The Need to Know the Science of Criticism and Praise - Part of 'Al Mu'allimi's Works'
الحاجة إلى معرفة علم الجرح والتعديل - ضمن «آثار المعلمي»
Araştırmacı
علي بن محمد العمران
Yayıncı
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٣٤ هـ
Türler
الرسالة الرابعة
الحاجة إلى معرفة علم الجرح والتعديل
15 / 97
قال ﵎: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، وعبادته ﷾ هي طاعته، وطاعتُه هي امتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، فلذلك بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وعلّمهم الكتابَ والحكمةَ، ليبينوا للناس أمرَ الله ﷿ ونهيَه، فيكون لمن أراد أن يقوم بما خُلق لأجله سبيلٌ إلى معرفته، فيسعى في تحصيله، وذاك السعي بنفسه عبادة، وتقوم الحجة على من لم يُرِد ذلك، فيحيا من حيَّ عن بيّنة، ويَهْلِك من هلك عن بيّنة.
ولما قضى ﷾ أن نبوّة محمد ﵌ خاتم النبيين وشريعتَه خاتمةُ الشرائع قضى أن تبقى محفوظةً إلى قيام الساعة، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩].
والذِّكْر متناولٌ للسنة إن لم يكن بلفظه فبمعناه؛ لأن المقصود من حفظ القرآن إنما هو حفظ ما يعلم به أمر الله ﷿ ونهيه، وهذا ثابت للسنة.
ومَنْ أوفى بعهده من الله؟ فقد وفّى ﷾ بعهده، فقيَّض للدين حَفَظَة، وللسنة نَقَلَة.
فإن قيل: قد اختلط بها ما ليس منها.
قلنا: أما أن تلتبس بها ألبتة بحيث لا يمكن تمييز الحق من الباطل، فلا والله.
وأما بحيث يشتبه، فيتوقف التمييز على النظر والاجتهاد، فنعم، وتلك سنة الله ﷿.
15 / 99
قال الله ﵎: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: ١١٢ - ١١٣].
قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢].
وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [خاتمة العنكبوت].
يحسب كثير من الناس أن الجهاد في تمييز الحق من الباطل في السنة قد انتهى دوره، وهم فرق:
الأولى: غُلاة المقلدين، الذين يزعمون أنه لم يبق للناس طريق إلى معرفة الشريعة إلا بأقوال أئمتهم أو القياس عليها.
الثانية: من يترقّى عن هذه الدرجة، ولكنه يزعم أنه لا طريق إلى معرفة صحاح الأحاديث من ضعافها إلا بأقوال أئمة الحديث الذين ميزوا الصحيح من غيره.
الثالثة: من يترقّى عن هذه الدرجة، ولكنه يرى أنه لا طريق إلى معرفة أحوال الرواة إلا بما قاله فيهم أئمة الحديث، كما هو مدون في كتب الرجال.
فأما الفرقة الأولى: فليس هذا مقام البحث معها.
15 / 100
وأما الفرقة الثانية: فيقال لهم: أرأيتم أولئك الأئمة أمعصومين كانوا؟
فإن قالوا: لا.
قيل لهم: فالعادة تقضي بأنهم لم يسلموا من الخطأ.
فإن قالوا: العبرة بالغالب.
قيل لهم: أفرأيتم إذا كانت الطريق لمعرفة ما غلطوا فيه موجودة، لماذا تسدونها؟
أو رأيتم ما اختلف فيه إمامان، فصححه أحدهما، وضعفه آخر؟
فإن قلتم: يُتوقّف فيه.
قيل لكم: فإذا كانت السبيل إلى معرفة المصيب منهما موجودة، لماذا تقطعونها؟
أو رأيتم ما لم يُنْقَل عن الأئمة فيه تصحيح ولا تضعيف، ومعرفة حاله ممكنة، لماذا تتركونها؟
فإن قالوا: إنما ذهبنا إلى ما ذهبنا إليه لقصور عِلْم الناس، فإن غاية أحدهم أن يعرف أن رواة هذا الحديث ثقات، قد سمع كلٌّ منهم ممن قبله، وهذا وحده لا يقتضي الصحة؛ فإن شَرْط الصحيح أن يسلم من الشذوذ والعلة، ومعرفة العلل بغاية الصعوبة.
قيل لهم: أرأيتم تلك الصعوبة، أتَبْلُغ أن يُقْطَع لأجلها بأن بلوغ تلك الرتبة مستحيل؟
فإن قالوا: نعم.
15 / 101
قيل لهم: هذا خلاف قضاء الله السابق، ووعده الصادق، فإن معرفة حكم تلك الأحاديث من الدين الذي تكفَّل الله ﷿ بحفظه.
وإن قالوا: أما الاستحالة فلا، ولكن بلوغها متعسّر.
قيل لهم: فهلموا إلى السعي في سبيلها، والاجتهاد في تحصيلها، وقد قال الله ﷿: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ...﴾ الآية [العنكبوت: ٦٩].
وأما الفرقة الثالثة؛ فيقال لهم: أرأيتم من لم يوثّق، ولم يجرَّح؟
فإن قالوا: مجهول.
قلنا: أرأيتم إن أريناكم الطريق إلى معرفة أحوال كثير من هؤلاء، أتسلكونها على ما فيها من التعب؟
أو رأيتم من قال فيه بعض الأئمة: روى عنه ثقة ولم أر في حديثه ما يدلُّ على ضعفه، أيكون هذا توثيقًا؟
فإن قالوا: لا.
قيل: فإنّ من أهل العلم مَن يقول في مثل هذا: هو «ثقة»، فمَنْ عُلِم أن هذا مذهبه، هل يُعتدّ بتوثيقه؟
فإن قالوا: لا.
قيل لهم: فلعل كثيرًا من الموثِّقين يرى هذا المذهب، فكيف تستندون إلى توثيقهم بدون أن تعرفوا مذهبهم؟
أو رأيتم ألفاظ الجرح والتعديل، هل الأئمة متفقون على معانيها؟
15 / 102
فإن قلتم: غالبًا.
قلنا: بل هناك اختلاف، لابد لكم مِن معرفة مَن مِن الأئمة يقول بهذا ومَن منهم يقول بذاك، لتُعرف قيمة الكلمة الصادرة عن كل منهم.
أو رأيتم من اختُلِف فيه، فوثقه بعض، وجرحه بعض؟
فإن قالوا: الجرح إن كان مفسّرًا مقدّم.
قيل لهم: فهل حققتم ما هو المفسر من ألفاظ الجرح والتعديل؟ فإن الظاهر من رأيكم أن نحو قولهم: «ضعيف» غير مفسَّر، أفرأيتم من كان منهم لا يطلق هذه الكلمة إلا لمعنى ترونه جرحًا، ألا تكون هذه الكلمة من المفسَّر؟
وبالجملة، فإنه ينبغي لكم أن تبحثوا عن مذاهب أئمة الجرح والتعديل، لتعرفوا مذهب كلِّ واحد في حدّ مَن يُطلِق عليه «ثقة» وفي حدّ مَن يُطلِق عليه «ضعيف» وغير ذلك.
بل وأن تبحثوا عن الطريقة التي سلكها أئمة الحديث في تعرُّف أحوال الرواة، وتسعوا في اتباعهم فيها.
فإن قالوا: هذا صعب. كان الكلام معهم كما تقدم مع الفرقة الثانية.
وبالجملة، فإن بأهل العلم أشدّ الحاجة إلى أمرين:
الأول: تحقيق الحق فيما اختلف فيه بما يقتضي القبول أو الرد، مع السعي في معرفة رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل في ذلك، ومعرفة عادة كل إمام في استعماله ألفاظ الجرح والتعديل، في أيّ حال يطلق «ثقة»،
15 / 103
وفي أيّ حالٍ يطلق «ضعيف» إلى غير ذلك.
الثاني: معرفة الطريق التي سلكها الأئمة لنقد الرواة، ثم السعي في اتباعهم فيها.
15 / 104