The Principles of Islamic Jurisprudence
علم أصول الفقه ط مكتبة الدعوة
Yayıncı
مكتبة الدعوة
Baskı Numarası
عن الطبعة الثامنة لدار القلم
Yayın Yeri
شباب الأزهر (عن الطبعة الثامنة لدار القلم)
Türler
ـ[علم أصول الفقه]ـ
المؤلف: عبد الوهاب خلاف (المتوفى: ١٣٧٥هـ)
الناشر: مكتبة الدعوة - شباب الأزهر (عن الطبعة الثامنة لدار القلم)
الطبعة: الثامنة
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
_________
نسقه وقام بفهرسته الباحث في القرآن والسنة: علي بن نايف الشحود
1 / 1
لمحة عن حياة المؤلف
- ولد الفقيد في شهر مارس سنة ١٨٨٨ ببلدة كفر الزيات.
- التحق بالأزهر الشريف سنة ١٩٠٠م بعد أن حفظ القرآن الكريم في أحد «كتاتيب» البلدة.
- انتظم في سلك طلبة مدرسة القضاء الشرعي إثر افتتاحها وتخرج فيها عام ١٩١٥م وعين مدرسًا بها في نفس السنة.
- اشترك في ثورة ١٩١٩م فبرزت خلالها مواهبه الخطابية والكتابية وترك المدرسة أو أجبر على تركها فانتقل إلى القضاء الشرعي.
- عين قاضيًا بالمحاكم الشرعية سنة١٩٢٠م ثم نقل مديرًا للمساجد بوزارة الأوقاف سنة ١٩٢٤م وبقي بها حتى عين مفتشًا بالمحاكم الشرعية في منتصف سنة١٩٣١م.
- انتدبته كلية حقوق جامعة القاهرة مدرسًا بها في أوائل سنة ١٩٣٤م وبقي أستاذًا لكرسي الشريعة الإسلامية حتى أحالته إلى المعاش سنة ١٩٤٨م وقد ظلت تمد مدة خدمته حتى بداية عام ١٩٥٥-١٩٥٦م حيث أقعده المرض عن إلقاء المحاضرات.
- زار كثيرًا من دول الوطن العربي للاطلاع على المخطوطات النادرة وإلقاء المحاضرات، فكان سفيرًا ناجحًا لمصر في كل مكان.
1 / 3
- انتخب عضوًا بمجمع اللغة العربية فأشرف على وضع معجم القرآن.
- ترك للشريعة الإسلامية ثروة من المؤلفات امتازت بوضوح العبارة وجلاء الأحكام، فله كتاب «أصول الفقه»، وكتاب «أحكام الأحوال الشخصية»، وشرح واف لقانوني «الوقف والمواريث»، وكتاب فريد عن «السياسة الشرعية»، أو السلطات الثلاث في الإسلام، وكتيب في تفسير القرآن الكريم بعنوان «نور من الإسلام»، وهذا عدا ما دبجه من بحوث ومقالات كثيرة نشرها في مجلة القضاء الشرعي ومجلة الأحكام ومجلة لواء الإسلام ومجلتي الثقافة والرسالة.
- ألقى مجموعة من الأحاديث من منبر الإذاعة المصرية في مختلف الموضوعات العلمية والدينية والاجتماعية وأخصها «من قصص القرآن» .
- ألقى مجموعة من المحاضرات في المناسبات الدينية والاجتماعية، كما ألقى سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم لعدة سنوات بدار الحكمة.
وأخيرًا طواه الموت وشيع جثمانه الطاهر إلى مقره الأخير بمقابر الغفير صباح الجمعة ٢٠/١/١٩٥٦م، وتغمده الله برحمته.
1 / 4
افتتاحية الطبعة السابعة
للشيخ محمد أبو زهرة
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: "تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير * الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" (الملك: ١، ٢)، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بعث بالشريعة السمحة رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا كتاب "علم أصول الفقه" للمرحوم الأستاذ الجليل الشيخ عبد الوهاب خلاف، نقدم أول طبعة له بعد أن انتقل ﵀ إلى الرفيق الأعلى، ولقد ورد في الأثر النبوي الصحيح أن النبي ﷺ قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعوا له " وإن كتاب أصول الفقه الذي نقدمه لتلاميذه هو بلا ريب علم ينتفع به، فهو عمل مستمر له ثوابه إلى يوم القيامة.
ولقد كنت قد اعتزمتُ أن أكتب كتابا في الأصول لطلبة الكلية ألتزم فيه المنهاج الذي رسمته لنفسي، ولكن ما إن أخذت الأهبة وبدأت أكتب حتى ساورتني فكرة، وهي أن أترك القلم لنعيد طبع كتاب المرحوم أستاذنا خلاف، وألحت علىّ هذه الفكرة فذاكرت فيها الصديقين الكريمين الأستاذ عبد الفتاح القاضي، والأستاذ على الخفيف، فاتفق ثلاثتنا على أن نعيد الطبع إحياء لذكرى الراحل الكريم.
وها هي ذي طبعة الذكرى نقدمها لتلاميذ الفقيد الكريم، ولمحبي علمه، ولقد رأينا نحن الثلاثة أيضا أن تكون هذه الطبعة صورة صادقة لتفكير كاتب الكتاب فتكون الذكرى كاملة، ولذلك لم نتزيد على الكتاب بزيادة، ولم ننقص منه عبارة، ولم نعدل فيه رأيا ليقرأ القارئ في هذه الطبعة ما كتبه الأستاذ كما قرأه في
1 / 5
الطبعات السابقة فلا تتغير إلا فيما عساه يكون من تصحيف جرى في الطبع في النسخ السابقة.
وإننا نحن الذين زاملنا الأستاذ وعاشرناه أكثر من عشرين سنة نحس أن فراغًا هائلًا قد تركه، وهكذا كل رجالات العلم الذين لهم كيان فكري مستقل قد اختصوا به، ومنهاج علمي لم يكونوا فيه مقلدين قد التزموه.
﵀ وأثابه وجزاه عن العلم والأخلاق خيرًا.
محمد أبو زهرة
٨ صفر سنة ١٣٧٦ هـ -١٣ سبتمبر سنة ١٩٥٩م
1 / 6
فاتحة طبعة سنة ١٩٤٧ م للمؤلف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى رسل الله أجمعين ومن اعتصموا بحبلهم المتين.
أما بعد..
فإن علم أصول الفقه لا يستغني عنه مجتهد في تبيينه النصوص وتفنينه فيما لا نص فيه، ولا قاض في فهمه مواد القانون حق فهمها، وتطبيقها التطبيق الذين يحقق العدل وما قصده الشارع بها، ولا فقيه في بحثه ودرسه وتحليله ومقارنته ومقابلته بين المذاهب والآراء.
وأحمد الله الذي أمدني بمعونته وهدايته، فأخرجت كتابا في هذا العلم ذلل صعبه وقرب متناوله، ووفقني إلى أن أصوغ مسائله في قواعد كلية، وأن أورد أمثلتها التطبيقية من النصوص الشعرية ومن مواد القوانين الوضعية، وأن أقارن بين كثير من بحوثه وما يقابلها من بحوث علم أصول القوانين.
وقد لقي كتابي والحمد لله من حسن القبول والتقدير مما شجعني على أن أعيد طبعه بعد أن أضفت إليه بحوثا جديدة، وزدته تهذيبا وتنقيحا وإيضاحا، وأسأل الله أن ينفع به، وأن يجعله خالصا لوجهه.
القاهرة في: رجب سنة ١٣٦٦ هـ -يوليو سنة ١٩٤٧م
1 / 7
فاتحة طبعة سنة ١٩٤٢ م
الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله الذين بعثه الله بشريعة محكمة حنيفية سمحة، أساسها اليسر بالناس ورفع الحرج عنهم، وغايتها تحقيق مصالحهم والعدل بينهم، وعلى آله وصحبه الذين خلفوه في حراسة شريعته، وهداية أمته، وكانوا تماما لنوره، ودعاة إلى هداه.
أما بعد.. فإن المجتهدين من أئمة المسلمين بذلوا أقصى جهودهم العقلية في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها، واستخرجوا من النصوص الشرعية وروحها ومعقولها كنوزًا تشريعية ثمينة، كفلت مصالح المسلمين على اختلاف أجناسهم وأقطارهم ونظمهم ومعاملاتهم، ولم تضق بحاجة من حاجاتهم، بل كان فيها تشريع لأقضيه لم تحدث، ووقائع فرضية، وهذه موسوعات الفقه آيات تنطق بما بذلوه من جهد وما كان حليفهم من توفيق.
ولم يكتفوا بما استمدوه من أحكام، وما سنوه من قوانين، بل عنوا بوضع قواعد للاستمداد، وقوانين للاستنباط، وكونوا من مجموعة هذه القواعد علم أصول الفقه، وكأنهم ﵏ بصنيعهم هذا أشاروا إلى خلفهم إلى أن لا يركنوا إلى اجتهادهم، وأن يجتهدوا كما اجتهدوا، ويبنوا كما بنوا، فإن الأقضية تحدث والمصالح تتغير، ومصادر الشريعة معين لا ينضب، ومنهل عذب لك وارد، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
وهذا كتابي في علم أصول الفقه قصدت به إحياء هذا العلم، وإلقاء الضوء على بحوثه، وراعيت في عبارته الإيجاز والإيضاح، وفي بحوثه وموضوعاته
1 / 8
الاقتصار على ما تمس إليه الحاجة في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها وفهم الأحكام القانونية من موادها، وعنيت بأن تكون الأمثلة التطبيقية للقواعد الأصولية من نصوص الشريعة ومن مواد القوانين الوضعية، وأشرت في كثير من المواضيع إلى المقارنة بين أصول التقنين الشرعي وأصول التقنين الوضعي، وقسمته إلى مقدمة وأربعة أقسام:
فالمقدمة: في مقارنة عامة بين علم الفقه وعلم أصول الفقه يتبين منها التعريف بهما، وموضوعهما والغاية من دارستهما، ونشأة كل منهما وتطوره ليكون الشروع في علم أصول الفقه على بصيرة به.
والقسم الأول: في الأدلة التي تستمد منها الأحكام الشرعية، وفي هذا القسم تتجلى سعة المصادر التشريعية في الشريعة الإسلامية ومرونتها وخصوبتها وصلاحيتها للتقنين في كل عصر ولكل أمة.
والقسم الثاني: في مباحث الأحكام الشرعية الأربعة، وفي هذا القسم تظهر أنواع ما شرع في الإسلام من الأحكام، ويتجلى عدل الله ورحمته في رفع الحرج عن المكلفين وإرادة اليسر بهم.
والقسم الثالث: في القواعد الأصولية اللغوية التي تطبق في فهم الأحكام من نصوصها، وفي هذا القسم تظهر دقة اللغة العربية في دلالتها على المعاني ومهارة علماء التشريع الإسلامي في استثمارهم الأحكام من النصوص، وسبلهم القويمة في إزالة خفائها وفي تفسيرها وتأويلها.
والقسم الرابع: في القواعد الأصولية التشريعية التي تطبق في فهم الأحكام من نصوصها، وفي الاستنباط فيما لا نص فيه، وهذا هو لب العلم وروحه، وفيه يتجلى مقصد الشارع العام من تشريع الأحكام، وما أنعم الله به على عباده من رعاية مصالحهم.
1 / 9
وأسأل الله أن يتقبل كتابي هذا بقبول حسن، وأن يجعله خالصا لوجهه.
عبد الوهاب خلاف
القاهرة في:
١٠ رمضان سنة ١٣٦١ هـ
٢١ سبتمبر سنة ١٩٤٢م
1 / 10
مقدمة
(الفرق بين الفقه وعلم أصول الفقه)
في موازنة عامة بين علم الفقه وعلم أصول الفقه من حيث التعريف بكل منهما، وبيان موضوعه، وغايته، ونشأته، وتطوره.
التعريف:
من المتفق عليه بين علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم أن كل ما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال سواء أكان من العبادات أم المعاملات أم الجرائم أم الأحوال الشخصية أم من أي نوع من أنواع العقود أو التصرفات له في الشريعة الإسلامية حكم، وهذه الأحكام بعضها بينتها نصوص وَرَدت في القرآن والسنة، وبعضها لم تبينها نصوص في القرآن أو السنة، ولكن أقامت الشريعة دلائل عليها ونصبت أمارات لها بحيث يستطيع المجتهد بواسطة تلك الدلائل والأمارات أن يصل إليها ويتبينها.
ومن مجموعة الأحكام الشرعية المتعلقة بما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال، المستفادة من النصوص فيما وردت فيه نصوص، والمستنبطة من الدلائل الشرعية الأخرى فيما لم ترد فيه نصوص تكون الفقه.
فعلم الفقه في الاصطلاح الشرعي:
هو العلم بالأحكام الشرعية العلمية المكتسب من أدلتها التفصيلية، أو هو مجموعة الأحكام الشرعية العملية المستفادة من أدلتها التفصيلية.
1 / 11
وقد ثبت للعلماء بالاستقراء أن الأدلة التي تستفاد منها الأحكام الشرعية للعملية ترجع إلى أربعة: القرآن والسنة والإجماع والقياس وأن أساس هذه الأدلة والمصدر الأول منها هو القرآن، ثم السنَّة التي فسّرت مجمله، وخصصت عامه، وقيدت مطلقه، وكانت تبيانًا له وتمامًا.
ولهذا بحثوا في كل دليل من هذه الأدلة وفي البرهان على أنه حجة على الناس ومصدر تشريعي يلزمهم اتباع أحكامه، وفي شروط الاستدلال به وفي أنواعه الكلية، وفيما يدل على كل نوع منها من الأحكام الشرعية الكلية.
وبحثوا أيضًا في الأحكام الشرعية الكلية التي تستفاد من تلك الأدلة وفيما يتوصل به إلى فهمها من النصوص، وإلى استنباطها من غير النصوص من قواعد لغوية وتشريعية.
وبحثوا أيضًا فيمن يتوصل إلى استمداد الأحكام من أدلتها وهو المجتهد، فبينوا الاجتهاد وشروطه والتقليد وحكمه.
ومن مجموعة هذه القواعد والبحوث المتعلقة بالأدلة الشرعية من حيث دلالتها على الأحكام، وبالأحكام من حيث استفادتها من أدلتها ومما يتعلق بهذين من اللواحق والمتممات تكونت أصول الفقه.
فعلم أصول الفقه في الاصطلاح الشرعي:
هو العلم بالقواعد والبحوث التي يتوصل بها إلى استفادة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، أوهي مجموعة القواعد والبحوث التي يتوصل بها إلى استفادة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.
الموضوع:
موضوع البحث في علم الفقه: هو فعل المكلف من حيث ما يثبت له من الأحكام الشرعية، فالفقيه يبحث في بيع المكلف وإجارته ورهنه وتوكيله وصلاته وصومه وحجّه وقتله وقذفه وسرقته وإقراره ووقفه لمعرفة الحكم الشرعي في كل فعل من هذه الأفعال.
وأما موضوع البحث في علم أصول الفقه:
فهو الدليل الشرعي الكلي من حيث
1 / 12
ما يثبت به من الأحكام الكلية، فالأصولي يبحث في القياس وحجيته، والعام وما يقيده، والأمر وما يدل عليه وهكذا..
وإيضاحًا لهذا أضرب المثل الآتي:
القرآن هو الدليل الشرعي الأول على الأحكام، ونصوصه التشريعية لم ترد على حال واحدة، بل منها ما ورد بصيغة الأمر، ومنها ما ورد بصيغة النهي، ومنها ما ورد بصيغة العموم أو بصيغة الإطلاق، فصيغة الأمر، وصيغة النهي، وصيغة العموم، وصيغة الإطلاق، أنواع كلية من أنواع الدليل الشرعي العام، وهو القرآن.
فالأصولي يبحث في كل نوع من هذه الأنواع ليتوصل إلى نوع الحكم الكلي الذي يدل عليه مستعينًا في بحثه باستقراء الأساليب العربية والاستعمالات الشرعية، فإذا وصل ببحثه إلى أن صيغة الأمر تدل على الإيجاب وصيغة النهي تدل على التحريم وصيغة العموم تدل على شمول جميع أفراد العام قطعًا، وصيغة الإطلاق تدل على ثبوت الحكم مطلقًا، وضع القواعد الآتية: الأمر للإيجاب، النهي للتحريم، العام ينتظم جميع أفراده قطعًا المطلق يدل على الفرد الشائع بغير قيد.
وهذه القواعد الكلية وغيرها مما يتوصل الأصولي ببحثه إلى وضعها يأخذها الفقيه قواعد مُسَلَّمَة ويطبقها على جزيئات الدليل الكلي ليتوصّل بها إلى الحكم الشرعي العملي التفصيلي، فيطبق قاعدة: الأمر للإيجاب على قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾ (المائدة:١) ويحكم على الإيفاء بالعقود بأنه واجب. ويطبق قاعدة: النهي للتحريم، على قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم﴾ (الحجرات:١١) . ويحكم بأن سخرية قوم من قوم محرمة. ويطبق قاعدة: العام ينتظم جميع أفراده قطعًا: على قوله تعالى: ﴿حرمت عليكم أمهاتكم﴾ (النساء: ٢٣) ويحكم بأن كل أمّ مُحرّمة. ويطبق قاعدة: المطلق يدل على أي فرد على قوله تعالى في كفارة الظهار: ﴿فتحرير رقبة﴾ (المجادلة:٣)، ويحكم بأنه يجزئ في التفكير تحرير أية رقبة مسلمة أو غير مسلمة.
ومن هذا يتبين الفرق بين الدليل الكلي والدليل الجزئي، وبين الحكم الكلي والحكم الجزئي.
فالدليل الكلي هو النوع العام من الأدلة الذي تندرج فيه عدة جزيئات مثل
1 / 13
الأمر والنهي والعام والمطلق والإجماع الصريح والإجماع السكوتي، والقياس المنصوص على علته والقياس المستنبطة علته، فالأمر كلي يندرج تحته جميع الصيغ التي وردت بصيغة النهي وهكذا، فالأمر دليل كلي، والنص الذي ورد على صيغة الأمر دليل جزئي، والنهي دليل كلي، والنص الذي ورد على صيغة النهي دليل جزئي.
وأما الحكم الكلي فهو النوع العام من الأحكام الذي تندرج فيه عدة جزيئات مثل الإيجاب والتحريم والصحة والبطلان، فالإيجاب حكم كلي يندرج فيه إيجاب الوفاء بالعقود وإيجاب الشهود في الزواج وإيجاب أي واجب، والتحريم حكم كلي يندرج فيه تحريم الزنى والسرقة وتحريم أي محرم، وهكذا الصحة والبطلان، فالإيجاب حكم كلي، وإيجاب فعل معين حكم جزئي.
والأصولي لا يبحث في الأدلة الجزئية، ولا فيما تدل عليه الأحكام الجزئية، وإنما يبحث في الدليل الكلي وما يدل عليه من حكم كلي ليضع قواعد كلية لدلالة الأدلة كي يطبقها الفقيه على جزيئات الأدلة لاستثمار الحكم التفصيلي منها.
والفقيه لا يبحث في الأدلة الكلية ولا فيما تدل عليه من أحكام كلية وإنما يبحث في الدليل الجزئي وما يدل عليه من حكم جزئي.
الغاية المقصودة بهما:
الغاية المقصودة من علم الفقه:
هي تطبيق الأحكام الشرعية على أفعال الناس وأقوالهم، فالفقه هو المرجع القاضي في قضائه، والمفتي في فتواه، ومرجع كل مكلف لمعرفة الحكم الشرعي فيما يصدر عنه من أقوال وأفعال، وهذه هي الغاية المقصودة من كل القوانين في أيّة أمّة، فإنها لا يقصد منها إلا تطبيق موادها وأحكامها على أفعال الناس وأقوالهم وتعريف كل مكلف بما يجب عليه وما يحرم عليه.
وأما الغاية المقصودة من علم أصول الفقه:
فهي تطبيق قواعده ونظرياته على الأدلة التفصيلية للتوصل إلى الأحكام الشرعية التي تدل عليها. فبقواعده وبحوثه تفهم النصوص الشرعية ويعرف ما تدل عليه من الأحكام ويعرف ما يزال به من خفاء الخَفي منها، وما يرجح منها عند تعارض بعضها ببعض. وبقواعده وبحوثه يستنبط الحكم بالقياس أو الاستحسان أو الاستصحاب أو
1 / 14
غيرها في الواقعة التي لم يرد نص بحكمها. وبقواعده وبحوثه يفهم ما استنبطه الأئمة المجتهدون حق فهمه، ويوازن بين مذاهبهم المختلفة في حكم الواقعة الواحدة، لأن فهم الحكم على وجهه والموازنة بين حكمين مختلفين لا يكون إلا بالوقوف على دليل الحكم ووجه استمداد الحكم من دليله، ولا يكون هذا إلا بعلم أصول الفقه فهو عماد الفقه المقارن.
نشأة كل منها وتطوّره:
نشأت أحكام الفقه مع نشأة الإسلام، لأن الإسلام هو مجموعة من العقائد والأخلاق والأحكام العملية، وقد كانت هذه الأحكام العملية في عهد الرسول ﷺ مكونة من الأحكام التي وردت في القرآن، ومن الأحكام التي صدرت من الرسول ﷺ فتوى في واقعة، أو قضاء في خصومة، أو جوابًا عن سؤال. فكانت مجموعة الأحكام الفقهية في طورها الأول مكونة من أحكام الله ورسوله ﷺ ومصدرها القرآن والسنة.
وفي عهد الصحابة واجهتهم وقائع وطرأت لهم طوارئ لم تواجه المسلمين ولم تطرأ لهم في عهد الرسول ﷺ، فاجتهد فيها أهل الاجتهاد منهم وقضوا وأفتوا وشرعوا وأضافوا إلى المجموعة الأولى عدة أحكام استنبطوها باجتهادهم. فكانت مجموعة الأحكام الفقهية في طورها الثاني مكونة من أحكام الله ورسوله ﷺ وفتاوى الصحابة وأقضيتهم، ومصادرها القرآن والسنة واجتهاد الصحابة. وفي هذين الطورين لم تدوّن هذه الأحكام ولم تشرع أحكام لوقائع فرضية بل كان التشريع فيهما لما حدث فعلًا من الواقع وما وقع من الحوادث، ولم تأخذ هذه الأحكام صبغة علمية بل كانت مجرد حلول جزئية لوقائع فعلية ولم تُسَم هذه المجموعة علم الفقه ولم يسم رجالها من الصحابة الفقهاء.
وفي عهد التابعين وتابعي التابعين والأئمة المجتهدين وهو بالتقريب القرنان الهجريان الثاني والثالث اتسعت الدولة الإسلامية ودخل في الإسلام كثيرون من غير العرب، وواجهت المسلمين طوارئ ومشاكل وبحوث ونظريات وحركة عمرانية وعقلية حملت المجتهدين على السعة في الاجتهاد والتشريع لكثير من الوقائع، وفتحت لهم أبوابًا من البحث والنظر، فاتسع ميدان التشريع للأحكام الفقهية
1 / 15
وشرعت أحكام كثيرة لوقائع فرضية، وأضيفت إلى المجموعتين السابقتين أحكام كثيرة، فكانت مجموعة الأحكام الفقهية في طورها الثالث مكونة من أحكام الله ورسوله، وفتاوى الصحابة وأقضيتهم، وفتاوى المجتهدين واستنباطهم، ومصادرها القرآن والسنة واجتهاد الصحابة والأئمة المجتهدين.
وفي هذا العهد بُدئ بتدوين هذه الأحكام مع البدء بتدوين السنة، واصطبغت الأحكام بالصبغة العلمية لأنها ذكرت معها أدلتها وعللها والأصول العامة التي تتفرغ عنها، وسمي رجالها الفقهاء وسمي العلم علم الفقه، ومن أول ما دون فيها فيما وصل إلينا موطأ مالك بن أنس ﵁، فإنه جمع فيه بناء على طلب الخليفة المنصور ما صح عنده من السنة ومن فتاوى للصحابة والتابعين وتابعيهم، فكان كتاب حديث وفقه وهو أساس فقه الحجازيين، ثم دون الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة عدة كتب في الفقه هي أساس فقه العراقيين، ودون الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة كتب ظاهر الرواية الستة التي جمعها الحاكم الشهيد في كتابه الكافي وشرحه السرخسي في كتابه المبسوط وهي مرجع فقه المذهب الحنفي، وأملى الإمام محمد بن إدريس الشافعي بمصر كتابه (الأم) وهو عماد فقه المذهب الشافعي.
أما علم أصول الفقه فلم ينشأ إلا في القرن الثاني الهجري، لأنه في القرن الهجري الأول لم تدع حاجة إليه، فالرسول كان يفتي ويقضي بما يوحى به إليه ربه من القرآن، ولما يلهم به من السنن، وبما يؤديه إليه اجتهاده الفطري من غير حاجة إلى أصول وقواعد يتوصل بها إلى الاستنباط والاجتهاد. وأصحابه كانوا يفتون ويقضون بالنصوص التي يفهمونها بملكتهم العربية السليمة من غير حاجة إلى قواعد لغوية يهتدون بها على فهم النصوص، ويستنبطون فيما لا نص فيه بملكتهم التشريعية التي ركزت في نفوسهم من صحبتهم الرسول ﷺ، ووقوفهم على أسباب نزول الآيات وورود الأحاديث، وفهمهم مقاصد الشارع ومبادئ التشريع. ولكن لما اتسعت الفتوح الإسلامية واختلط العرب بغيرهم وتشافهوا وتكاتبوا ودخل في العربية كثير من المفردات والأساليب غير العربية، ولم تبق المَلَكَة اللّسانية على سلامتها، وكثرت الاشتباهات والاحتمالات في فهم النصوص دعت الحاجة إلى وضع ضوابط وقواعد لغوية يقتدر بها على فهم النصوص كما
1 / 16
يفهمها العربي الذي وردت النصوص بلغته، كما دعت إلى وضع قواعد نحوية يقتدر بها على صحة النطق.
وكذلك لما بعد العهد بفجر التشريع، واحتدم الجدال بين أهل الحديث وأهل الرأي، واجترأ بعض ذوي الأهواء على الاحتجاج بما لا يحتج به، وإنكار بعض ما يحتج به، دعا كل هذا إلى وضع ضوابط وبحوث في الأدلة الشرعية وشروط الاستدلال بها وكيفية الاستدلال بها، ومن مجموعة هذه البحوث الاستدلالية وتلك الضوابط اللغوية تَكوّن علم أصول الفقه.
ولكنه بدأ صغيرا كما يوجد كل مولود أول نشأته ثم تدرج في النمو حتى بلغت أسفاره المئتين. بدأ منثورا مفرقا في خلال أحكام الفقه لأن كل مجتهد من الأئمة الأربعة وغيرهم كان يشير إلى دليل حكمه ووجه استدلاله به، وكل مخالف كان يحتج على مخالفة بوجوه من الحجج، وكل هذه الاستدلالات والاحتجاجات تنطوي على ضوابط أصولية.
وأول من جمع هذه المتفرقات مجموعة مستقلة في سِفْر على حدة، الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة كما ذكر ابن النديم في الفهرست ولكن لم يصل إلينا ما كتبه.
وأول من دون من قواعد هذا العلم وبحوثه مجموعة مستقلة مرتبة مؤيدا كل ضابط منها بالبرهان ووجهة النظر فيه الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة ٢٠٤ للهجرة، فقد كتب فيه رسالته الأصولية التي رواها عند عنه صاحبه الربيع المرادي، وهي أول مدوّن في العلم وصل إلينا فيما نعلم، ولهذا اشتهر على ألسنة العلماء أنّ واضع أصول علم الفقه الإمام الشافعي ﵁.
وتتابع العلماء على التأليف في هذا العلم بين إسهاب وإيجاز.
1 / 17
وقد سلك علماء الكلام طريقا في التأليف في هذا العلم، وسلك علماء الحنفية طريقا آخر في التأليف فيه.
فأما علماء الكلام فتمتاز طريقتهم بأنهم حققوا قواعد هذا العلم وبحوثه تحقيقا منطقيا نظريا وأثبتوا ما أيده البرهان، ولم يجعلوا وجهتهم انطباق هذه القواعد على ما استنبطه الأئمة المجتهدون من الأحكام ولا ربطها بتلك الفروع، فما أيده العقل وقام عليه البرهان فهو الأصل الشرعي سواء أوافق الفروع المذهبية أم خالفها، ومن هؤلاء أكثر الأصوليين من الشافعية والمالكية.
ومن أشهر الكتب الأصولية التي ألفت على هذه الطريقة كتاب "المستصفى" لأبي حامد الغزالي الشافعي المتوفى سنة ٥٠٥هـ، وكتاب "الأحكام" لأبي حسن الآمدي الشافعي سنة ٦٣١هـ، وكتاب "المنهاج" للبيضاوي الشافعي المتوفى سنة ٦٨٥هـ، وأحسن شروحه شرح الإسنوي.
وأما علماء الحنفية فتمتاز طريقتهم بأنهم وضعوا القواعد والبحوث الأصولية التي رأوا أن أئمتهم بنوا عليها اجتهادهم، فهم لا يثبتون قواعد وبحوثا نظرية، وإنما يثبتون قواعد عملية عنها أحكام أئمتهم، ورائدهم في تحقيق هذه القواعد والأحكام التي استنبطها أئمتهم بناء عليها لا مجرد البرهان النظري، ولهذا أكثروا في كتبهم من ذكر الفروع، وصاغوا في بعض الأحيان القواعد الأصولية على ما يتفق وهذه الفروع، فكانت وجهتهم استمداد أصول فقه أئمتهم من فروعهم.
ومن أشهر الكتب الأصولية التي ألفت على هذه الطريق أصول أبي زيد الدبوسي المتوفى سنة ٤٣٠ هـ، وأصول فخر الإسلام البزدوي المتوفى سنة ٤٨٣هـ، وكتاب المنار للحفاظ النسفي المتوفى سنة ٧٩٠هـ، وأحسن شروحه: "مشكاة الأنوار".
وقد سلك بعض العلماء في التأليف في هذا العلم طريقا جامعا بين الطريقتين السابقتين فعنى بتحقيق القواعد الأصولية وإقامة البراهين عليها، وعني كذلك بتطبيقها على الفروع الفقهية وربطها بها. ومن أشهر الكتب الأصولية التي ألفت على الطريقة المزدوجة كتاب
1 / 18
"بديع النظام" الجامع بين البزدوي والأحكام لمظفر الدين البغدادي الحنفي المتوفى سنة ٦٩٤هـ، وكتاب "التوضيح " لصدر الشريعة، و"التحرير" للكمال بن الهمام، "وجمع الجوامع" لابن السبكي.
ومن المؤلفات الحديثة الموجزة المفيدة في هذا العلم:
كتاب " إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول" للإمام الشوكاني المتوفى سنة ١٢٥٠هـ.
وكتاب "أصول الفقه" للمرحوم الشيخ محمد الخضري بك، المتوفى سنة ١٩٢٧م.
وكتاب "تسهيل الوصول إلى علم الأصول" للمرحوم الشيخ محمد عبد الرحمن عيد المحلاوي المتوفى سنة ١٩٢٠م.
ونحمد الله الذي وفقنا إلى الإطلاع على الكثير من هذه الكتب وهدانا إلى هذه الخلاصة الوافية التي بينّا فيها مصادر التشريع الإسلامي أجلى بيان وكشفنا عن مرونتها وخصوبتها وسعتها، وبينّا فيها مباحث الأحكام بيانا قرب فهمها وجلى حكمة الشارع فيما شرعه، وصِغنا فيها البحوث اللغوية والتشريعية بصيغة القواعد ليسهل فهمها وتطبيقها، وراعينا في الأمثلة التطبيقية أن تكون من النصوص الشرعية ومن قوانيننا الوضعية ليعرف كيف ينتفع عملًا بهذا العلم، وأشرنا في كثير من المواضيع إلى المقارنة بين أصول الأحكام الشرعية وأصول القوانين الوضعية ليتبين أن مقصد الاثنين واحد وهو الوصول إلى فهم الأحكام من نصوصها فهما صحيحا، وتحقيق مقاصد الشارع مما شرعه، وتأمين نصوص القوانين من العبث بها.
وأهم ما ألفت النظر إليه أن بحوث علم أصول الفقه وقواعده ليست بحوثا وقواعد تعبدية وإنما هي أدوات ووسائل يستعين بها المشرع على مراعاة المصلحة العامة والوقوف عند الحد الإلهي في تشريعه، ويستعين بها القاضي في تحري العدل في قضائه وتطبيق القانون على وجهه، فهي ليست خاصة بالنصوص الشرعية والأحكام الشرعية.
1 / 19
تنبيه: تعريف العلم، وموضوعه، وغايته، ومنشؤه، ونسبته إلى سائر العلوم، وواضعه وحكم الشرع فيه، ومسائله، هذه كلها تسمى مبادئ العلم.
وهي تكون للعلم صورة إجمالية تجعل من يشرع في دراسته ملمًّا به، ولهذا اعتاد المؤلفون أن يقدموا مؤلفهم في العلم بمقدمة في بيان مبادئه.
وقد ألف كثير من العلماء رسائل خاصة في مبادئ العلوم ومنها رسالة مطبوعة صغيرة الحجم كبيرة الفائدة للمرحوم الشيخ على رجب الصالحي اسمها "تحقيق مبادئ العلوم الإحدى عشر".
وابن خلدون في المقدمة كتب في القسم الأخير منها فصولا ممتعة في العلوم الشرعية واللغوية والعقلية، بين فيها تعريف كل علم ونشأته وتطوره.
القسم الأول: في الأدلة الشرعية
تعريف الدليل: الدليل معناه في اللغة العربية: الهادي إلى أي شيء حسي أو معنوي، خير أو شر، وأما معناه في اصطلاح الأصوليين فهو: ما يستدل بالنظر الصحيح فيه على حكم شرعي عملي على سبيل القطع أو الظن. وأدلة الأحكام، وأصول الأحكام، والمصادر التشريعية للأحكام، ألفاظ مترادفة معناها واحد.
وبعض الأصوليين عرّف الدليل بأنه: ما يستفاد منه حكم شرعي عملي على سبيل القطع، وأما ما يستفاد منه حم شرعي على سبيل الظن، فهو أمارة لا دليل.
ولكن المشهور في اصطلاح الأصوليين أن الدليل هو ما يستفاد منه حكم
1 / 20
شرعي عملي مطلقا، أي سواء أكان على سبيل القطع أم علي سبيل الظن، ولهذا قسّموا الدليل إلى قطعي الدلالة، وإلى ظني الدلالة.
الأدلة الشرعية بالإجمال: ثبت بالاستقراء أن الأدلة الشرعية التي تستفاد منها الأحكام العملية ترجع إلى أربعة: القرآن والسنة والإجماع والقياس، وهذه الأدلة الأربعة اتفق جمهور المسلمين على الاستدلال بها، واتفقوا أيضًا على أنها مرتبة في الاستدلال بها هذا الترتيب: القرآن، فالسنة، فالإجماع، فالقياس.
أي أنه إذا عرضت واقعة، نظر أولا في القرآن، فإن وجد فيه حكمها أمضى، وإن لم يوجد فيها حكمها، نظر في السنة، فإن وجد فيها حكمها أمضى، وإن لم يوجد فيها حكمها نظر هل أجمع المجتهدون في عصر من العصور علي حكم فيها؟ فإن وجد أمضى، وإن لم يوجد اجتهد في الوصول إلى حكمها بقياسها على ما ورد النص بحكمه.
أما البرهان على الاستدلال بها: فهو قوله تعالى في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: ٥٩]
فالأمر بإطاعة الله وإطاعة رسوله، أمر باتباع القرآن والسنة، والأمر بإطاعة أولي الأمر من المسلمين أمرٌ باتباع ما اتفقت عليه كلمة المجتهدين من الأحكام لأنهم أولو الأمر التشريعي من المسلمين، والأمر برد الوقائع المتنازع فيها إلى الله والرسول أمر باتباع القياس حيث لا نص ولا إجماع، لأن القياس فيه رد المتنازع فيه إلى الله وإلى الرسول لأنه إلحاق واقعة لم يرد نص بحكمها بواقعة ورد النص بحكمها في الحكم الذي ورد به النص لتساوي الواقعتين في علة الحكم، فالآية تدل على اتباع هذه الأربعة.
وأما الدليل على ترتيبها في الاستدلال بها هذا الترتيب: فهو ما رواه البغوي عن معاذ بن جبل أن رسول الله ﷺ لما بعثه إلى اليمن قال: "كيف
1 / 21