179

The Multiplicity of Caliphs and the Unity of the Ummah: Jurisprudence, History, and Future

تعدد الخلفاء ووحدة الأمة فقها وتاريخا ومستقبلا

Türler

نظرية الضرورة في علم الأصول:
الضرورة إما دليل أصولي مستقل مصدره النقل، أو جزء من دليل أصولي مصدره العقل، وكثير من المصطلحات الأصولية لها علاقة وطيدة بالضرورة كالاستحسان والمصلحة المرسلة والرخص وسد الذرائع، فالضرورة في المصالح المرسلة مثلًا تمثل القسم الأهم والجزء الأكبر فيها (١)، حتى لقد اشترط الغزالي للعمل بالمصلحة المرسلة أن تكون مصلحة تدعو إليها الضرورة (٢).
وذهب الإمام شمس الأئمة السرخسي إلى تسمية كل ما يعتمد من الأحكام على دليل الضرورة استحسانًا وهو ما يحكيه عن شيخه قائلًا: «كان شيخنا الإمام يقول: الاستحسان ترك القياس، والأخذ بما هو أوفق للناس. وقيل: الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة. وقيل: الأخذ بالسماحة، وابتغاء ما فيه الراحة». ويعقب على كل ما سبق قائلًا: «وحاصل هذه العبارات أنه ترك العسر لليسر، وهو في الدين» (٣) ومعنى استحسان الضرورة أو الحاجة: هو أن توجد ضرورة تحمل المجتهد على ترك القياس والأخذ بمقتضاها أو بمقتضى الحاجة والمصلحة دفعًا للحرج ومراعاة للعدالة (٤).
ما سبق من استدلالات من الكتاب والسُّنَّة والإجماع، ومن علاقة الضرورة بالاستحسان تجعل من الضرورة دليلًا أصوليًا نقليًا مستقلًا، له تأثير مباشر على الأحكام المنصوص عليها، تختلف نسبته من أمر لآخر بالمقدار الذي يستدعيه الحد من المشقة ورفع العنت، مثله في ذلك مثل غيره من الأدلة الأصولية ذات الوظائف التشريعية، من تخصيص وتقييد وتأسيس أحكام جديدة، أو التغيير حسب الظروف التي يعيشها المكلف. فالعلاقة بين ما تنتجه الضرورة من أحكام وبين ما تنتجه النصوص الدالة على الحكم الأصلي، ليست علاقة تعارض أو تناقض، بل هي

(١) فقه الضرورة لعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان: ص ٤٨. نظرية الضرورة الشرعية لجميل مبارك: ص ١٢.
(٢) المستصفى للغزالي: ١/ ١٧٣، ١٧٤. نظرية الضرورة الشرعية لجميل مبارك: ص ٢١٣.
(٣) المبسوط للسرخسي: ١٠/ ١٤٥ كتاب الاستحسان.
(٤) كشف الأسرار للبزدوي: ٧/ ١١٢، ١٩٦. أصول الفقه للخضري: ص ٣٨٥. المدخل الفقهي للأستاذ مصطفى الزرقا: ١/ ٩٠ - ٩١.

1 / 179