شيخه الجليل (ابن عباس) وقرأه عليهِ قراءة تَفَهّم وتدبّر، ووقوفٍ عند كل آية من آيات القرآن، يسأله عن معناها، ويستفسره عن أسرارها.
_________
(١) كان قتله سنة (٩٤) أو (٩٥) هجرية.
(٢) انظر الأعلام ج (٦)، ص (١٦١).
1 / 17
روى الفضيل بن ميمون عن مجاهد أنه قال: (عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية منه أسألهُ عنها: فيم أنزلت؟ وكيف أنزلت؟).
وهذا العرض من مجاهد ﵀ على شيخه الجليل إنما كان طلبًا، لتفسيره ومعرفة أسراره ودقائقه، وتفهم حكمه وأحكامه، ولهذا قال الإمام النووي ﵀: (إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به).
روى عنه الأئمة الستة، وتوفي سنة (١٠٣) هجرية، وقد بلغ ثلاثًا وثمانين سنة. (تذكرة الحفاظ للذهبي ١/ ٩٢).
٤ - عكرمة مولى ابن عباس: هو أبو عبد الله البربري ثم المدني الهاشمي مولى ابن عباس، ولد سنة (٢٥) هجرية، روى عن مولاه وعائشة وأبي هريرة، وحدث عنهُ أيوب والحذاء وخلق، روى له الستة.
تلقى علمه على ابن عباس، وأخذ عنه القرآن والسنة، وكان ﵀ يقول. (لقد فسرت ما بين اللوحين -يعني دفتي المصحف-، وكل شيء أحدثكم في القرآن فهو عن ابن عباس).
وقال أيضًا: (طلبت العلم أربعين سنة، وكان ابن عباس يضع الكبل في رجلي على تعليم القرآن والسنن).
قال الشافعي ﵀: (ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة).
وكان الحسن إذا قدم عكرمة البصرة أمسك عن التفسير والفتيا، ما دام عكرمة بالبصرة، قاله قرة بن خالد.
وجاء في تعريفهِ في كتاب الأعلام: "عكرمة بن عبد الله البربري المدني، أبو عبد الله، مولى عبد الله بن عباس، تابعي، كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي، طاف البلدان، وروى عنه زهاء ثلاث مئة رجل، منهم أكثر من سبعين تابعيًا، وخرج إلى بلاد المغرب، فأخذ عن أهلها ثم عاد إلى المدينة المنورة، فطلبه أميرها فتغيَّبَ عنه حتى مات، وكانت وفاته بالمدينة هو والشاعر المشهور (كثير عزّة) في يوم واحد فقيل: "مات أعلم الناس، وأشعر الناس" (١).
توفي سنة (١٠٧) هجرية بالمدينة. (تذكرة الحفاظ للذهبي ١/ ٩٥).
_________
(١) انظر "الأعلام" للزركلي، ج (٥)، ص (٤٣).
1 / 18
٥ - طاووس بن كيسان اليماني: ولد سنة (٣٣) هجرية وتوفي سنة (١٠٦) هجرية، واشتهر بتفسير كتاب الله تعالى.
كان آية في الحفظ والنبوغ والذكاء، وآية في الورع والتقشف والصلاح، أدرك من الصحابة نحو خمسين صحابيًا، وتلقى العلم عنه خلق كثير، وقد كان عابدًا زاهدًا، ورد أنّه حجّ بيت الله الحرام أربعين مرة، وكان مستجاب الدعوة، قال فيهِ ابن عباس: (إني لأظن طاووسًا من أهل الجنة).
جاء في تعريفه في كتاب الأعلام: "طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني، أبو عبد الرحمن، من أكابر التابعين تفقهًا في الدين، ورواية للحديث، وتقشفًا في العيش، وجرأة على وعظ الخلفاء والملوك، أصله من الفرس، ومولده ومنشؤه باليمن، توفي حاجًّا بالمزدلفة، وكان (هشام بن عبد الملك) حاجًّا تلكَ السنة فصلّى عليهِ، وكان يأبى القرب من الملوك والأمراء. قال ابن عيينة: متجنبو السلطان ثلاثة: أبو ذرّ، وطاووس، والثوري" (١).
٦ - عطاء بن أبي رباح: ولد سنة (٧٧) هجرية، وتوفي سنة (١١٤) هجرية. نشأ بمكة وكان مفتي أهلها ومحدثهم، وهو تابعي من أجلّاء الفقهاء، وكان ثبتًا ثقةً في الرواية عن ابن عباس (٢).
قال عنه الإمام أبو حنيفة النعمان: (ما لقيت أحدًا أفضل من عطاء بن أبي رباح).
وقال قتادة: (أعلم التابعين أربعة: عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وسعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير ... إلخ).
توفي ﵁ بمكة ودفن فيها عن (٨٧) سبع وثمانين سنة.
ثانيًا: المدرسة المدنية:
١ - أبي بن كعب: هو الصحابي الجليل الأنصاري من الخزرج، شهد العقبة وبدرًا وبقية المشاهد. وكانَ من كتبة الوحي والرسائل ومن حفظةِ القرآن الكريم وعلماء التفسير.
_________
(١) انظر "الأعلام" ج (٣)، ص (٣٢٢).
(٢) انظر "الأعلام" للزركلي ج (٥)، ص (٢٩).
1 / 19
قال السيوطي في "الإتقان": (اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير .. أما الخلفاء فأكثر من رُوي عنه منهم "علي بن أبي طالب" كرم اللهُ وجهه، والرواية عن الثلاثة قليلة جدًّا، وكأن السبب في ذلك تقدّم وفاتهم).
وفي صحيح البخاري عن مسروق قال: ذُكِرَ عبدُ الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو فقال: ذاكَ رجلٌ لا أزال أحِبُّهُ، سَمِعْتُ النبي ﷺ يقول: [خُذوا القرآن من أربعة (وفي رواية: استقرِئوا القرآن من أربعة): من عبد الله بن مسعود -فبدأ به- وسالمٍ مَوْلى أبي حُذيفة، ومعاذِ بنِ جَبَلٍ، وأُبَيّ بنِ كَعْبٍ] (١).
وفي صحيح البخاري -أيضًا- عن أنس بن مالك ﵁: [قال النبي ﷺ لأُبَيّ: إن الله أمرني أن أقرأ عليك: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [البينة: ١] قال: وسمّاني؟ قال: نعم. قال: فبكى] (٢).
وفي سنن ابن ماجة من حديث أنس مرفوعًا: [وأقرؤهم لكتاب الله أُبَيّ بن كعب] (٣).
٢ - زيد بن أسلم: هو زيد بن أسلم العدوي العمري، يكنى (أبا أسامة) وهو فقيه محدّث من أهل المدينة، كان مع عمر بن عبد العزيز أيام خلافته، واستقدمه (الوليد بن يزيد) في جماعة من فقهاء المدينة إلى دمشق مستفتيًا في أمر، وكانَ ثقة كثير الحديث له حلقة كبيرة في المسجد النبوي الشريف، ولهُ كتاب في التفسير رواه عنهُ ولده (عبد الرحمن) وقد كان رجلًا مهيبًا، قال ابن عجلان: (ما هبت أحدًا قطّ هيبتي لزيد بن أسلم).
وكان (علي بن الحسين) يجلس إليه فيستمع له ويترك مجالس قومه، فقيل له في ذلك: تترك مجالس قومكَ إلى عبد عمر بن الخطاب (حيث كان مولى لعمر)! فقال عليّ: (إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه).
_________
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٨٠٨) - كتاب مناقب الأنصار، وانظر كذلكَ الحديث (٣٧٥٨).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح- حديث رقم- (٣٨٥٩) - كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب أُبي بن كعب ﵁.
(٣) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (١٥٤) - في أثناء حديث أطول. انظر صحيح سنن ابن ماجة (١٢٥).
1 / 20
توفي ﵀ بالمدينة المنورة سنة (١٣٦) هجرية. (تذكرة الحفاظ للذهبي ١/ ٦٢).
٣ - أبو العالية الرياحي: هو رفيع بن مهران، وكنيتهُ أبو العالية، وهو مولى امرأة من بني رياح، وهو تابعي ثقة من أهل البصرة، اشتهر بالفقه والتفسير، رأى أبا بكر وقرأ القرآن على (أبي بن كعب) وغيره، وسمع من عمر، وابن مسعود، وعلي وعائشة، وغيرهم.
روي عنه أنه قال: (قرأت القرآن بعد وفاة نبيكم بعشر سنين).
وكان منذ حداثة سنِّه راغبًا في العلم، مكبًّا على طلبه، حتى نبغَ فيهِ وفاق الأقران وخاصة في التفسير، وقد كان ابن عباس ﵄ يرفعهُ على سريره وقريش أسفل منه، ويقول: (هكذا العلم يزيد الشريف شرفًا، ويجلسُ المملوك على الأسرّة).
توفي سنة (٩٣) هجرية عن عمر يناهز الثمانين، رحمه الله تعالى.
٤ - محمد بن كعب القرظي: هو محمد بن كعب القرظي، أبو حمزة المدني، من حلفاء الأوس، سكن الكوفة ثم المدينة، روى عن جمع غفير من الصحابة وخاصة عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود.
قال ابن سعد: (كان ثقة عالمًا كثير الحديث، ورعًا صالحًا).
وقال عون بن عبد الله: (ما رأيتُ أحدًا أعلم بتأويل القرآن منه).
ويذكر البخاري في سبب تسميته بـ "القرظي" أن أباه كان ممن لم ينبت يوم قريظة فترك، وذلكَ أن النبي ﷺ قتل الرجال من بني قريظة حينما خانوا العهود وغدروا بالرسول، فأمر بقتل مقاتلتهم وترك الأطفال والصبيان والنساء.
وقد كان من أفاضل أهل المدينة علمًا وفقهًا، وكان يحدّث في المسجد فسقط عليه السقف وعلى أصحابه، فمات تحت الهدم، وكان ذلكَ سنة (١١٧) هجرية، رحمه الله تعالى (١).
ثالثًا: المدرسة العراقية:
١ - عبد الله بن مسعود: هو من أعلام الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير، ونقلوا لنا
_________
(١) انظر "تهذيب التهذيب" ج (٥) ص (٤٢١).
1 / 21
آثار الرسول ﷺ وأقواله، وكان من السابقين إلى الإسلام.
أخرج الإمام أحمد وابن أبي شيبة بسند حسن عن عبد الله بن مسعود قال: [كنت غلامًا يافعًا أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط بمكة، فأتى عليّ رسول الله ﷺ وأبو بكر وقد فرّا من المشركين، فقال: يا غلام! هل عندكَ لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولستُ بساقيكما. قالا: فهل عندك من جذعة لم ينزُ عليها الفحل بعد؟ قلت: نعم، فأتيتهما بها، فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله ﷺ الضرع فدعا، فحفل الضرع، وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة، فحدب ثم شرب هو وأبو بكر ثم سقياني. ثم قال للضرع: اقلُص، فقلص.
فلما كان بعد أتيت رسول الله ﷺ، قلت: علمني من هدا القول الطيب -يعني القرآن- فقال رسول الله ﷺ: إنك غلامٌ مُعَلَّم. فأخذتُ من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحدٌ] (١).
وفي سنن ابن ماجة بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود، أن أبا بكر وعمر بشراه أن رسول الله ﷺ قال: [مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرأَ القرآن غَضًّا كما أُنزل، فليقرأه على قراءة ابْن أُمِّ عَبْدٍ] (٢).
وكان خادم رسول الله ﷺ يُلبسه نعليه، ويمشي معه وكان صاحب طهوره، وكانَ أقرب الناس سَمْتًا وهَديًا ودلًّا بالنبي ﷺ، ولهذه الصّلة الوثيقة برسول الله ﷺ فقد عدّوه من أعلم الصحابة بكتاب الله، ومعرفة محكمهِ ومتشابهه، وحلاله وحرامه.
قال السيوطي: (قد روي عن ابن مسعود في التفسير أكثر مما روي عن علي كرّم اللهُ وجهه .. روى الشيخان عنه أنه قال: والذي لا إله غيرهُ ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلمُ أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه ..). روى عنه كثير من التابعين.
٢ - مسروق بن الأجدع: هو مسووق بن الأجدع الهمداني، كوفي تابعي ثقة، من أصحاب ابن مسعود الذين نقلوا لنا هدي الرسول ﷺ.
وهو عابد فقيه يكنى (أبا عائشة) وقد اشتهر بالتفسير، ورواية الحديث. كان أبوه
_________
(١) إسناده حسن. رواه أحمد في المسند (١/ ٣٧٩)، وابن أبي شيبة في المصنف (١١/ ٥١٠).
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (١٣٨)، ورواه أحمد في المسند، وابن أم عبد: هو عبد الله بن مسعود، وانظر صحيح سنن ابن ماجة (١١٤).
1 / 22