مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي

Malek Bennabi d. 1393 AH
78

مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي

مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي

Yayıncı

دار الفكر المعاصر-بيروت لبنان / دار الفكر

Baskı Numarası

١٤٢٣هـ = ٢٠٠٢م / ط١

Yayın Yeri

دمشق سورية

Türler

أما القادة السياسيون فإنهم لم يؤمنوا بضرورة إنشاء مثل هذا الجهاز ليراقبوا مسيرة العمل في بلادهم. هكذا أضحى عمله التاريخي منذ قرن خارج مقاييس الفعالية، وأضحى تنفيذه في ظل فوضى الأفكار. وإذا وجد هذا العمل نفسه مصطدمًا بصعوباتٍ، وإهدارٍ للوقت، وتبديد للوسائل وانحرافاتٍ؛ فذلك ناتجٌ عن عدم التماسك في الأفكار، وطغيانِ الأشياء أو طغيانِ الأشخاص. لقد تناولنا الجانب الأول؛ جانبَ عدم تماسك عالم الأفكار سابقًا، وسنعود إليه ثانيةً لأنه مفتاح هذه الدراسة، ونخصص هذا الفصل لدراسة الجانبين الآخرين في مرحلة العالم الإسلامي الحاضر؛ فهذا العالم يواجه طغيان الأشياء على أصعدةٍ مختلفةٍ. أ - فعلى الصعيد النفسي والأخلاقي عندما يتمحور عالم الثقافة حول الأشياء تحتل الأشياء القمة في سلم القيم، وتتحول- خلسة- الأحكام النوعية إلى أحكام كلية دون أن يشعر أصحاب تلك الأحكام بانزلاقهم نحو (الشيئيّة)؛ أي نحو تقويم الأمور بسلم الأشياء. فالموظف يعتمد في تحديد رتبته في الترتيب الإداري بعدد الأجهزة التي يستعملها أو لا يستعملها، ففي مكتبٍ واحدٍ لموظف كبير أحصيت أربعة تلفونات أمامه، وخمسة أجهزة تكييف من حوله. وفي العاصمة العربية نفسها كان يسلم عليَّ شابٌ مثقفٌ؛ وكان ابن شخصيةٍ ذات مقام معنويٍّ رفيعٍ، لكنه توقف عن تحيتي منذ اليوم الذي رآني فيه على رصيف محطةٍ نازلًا من عربة الدرجة الثالثة. إن (الشيئية) تجرُّ إلى هفواتٍ كثيرة ذات مغزى، وخاصةً في مجال الأدب السياسي.

1 / 79