The Malignant or the Mother of Evils
الخبيثة أم الخبائث
Yayıncı
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Baskı Numarası
السنة الخامسة. عشر العدد الثامن والخمسون. ربيع الأخر-جمادى الأولى
Yayın Yılı
جمادى الأخرة ١٤٠٣هـ
Türler
مدخل
...
الخَبيثَةُ أمُّ الخبَائِثِ
للشيخ عبد الفتاح عشماوي
المدرس في كلية الحديث الشريف
مما لا شك فيه أن سعادة الإنسان مرتبطة بعقله. والعقل من الإنسان كالقطب من الرحى أو الشمس من الكون أو الروح من الجسد.
به يعرف الخير من الشر والضار من النافع والهدى من الضلال، وبه رفع الله شأن الإنسان. ففضله وكرمه على كثير من خلقه. خاطبه وكلفه واستخلفه في الأرض وجعله مسئولًا أمامه عما يأتي: وعما يذر.
وحفظًا لهذه النعمة الكبرى حرم الله عليه أن يندفع مع شهوته الفاسدة إلى تناول ما يفسد تلك النعمة أو يضعفها. فيحرم من آثار الطيبة وينزل عن المكانة السامية التي وضعه الله فيها.
ومن أجل ذلك حرم الله عليه الخمر.
التدرج في تحريم الخمر ... التدرج في تحريمها: وقد كان الناس يشربون الخمر حتى هاجر الرسول الله ﷺ من مكة إلى المدينة فكثر سؤال المسلمين عنها وعن لعب الميسر لما كانوا يرون من شرورهما ومفاسدهما. فأنزل الله ﷿: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ سورة البقرة آية ٢١٩أي أن في تعاطيهما ذنبًا كبيرا. لما فيهما من الأضرار والمفاسد الجسدية والدينية. وأن فيهما كذلك منافع للناس. وهذه المنافع مادية وهي الربح بالاتجار في الخمر وكسب المال دون عناء في الميسر. ومع ذلك فإن الإثم أرجح من المنافع فيهما. وفي هذا ترجيح لجانب التحريم وليس تحريمًا قاطعًا، وتسابق الكثير إلى تركها اكتفاء بترجيح المعنى للترك.
التدرج في تحريم الخمر ... التدرج في تحريمها: وقد كان الناس يشربون الخمر حتى هاجر الرسول الله ﷺ من مكة إلى المدينة فكثر سؤال المسلمين عنها وعن لعب الميسر لما كانوا يرون من شرورهما ومفاسدهما. فأنزل الله ﷿: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ سورة البقرة آية ٢١٩أي أن في تعاطيهما ذنبًا كبيرا. لما فيهما من الأضرار والمفاسد الجسدية والدينية. وأن فيهما كذلك منافع للناس. وهذه المنافع مادية وهي الربح بالاتجار في الخمر وكسب المال دون عناء في الميسر. ومع ذلك فإن الإثم أرجح من المنافع فيهما. وفي هذا ترجيح لجانب التحريم وليس تحريمًا قاطعًا، وتسابق الكثير إلى تركها اكتفاء بترجيح المعنى للترك.
1 / 182
ثم نزل بعد ذلك التحريم القاطع أثناء الصلاة تدرجًا مع الناس الذين ألفوها وعدوه جزءًا من حياتهم قال الله ﷾:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ سورة النساء آية ٤٣.
وكان سبب نزول هذه الآية أن رجل صلى وهو سكران فقرأ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ..﴾ إلى آخر السورة بدون ذكر النفي. وكان ذلك تمهيدًا للبت في أمرها، ثم نزل حكم الله بتحريمها نهائيًا. قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ سورة المائدة: آية ٩٠- ٩١.
فقال عمر ﵁: "انتهينا يا رب، فقد كان هو صاحب هذه الدعوة المجابة".
وقد احتوت الآية على جملة من أساليب التحريم القوية القاطعة.
فأولًا: نظمت الخمر مع مظاهر الشرك في توحيد الله وعبادته وهي الأنصاب. والأزلام في سلك واحد.
﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ﴾ .
ثانيًا: وصفت الجميع بأنه (رجس) واستخدمت كلمة (إنما) الدالة على أنه لا صفة لها سوى الرجسية. وبتتبع كلمة (رجس) في القران الكريم لم نجدها إلا عنوانا على ما اشتد قبحه وعظم عند الله جُرمه.
قال تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَان﴾ .
﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ .
﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ .
﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .
﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ .
وهكذا اندرج شرب الخمر مع الكفر والكافرين وعبادة الأوثان تحت كلمة (رجس) .
1 / 183
ثالثًا: وصفت الآية الخمر بأنها من عمل الشيطان وهو كناية في اللسان العربي وفي الأسلوب القرآني على غاية الفحش ونهاية الشر.
رابعًا: أمرت الآية باجتنابه ومعناه أن تكون الخمر في جانب والمؤمن في جانب ناء منها بحيث لا يقربها فضلًا عن أن يتصل بها فضلًا عن أن يتناولها.
خامسا: علقت الآية على اجتنابه رجاء الفلاح. والفلاح يتضمن السلامة من الخسران والحصول على خيري الدنيا والآخرة وأرشد ذلك إلى أن الاقتراب من الخمر يوقع في الخسران العام المطلق.
سادسًا: أرشدت الآية إلى أثره السيئ في علاقة الناس بعضهم مع بعض، بقطع الصلات. ويعد لسفك الدماء. وانتهاك الحرمات التي عظمها الله.
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ .
سابعًا: سجلت الآية أن من آثار الخمر بعد هذا الضرر الاجتماعي ضررًا آخر روحيًا يقطع صلة الإنسان بربه. وينزع من نفسه تذكر عظمة الله عن طريق مراقبته بالصلاة الخاشعة. وتذكر جماله وجلاله، وذلك بما يترك في القلب من قسوة وفي النفس من دنس.
﴿وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ﴾ .
وأخيرًا تختم الآية هذه الجهات كلها بهذا الاستفهام التقريعي الدال على غاية التهديد.
﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ . أي انتهوا وإلا، فعقاب ماحِق لمن لم ينته.
تلك أساليب التحريم التي تضمنتها آية الخمر وأنه لفي الواحد منها ما يملأ قلب المؤمن بربه رهبة من غضبه إذا ما حدثته نفسه أن يقترب من الخمر بما يلوث من نتنه، وهذه الآية آخرها ما نزل في حكم الخمر وهي قاضية بتحريمها تحريمًا مُرْهِبًا.
وأخرج عبد الله بن حميد عن عطاء قال:
أول ما نزل من تحريم الخمر: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ .
فقال بعض الناس: نشربها لمنافعها، وقال الآخرون: لا خير في شيء فيه إثم.
1 / 184
ثم نزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ .
فقال بعض الناس: نشربها ونجلس في بيوتنا. وقال آخرون: لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة مع المسلمين. فنزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ فنهاهم فانتهوا. وكان هذا التحريم بعد غزوة الأحزاب.
وعن قتادة: "أن الله حرم الخمر في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب وكانت غزوة الأحزاب سنة أربع أو خمس هجرية".
وذكر ابن إسحاق أن التحريم كان في غزوة بني النضير وكانت سنة أربع هجرية على الراجح.
تشديد الإسلام في تحريم الخمر:
وتحريم الخمر يتفق مع تعاليم الإسلام التي تستهدف إيجاد شخصية قوية في جسمها ونفسها وعقلها. وما من شك في أن أن الخمر تضعف الشخصية وتذهب بمقوماتها ولا سيما العقل.
وإذا ذهب العقل تحول المرء إلى حيوان شرير وصدر عنه من الشر والفساد ما لا حد له. فالقتل والعدوان والفحش وإفشاء الأسرار وخيانة الأوطان من آثاره.
وهذا الشر يصل إلى نفس الإنسان وإلى أصدقائه وجيرانه وإلى كل من يسوقه حظه التعس إلى الاقتراب منه.
فعن علي كرم الله وجهه: أنه كان مع عمه حمزة وكان له شارفان (ناقتان مسنتان) أراد أن يجمع عليهما الإذخِر. وهو نبات طيب الرائحة - مع صائغ يهودي ويبيعه للصواغين ليستعين بثمنه على وليمة فاطمة ﵂ عند إرادة البناء بها -.
وكان عمه حمزة يشرب الخمر مع بعض الأنصار ومعه قينة تغنيه فأنشدت شعرًا حثته به على نحر الناقتين. وأخذ أطايبهما ليأكل منها. فثار حمزة وقطع أسنمتها وأخذ من كبديهما فلما رأى علي ذلك تألم ولم يملك عينيه وشكا حمزة إلى النبي ﷺ فدخل النبي ﷺ. على حمزة ومعه علي وزيد بن حارثة. فتغيظ عليه
1 / 185
وطفق يلومه - وكان حمزة ثملا احمرت عيناه. فنظر إلى رسول الله ﷺ وقال له ولمن معه: "وهل أنتم إلا عبيد لأبي".
فلما علم النبي ﷺ أنه ثمل. نكص على عقبيه القهقرى وخرج هو ومن معه.
هذه هي آثار الخمر حينما تلعب برأس شاربها وتفقده وعيه ولهذا أطلق عليها الشرع أم الخبائث.
ومما يروى من آثار الخمر. أن قيس بن عاصم المنقري كان شرابًا لها في الجاهلية ثم حرمها على نفسه. وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران. وسب أبويه ورأى القمر فتكلم بشيء وأعطى الخمار كثيرا من ماله فلما أفاق أخبر بذلك وحرمها على نفسه وفيها يقول:
رأيت الخمر صالحة وفيها ... خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحا ... ولا أشفى بها أبدًا سقيما
ولا أعطى بها ثمنا حياتي ... ولا أدعو لها أبدًا نديما
فإن الخمر تفضح شاربيها ... وتجنبهم بها الأمر العظيما
وصدق رسول الله ﷺ القائل:
"الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر. ومن شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته وعمته".
- رواه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عمرو. وكذا من حديث ابن عباس بلفظ – "من شربها وقع على أمه".
وكما جعلها أم الخبائث أكد حرمتها ولعن بتعاطيها وكل من له صلة واعتبره خارجًا عن الإيمان.
فعن أنس ﵁ أن رسول الله ﷺ.
"لعن في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشترى له" رواه ابن ماجة والترمذي. وقال حديث غريب.
1 / 186
وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال:
"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".
رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
وجعل جزاء من يتناولها في الدنيا أن يحرم منها في الآخرة لأنه استعجل سيئا فجوزي بالحرمان منه.
قال رسول الله ﷺ: "من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة".
السنة والإجماع في تحريم الخمر:
جاء في السنة النبوية تأكيد تحريم الخمر عينا بأحاديث عديدة ثابتة.
مثل قوله ﷺ "حرّمت الخمر بعينها والسَّكرُ من كل شراب" ويروى " لعينها" ويروى "بعينها قليلها وكثيرها" ١
وقوله ﵊: "من شرب الخمر فاجلدوه".
ولقد ثبت عن النبي ﷺ تحريم الخمر بأخبار تبلغ بمجموعها رتبة التواتر.
وأجمعت الأمة من لدن رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا على تحريما. وبذلك استقرت الحرمة حكمًا للخمر في الإسلام وصارت حرمتها من المعلوم من الدين بالضرورة. ومن لوازم ذلك أن من استحلها وأنكر حرمتها يكون خارجًا من الإسلام.
وإن من يتناولها طائعًا مختارًا مقرًا بحرمتها يكون فاسقا عن أمر الله. خارجًا على حدوده عاصيًا لأحكامه.
ولا خلاف في هذا لأحد من ذوي الفهم في النصوص والأحكام سةاء أخذت شربًا أو بطرق آخر.
وبعد هذا كله ما زلنا نجد بعض الناس يقولون بأنه لم يرد نص صريح في تحريم الخمر فلم يأت: حرمت عليكم الخمر. كما جاء في القران: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ .
_________
١ اللفظ الأول رواه العقيلي عن على وأعله بمحمد بن الفرات. ورواه النسائي والبزار والطبراني والدارقطني وأبو نعيم عن ابن عباس موقوفًا: (مجمع الزوائد ٥ / ٥٣) .
1 / 187
ونقول لهؤلاء: إن تحريم الخمر في القران تحريم قاطع لا شك فيه ولا يصح الجدال حوله بل إن قول الله سبحانه ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ أقوى وأبلغ واشد تحريمًا مما لو قال ﷾: حرمت عليكم الخمر، بل إنه حرم حملها والجلوس على مائدة يتناول فيها الخمر. والجلوس مع من يتناولها. والاقتراب منها بأي شكل كان.
يلاحظ مثلًا ومنذ بدء الخليقة أن الحق سبحانه حين قال لآدم كل من كل شيء في الجنة ولا تأكل من هذه الشجرة.
قال لآدم وحواء وهو يأمرهم بالامتناع عن الأكل من الشجرة المحرمة ﴿وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ لم يقل لهما: لا تأكلان من هذه الشجرة وإنما قال لا تقربا هذه الشجرة.
ما الفرق بين أن يقول ﷾ لا تأكل من هذه الشجرة. وأن يقول لا تقربا هذه الشجرة؟
فكأن محارم الله يجب أن يبتعد عنها وعن نطاقها. لا تقترب أبدًا لأن القرب منها قد يغري الإنسان بها قد تفتح باب الشيطان في الإنسان فيقع في المعصية.
إذن لا تقربا هذه الشجرة أبلغ وأشد في الإحتياط من لا تأكلا منها، لأنه، إذا كان الله ﷾ قد قال: لا تأكلا، لكان من الممكن أن يذهب الإنسان إلى الشجرة ويجلس بجوارها ويتغزل في محاسنها وينظر إلى ثمارها بحسرة ولكنه لا يأكل منها وحينئذ لا يكون مخالفًا لأمر الله، ولكن الله ﷾ أراد أن يجنب البشر ذلك الذي يقربهم من المعصية وتفتح في نفوسهم باب الشيطان.
ومن هنا حين قال لآدم وحواء لا تقربا هذه الشجرة كان يعني لا تقربا منها ابدأ - لأن القرب منها بداية المعصية وفتح الباب أمام هوى النفس وإغراء الشيطان، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
ولذلك يلاحظ في القران أن كل شيء محرم يقول الله ﷾ ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا﴾ لكن في المحللات يقول: ﴿فَلا تَعْتَدُوهَا﴾ تتجاوزوها.
ونقول لمن يردد أن الخمر لم يرد فيها نص تحريمي كما حرم الله الميتة والدم ولحم الخنزير نقول لهم: إنكم لم تفهموا مدلولات اللغة ولا مدلولات القران الكريم.
فالاجتناب أقوى من التحريم بدليل أن الاجتناب جاء في قمة العقيدة قال الله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ﴾ فكلمة اجتناب هنا في ماذا؟.
1 / 188
في قمة الأيمان وقمة العقيدة. فهل معنى ذلك أن عبادة الشيطان غير محرمة بل مكروهة؟.
وأن عبادة الأصنام غير محرمة بل مكروهة؟.
إن الاجتناب أقوى من التحريم. وإلا لم يكن الله ﷾ ليستخدم هذا اللفظ في قمة العبادات وفي قمة الايمان.
فقول الله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوه﴾ معناه أنه ممنوع على المسلم أن يوجد مع الخمر في أي مكان أو مع أناس يشربونه أو يحمله لمن يشربه. أو يتاجر فيه ويتخذه وسيلة للرزق.
فالذين يقولون إن الخمر لم تحرم في كتاب الله. قوم يجهلون أساليب التحريم في كتاب الله وفي سنة رسوله. بل هناك من يحاول طمس الحقائق عن طريق الخداع وإلباس الحق بالباطل كيدًا للمسلمين. وانتزاعًا لهم من دينهم وطمسًا لشعائرهم وتحريضًا لهم على اقتحام محرمات الله باسم الفهم والرأي. وما مقصدهم في الحقيقة إلا الكيد للإسلام وإلا الخديعة للمسلمين.
قال رسول الله ﷺ: "لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه" رواه أحمد وابن ماجه وقال تشرب مكان (تستحل) .
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها" رواه ابن ماجه: نيل الأوطار جـ ٨ ص ٢٠٣.
فهؤلاء الذين تكلم عنهم الرسول الله ﷺ يستحلون أو يشربون الخمر باسم غير اسم الخمر فكأنهم يتحايلون على تحريم الخمر بتسميتها باسم آخر.
ما هي الخمر: سأتعرض لتعريف الخمر في اللغة وتعريفها في الكيمياء وتعريفها في الفقه الإسلامي. تعريفها اللغوي: الخمر في اللغة تذكر وتؤنث فيقال: هي الخمر وأنكر بعضهم التذكير. وقال إن الخمر مؤنثة فقط. والخمر هو ما أسكر من عصير العنب لأنها خامرت العقل والتخمير التغطية. يقال خمر وجهه. وخمر إناءه أي غطاها.
ما هي الخمر: سأتعرض لتعريف الخمر في اللغة وتعريفها في الكيمياء وتعريفها في الفقه الإسلامي. تعريفها اللغوي: الخمر في اللغة تذكر وتؤنث فيقال: هي الخمر وأنكر بعضهم التذكير. وقال إن الخمر مؤنثة فقط. والخمر هو ما أسكر من عصير العنب لأنها خامرت العقل والتخمير التغطية. يقال خمر وجهه. وخمر إناءه أي غطاها.
1 / 189
والمخامرة أيضًا المخالطة. وقال ابن الأعرابي: "وسميت الخمر خمرًا لأنها تركت فاختمرت. واختمارها تغير ريحها".
وقيل سميت بذلك لمخامرتها العقل. ويقال: خمرة وخمر وخمور. مثل: تمرة وتمر وتمور.
تعريف الخمر في الكيمياء ١: الخمر هي الشربة التي بها كمية من الكحول - والكحول أو الوْل في أصل اللغة العربية هو ما ينشأ عنه بعد شرب الخمر صداع وسكر لأنه يغتال العقل.
وقد نفى الله ﷾ عن خمر الجنة هذه الصفة فقال تعالى ﴿لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ والغول (الكحول) هو اسم عام يطلق على جملة من المركبات الكيماوي لها خصائص متشابهة ومكونة من ذرات (الهيدروجين) و(الكربون) (الفحم) وآخرها مجموعة (هيدرو كسيلية) أي ذرتي (أوكسجين) و(هايدروجين) وهذه المركبات تدعى: «الغولات – أو (الأغوال) جمع غَوْل. ومنها الكحول المثيلى.
ولما كان الكحول الأثيلي أكثرها شيوعًا واستعمالًا اصطلح العلماء على تخصيصه باسم الكحول. وهو روح الخمر. والأسبرتو الذي يستخدم للوقود يحتوي في العادة على الكحول المثيلي السام، إذ تضيفه الحكومات عمدًا حتى لا يشرب، ولذا كان شرب السبرتو مميتًا في أغلب الحالات على الفور. بينما شرب الخمر مميت على المدى الطويل.
وتتكون الكحول في الخمر بواسطة (أنزيمات) خمائر – تقوم بتحويل المواد السكرية الموجودة في الفواكه مثل العنب والرطب والتين.
والمواد النشوية الموجودة في الشعير والذرة والحنطة إلى كحول أثيلي وذلك بعمليات بطيئة متتابعة.
وقد كانت هذه الطريقة تستعمل منذ أقدم العصور حتى يومنا هذا للحصول على الخمور. وبهذه الطريقة يمكن الحصول على جميع أنواع المشروبات المخمرة بمفهومها القديم مثل (الجعّة) وغيرها.
أو بمفهومها الحديث مثل الشيلي والشامبانيا وغيرهما. وفي العصر الحاضر تزرع هذه الخميرة في المختبرات وتضاف إلى الفواكه بكميات ومقادير محسوبة وتوضعه في درجة حرارة ملائمة حتى تسرع عملية التخمر الذاتي.
_________
١ كتاب الخمر بين الطب والفقه ص ١٦.
1 / 190
وهكذا يتحول السكر إلى كحول أثيلي وثاني أكسيد كربون وماء.
تعريف الخمر في الفقه الإسلامي:
(هو كل ما أسكر سواء كان عصيرًا أو نقيعًا من العنب أو ومن غيره مطبوخًا أو غير مطبوخ) .
والمعلوم أن كل ما من شأنه أن يسكر يعتبر خمرًا، ولا عبرة بالمادة التي أخذت منه فما كان مسكرًا من أي نوع من الأنواع فهو خمر شرعًا. ويأخذ حكمه. يستوي في ذلك ما كان من العنب أو التمر أو العسل أو الحنطة أو الشعير أو ما كان من غير هذه الأشياء إذ أن ذلك كله خمر محرم لضرره الخاص والعام. ولصده عن ذكر الله وعن الصلاة ولا يقاعه العداوة والبغضاء بين الناس.
والشارع لا يفرق بين شرابين كلاهما مسكر ولو اختلف أصلهما، فيبيح القليل من صنف ويحرم القليل من صنف آخر، بل يسوى بينهما – وإذا كان قد حرم القليل من أحدهما فإنه كذلك قد حرم القليل من الآخر، وقد جاءت النصوص صريحة لا تحتمل التأويل.
فقد روى أحمد وأبو داود عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: "كل مسكر خمر. وكل خمر حرام".
وروى البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب ﵁ أنه خطب على منبر رسول الله ﷺ فقال: "أما بعد. أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير. والخمر ما خامر العقل".
هذا الذي قاله أمير المؤمنين. وهو القول الفصل لأنه أعرف باللغة وأعلم بالشرع. ولم ينقل أن أحدًا من الصحابة خالفه فيما ذهب إليه.
وروى مسلم عن جابر: أن رجلًا من اليمن سأل رسول الله ﷺ عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له (المزر) فقال رسول الله ﷺ: "أمسكر هو؟ " قال نعم فقال ﷺ: "كل مسكر حرام ... إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال". قالوا يا رسول الله: وما طينة الخبال؟
1 / 191
قال: "عرق أهل النار" أو قال: "عصارة أهل النار".
وروى أحمد والبخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال:
قلت يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعها باليمن (البتع) وهو من العسل حين يشتد – (والمزر) وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد. قال: وكان رسول الله ﷺ قد أوتى جوامع الكلم بخواتيمه. قال: "كل مسكر حرام".
هذا هو رأي جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين.
وهذه أنواع الخمور التي كانت توجد أساسًا فهل يقتصر التحريم على هذه الأنواع الخمسة فقط أم أن هناك أنواعًا مستحدثة وأسماء جديدة؟ !!!.
أهم الأنواع التي استحدثت من الخمر: هناك مثلًا (البراندي) (والوسكي) (والروم) (والليكبر)، وغيرها. وتبلغ نسبة الكحول فيها من ٤٠ % إلى ٦٠ % وتبلغ النسبة في (الجن) و(الهولاندي) و(الجنيفا) من ٣٣ % إلى ٤٠ % وهناك أيضًا أصنافًا أخرى مثل (البورت) و(الشرى) و(الماديرا) وتحتوي على ١٥ % إلى ٢٥ %. وتحتوي الخمور الخفيفة مثل (الكلارت) و(الهوك) و(الشامبانيا) و(البرجاندي) على ١٠ % إلى ١٥ %. وأنواع البيرة الخفيفة على ٢ % إلى ٩ % مثل (الأيل) و(البورتر) و(الاستوت) و(الميونيخ) وغيرها. كما أن هناك أصنافًا أخرى تحتوي على نفس النسب الأخيرة مثل (البوظة) والقصب المتخمر وغيرهما ١. _________ ١ نقل هذا من تقرير طبي عالمي.
سر تحريم الخمر: عندما قرر الإسلام حرمة الخمر وعقوبة شاربها لم ينظر إلى أنها سائل يشرب. وإنما نظر إلى الأثر الذي تحدثه في شاربها من زوال العقل الذي يفسد عليه إنسانيته ويسلبه مكانة التكريم التي منحه الله إياها. ويفسد عليه أيضًا ما يحب أن يكون بينه وبين الناس من صلات المحبة والصفاء ويطوع له مع هذا انتهاك الأعراض وقتل النفس ويعكر عليه صفو المعرفة بالله الناشئة عن مراقبته وتذكر عظمته. وذلك عنوان أضرارها الروحية والاجتماعية التي حرمت لأجلها كما تضمنها وأشار إليها بأساليب التحريم المتعددة القوية قوله تعالى من سورة المائدة:
أهم الأنواع التي استحدثت من الخمر: هناك مثلًا (البراندي) (والوسكي) (والروم) (والليكبر)، وغيرها. وتبلغ نسبة الكحول فيها من ٤٠ % إلى ٦٠ % وتبلغ النسبة في (الجن) و(الهولاندي) و(الجنيفا) من ٣٣ % إلى ٤٠ % وهناك أيضًا أصنافًا أخرى مثل (البورت) و(الشرى) و(الماديرا) وتحتوي على ١٥ % إلى ٢٥ %. وتحتوي الخمور الخفيفة مثل (الكلارت) و(الهوك) و(الشامبانيا) و(البرجاندي) على ١٠ % إلى ١٥ %. وأنواع البيرة الخفيفة على ٢ % إلى ٩ % مثل (الأيل) و(البورتر) و(الاستوت) و(الميونيخ) وغيرها. كما أن هناك أصنافًا أخرى تحتوي على نفس النسب الأخيرة مثل (البوظة) والقصب المتخمر وغيرهما ١. _________ ١ نقل هذا من تقرير طبي عالمي.
سر تحريم الخمر: عندما قرر الإسلام حرمة الخمر وعقوبة شاربها لم ينظر إلى أنها سائل يشرب. وإنما نظر إلى الأثر الذي تحدثه في شاربها من زوال العقل الذي يفسد عليه إنسانيته ويسلبه مكانة التكريم التي منحه الله إياها. ويفسد عليه أيضًا ما يحب أن يكون بينه وبين الناس من صلات المحبة والصفاء ويطوع له مع هذا انتهاك الأعراض وقتل النفس ويعكر عليه صفو المعرفة بالله الناشئة عن مراقبته وتذكر عظمته. وذلك عنوان أضرارها الروحية والاجتماعية التي حرمت لأجلها كما تضمنها وأشار إليها بأساليب التحريم المتعددة القوية قوله تعالى من سورة المائدة:
1 / 192
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ .
وقد كشف الوحي الإنساني في ضوء هذا الوحي الإلهي الكريم أن للخمر مع هذه الأضرار أضرارًا أخرى أجمع عليها الأطباء المتخصصون في أمراض الكبد والمعدة والقلب وسائر الأجهزة.
وقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية من باريس في شهر مايو ١٩٥٦ م أن معهد الإحصاء الفرنسي أذاع في ٢٥ من مايو سنة ١٩٥٨ م أن الخمور بدأت من الفرنسيين أكثر مما لا يقتل مرض السل.
وقال المعهد أن ١٧،٤٠٠ فرنسي ماتوا في العام الماضي من الخمر بينما لم يمت سوى ١٢،٠٠٠ بالسل هذا التقرير رسمي عماده معهد الإحصاء القومي في فرنسا لضحايا كل من الخمر والسل.
وحسْب الذين يميلون إلى الخمر أو يحاولون خديعة الناس عن حكمها في الإسلام أن يعرفوا ذلك ليتبين لهم كيف يرحمهم الله الحكيم بتحريم الخمر وكيف يصورها لهم بأنها ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ وأي رجس بعد هذا؟ !!!.
وهذا كله فوق ما يحدثه شربها من الأضرار الاقتصادية التي تذهب بأموال شاربها سفهًا بغير علم إلى خزائن الذين اصطنعوها وصدروها وتفننوا في سبيل الإعلان عنها والإغراء بها. وفوق ما تحدثه من الأضرار الأدبية في الذهاب بالحشيمة والوقار واحترام الأهل والأبناء والأصدقاء. وفوق التوارث لرجسيتها بين الآباء والأبناء والأحفاد. ولهذا كله حرم الإسلام الخمر.
وقد نشرت مجلة التمدن الإسلامي ملخصًا لأضرار الخمر بقلم الدكتور عبد الوهاب خليل. يتحدث فيه عن أضرار الخمر النفسية والبدنية والخليقة وما يترتب عليها من آثار سيئة.
فقالت ... "وإذا سألنا جميع العلماء سواء علماء الدين أو الطب أو الأخلاق أو الاجتماع أو الاقتصاد وأخذنا رأيهم في تعاطي المسكرات لكان جواب الكل واحدًا:
1 / 193
وهو منع تعاطيها منعًا باتًا لنها ضررًا فادحًا ".
فعلماء الدين يقولون: إنها محرمة وما حرمت إلا أنها أم الخبائث.
وعلماء الطب يقولون: إنها من أعظم الأخطار التي تهدد نوع البشر لا بما تورثه مباشرة من الأضرار السامة فحسب بل بعواقبها الوخيمة أيضًا.
إذ أنها تمهد السبيل لخطر لا يقل ضررًا عنها، ألا وهو السل.
والخمر توهن الجسم وتجعله أضعف مقاومة وجلدًا في كثير من الأمراض مطلقًا. لأنها تؤثر في جميع أجهزة البدن وخاصة في الكبد.
وهي شديدة الفتك بالمجموعة العصبية لذلك لا يستغرب أن تكون من أهم الأسباب الموجبة لكثير من الأمراض العصبية ومن أعظم دواعي الجنون والشقاوة والإجرام لا لمستعملها فقط بل وفي أعقابه من بعده.
فهي إذن علة الشقاء والبؤس. وهي جرثومة الإفلاس والمسكنة والمذلة. وما نزلت بقوم إلا أودت بهم مادة ومعنى بدنًا وروحًا جسمًا وعقلًا.
وعلماء الأخلاق يقولون: لكي يكون الإنسان محافظًا على الرزانة والعفة والشرف والنخوة والمروءة. يلزم عدم تناول شيء يضيع به هذه الصفات الحميدة.
وعلماء الاجتماع يقولون: لكي يكون المجتمع الإنساني على غاية من النظام والترتيب يلزم عدم تعكيره بأعمال تخل بهذا النظام وعندها تصبح الفوضى سائدة. والفوضى تخلق التفرقة. والتفرقة تفيد الأعداء المتربصين.
وعلماء الاقتصاد يقولون: إن كل درهم نصرفه لمنفعتنا فهو قوة لنا وللوطن وكل درهم نصرفه لمضرتنا فهو خسارة علينا وعلى وطننا. فكيف بهذه الملايين من الأموال التي تذهب سدى على شرب المسكرات على اختلاف أنواعها وتؤخرنا ماليًا وتذهب بمروءتنا وتدمر مجتمعنا.
فعلى هذا الأساس نرى أن العقل يأمرنا بعدم تعاطي الخمر، لأن العقل يجب أن يعي الخير الذي يأمر الله به، وإذا أرادت الحكومة أي حكومة أخذ رأي العلماء الخبيرين في هذا المضمار فقد كفيناها مؤونة التعب في هذه السبيل وأتيناها بالجواب بدون أن تتكبد مشقة أو تصرف قرشًا واحدًا. إذ جميع العقلاء متفقون على ضررها. والحكومات من الشعوب والشعوب تريد من حكوماتها رفع الضرر عنها والأذى فهي مسئولة عن رعيتها.
1 / 194
ويمنع المسكرات يغدوا أفراد الأمة أقوياء البنية صحيحي الجسم أقويا العزيمة ذوي عقل ناضج، وهذه من أهم الوسائل المؤدية إلى رفع المستوى الصحي في المجتمع كله، وكذلك هي الدعامة الأولى لصلابة البناء الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي، فتنعدم أو تقل الجرائم وكل ما يثير الاضطرابات.
وبعدها تصبح السجون خالية تتحول إلى دور يستفاد منها بشتى الإصلاحات الاجتماعية.
هذه هي الحضارة والمدنية. وهذا هو الرقي والوعي وهذا هو المعيار والميزان لرقي الأمم. أن تشترك وتتعاون على رفع الضرر والأذى، وفتح باب العمل الجدي المنتج الواسع.
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ .. انتهى.
هذه الأضرار الآنفة ثبتت ثبوتًا لا مجال فيه لشك أو ارتياب مما حمل كثيرًا من الدول الواعية على محاربة تعاطي الخمر وغيرها من المسكرات وكان في مقدمة من حاول ذلك من الدول أريكا وروسيا أكبر دولتين ماديتين في العالم.
فقد نشر في كتاب: (تنقيحات) للسيد أبو الأعلى المودودي ما يلي:
"منعت حكومة أمريكا الخمر وطاردتها في بلادها واستعملت جميع وسائل المدنية الحاضرة. كالمجلات والمحاضرات والصور والسينما لتهجين شربها وبيان مضارها ومفاسدها وكذا روسيا ودولًا أخرى كثيرة ليست مسلمة.
ويقدرون ما أنفقت أمريكا في الدعاية ضد الخمر بما يزيد عن ٦٠ مليون دولار وأن ما نشرته من الكتب والنشرات يشتمل على ١٠ بلايين صفحة زمت تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم في مدة أربعة عشر عامًا لا يقل عن ٢٥٠ مليون دولار.
وقد أعدم فيها ٣٠٠ نفس وسجن ٥٣٢‘٣٣٥ نفس وبلغت الغرامات إلى ١٦ مليون جنيهًا وصادرت من الأملاك ما يبلغ ٤٠٠ مليون وأربعة ملايين جنيهًا.
ولكن كل ذلك لم يزد الأمة الأمريكية إلا غرامًا بالخمر وعنادًا في تعاطيها حتى اضطرت الحكومة سنة ١٩٣٣ م إلى سحب هذا القانون وإباحة الخمر في بلادها إباحة مطلقة" انتهى.
إن أمريكا قد عجزت عجزًا تامًا عن تحريم الخمر بالرغم من الجهود الضخمة التي بذلتها.
1 / 195
ولكن الإسلام الذي ربى الأمة على أساس من الدين وغرس في نفوس أفرادها غراس الإيمان الحق وأحيا ضميرها بالتعاليم الصالحة والأسوة الحسنة. لم يصنع شيئًا من ذلك ولم يتكلف مثل هذا الجهد ولكنها كلمة قيلت من الله ﷾ استجابت لها النفوس استجابة مطلقة.
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ﵁ قال:
"ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ. إني لقائم أسقي أبا طلحة وأبا أيوب ورجالًا من أصحاب النبي ﷺ: في بيتنا إذ جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟ فقلنا: لا فقال: إن الخمر قد حرمت فقال: يا أنس أرق هذه القلال. قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل". هكذا يصنع الإيمان بأهله.
تأثير الخمر على جسم الإنسان: إن صحة الأجسام وجمالها ونضرتها من الأمور التي وجه الإسلام إليها عناية فائقة واعتبرها من صميم رسالته. ولن يكون الشخص راجحًا في ميزان الإسلام محترم الجانب إلا إذا حافظ على جسمه وعقله وصانه عن كل ما يفسده. ويقظة العقل مرتبطة بسلامة الجسد، وقد قيل: العقل السليم في الجسم السليم. ولذلك نهانا الله ﷾ عن الابتعاد عن كل ما فيه إفساد للجسم أو للعقل، قال تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ وقال ﷾: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ ومما لاشك فيه أن الخمر تؤدي بشاربه إلى الهلاك المؤكد الذي أثبتته وقائع الأيام. فمن المعلوم أن جميع السوائل المسكرة تحتوي على نسبة معينة من الكحول كما أسلفنا ترتفع وتنخفض بالنسبة لنوع السائل. فمثلًا كأس البيرة الواحد فيه من ٣ – ٨ % وكاس الوسكي يحتوي على نسبة ٥٠ % من الكحول. وكأس الشمبانيا يحتوي على نسبة ٢٠ % من الكحول. وكأس الشيرى أو اليورت يحتوي على نسبة ٢٠ % من الكحول ١. ومن المعلوم كذلك أن نسبة الكحول كلما ارتفعت نسبتها في الشراب كلما كان تأثيره السيئ على الأجهزة التي يحتويها الجسم أكثر ضررًا وأشد فتكا. ومن المعلوم كذلك أن الذي يؤثر في أجهزة جسم الإنسان هو الكحول لذا يسمى بروح الخمر، ولهذا كما سبق يسمى في اللغة العربية بالغول لأنه يغتال العقول بل ويفتك بها. _________ ١ كتاب الخمر بين الطب والفقه ص ٣٤.
تأثير الخمر على جسم الإنسان: إن صحة الأجسام وجمالها ونضرتها من الأمور التي وجه الإسلام إليها عناية فائقة واعتبرها من صميم رسالته. ولن يكون الشخص راجحًا في ميزان الإسلام محترم الجانب إلا إذا حافظ على جسمه وعقله وصانه عن كل ما يفسده. ويقظة العقل مرتبطة بسلامة الجسد، وقد قيل: العقل السليم في الجسم السليم. ولذلك نهانا الله ﷾ عن الابتعاد عن كل ما فيه إفساد للجسم أو للعقل، قال تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ وقال ﷾: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ ومما لاشك فيه أن الخمر تؤدي بشاربه إلى الهلاك المؤكد الذي أثبتته وقائع الأيام. فمن المعلوم أن جميع السوائل المسكرة تحتوي على نسبة معينة من الكحول كما أسلفنا ترتفع وتنخفض بالنسبة لنوع السائل. فمثلًا كأس البيرة الواحد فيه من ٣ – ٨ % وكاس الوسكي يحتوي على نسبة ٥٠ % من الكحول. وكأس الشمبانيا يحتوي على نسبة ٢٠ % من الكحول. وكأس الشيرى أو اليورت يحتوي على نسبة ٢٠ % من الكحول ١. ومن المعلوم كذلك أن نسبة الكحول كلما ارتفعت نسبتها في الشراب كلما كان تأثيره السيئ على الأجهزة التي يحتويها الجسم أكثر ضررًا وأشد فتكا. ومن المعلوم كذلك أن الذي يؤثر في أجهزة جسم الإنسان هو الكحول لذا يسمى بروح الخمر، ولهذا كما سبق يسمى في اللغة العربية بالغول لأنه يغتال العقول بل ويفتك بها. _________ ١ كتاب الخمر بين الطب والفقه ص ٣٤.
1 / 196
لذا فإن الله ﷿ لما ذكر عباده المخلصين الذين استثناهم من تذوق العذاب الأليم وصور لهم النعيم الذي سيلقونه في إعطائه في الدار الآخرة كان من ضمن ما يتنعمون أن يطاف عليهم بخمر لذة للشاربين لأنها منقادة من الغول المجلب للصداع المنغص المكدر حقيقة للنفوس. قال تعالى:
﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ ١.
ومن الدراسات الكيميائية اتضح أنه يفتك كذلك بكثير من أجهزة الجسم ولكن تأثيره المباشر والفوري يظهر أول ما يظهر على العقول.
ولما كان الكحول هو روح الخمر كما ذكر وقد أجريت دراسات علمية معملية على مدى تأثير الكحول على أجهزة جسم الإنسان. وثبت يقينًا أن للكحول وبالتالي للخمور آثار فتاكة بك أجزاء جسم الإنسان، وإن كان نسبة الضرر التي تصيب كل جزء تتفاوت عن غيرها.
ٍمن أجل هذا سأتحدث عن بعض الأضرار التي تلحق الإنسان من جراء تناوله هذه السموم.
تأثير الكحول على الجهاز العصبي للإنسان:
«أهم تأثير للكحول تخديره لخلايا المخ جميعًا. ولكن أهم الخلايا التي تصاب هي خلايا القشرة وهي الخلايا المتحكمة في الإرادة أو ما نعبر عنه بكلمة العقل» .
والعقل هو القوة التي خلقها الله للإنسان يستطيع بواسطتها أن يميز بين الأشياء لذا فإن الطفل تتكون عنده بالتدرج مجموعة من الموانع الأخلاقية بالتربية فالطفل يتبول، ويتغوط دون أي مانع. فإذا بلغ سن لا إله إلا التمييز ثم التكليف فإنه لا يمارس الأفعال التي كان يمارسها وهو صغير.
_________
١ الصافات ٤١ – ٤٧.
1 / 197
ووظيفة الكحول هي التأثير على هذه القوة فيصبح مرة أخرى لا يتحرج من فعل ما كان يفعله صغيرًا أو ما يماثله. ويفقد الإنسان قوة التحكم فيما يأتي من أفعال. وحتى فيما ينطق به من كلمات. إذا سكر هذى وإذا هذى افترى.
ويفقد القدرة على الأعمال التي تحتاج إلى دقة كالطباعة أو قيادة السيارات بل وتختل الموازين الزمنية والمكانية. فلا يستطيع السائق المخمور أن يتحكم في السرعة وتفادى الحوادث. لذا فإن جميع الدول تحرم قيادة السيارات تحت تأثير الخمر وتشدد العقوبة حينئذ على المخمور.
وقد أثبتت الفحوص الكثيرة أن الكفاءة والمقدرة لدى الشخص المتعاطي تنخفض بمجرد شرب الكحول حتى ولو كان متعودًا عليها ولو كانت الكمية ضئيلة.
ويؤثر الكحول على دقة النظر والقدرة على السمع الجيد وعلى الشم والطعم وعلى توازن العضلات. وكذلك فإن الشخص المتعاطي لا يستطيع أن يتخذ القرار فضلًا عن القرار السريع والمناسب. ومهما كانت الكمية المتعاطاه ضئيلة ١.
يقول الدكتور سيدني كاى. في كتابه (علم السموم) ٢.
"إن الخمر هي السبب المباشر وغير المباشر في المئة من مجموع حالات الوفاة التي يفحصها بمعمل الطب الشرعي بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة".
«وقد أقيمت في مدينة مانسشتر بانجلترا تجربة على أمر سائقي الاتوبيسات هناك وأعطى كل واحد منهم كمية قليلة من الخمر ثم سمح له بقيادة الاتوبيسات تحت الاختبار. ورغم الثقة الزائدة التي كانت تبدو على السائقين. إلا أن أخطاءهم كانت مروعة ومرعبة وستؤدي إلى كوارث خطيرة» ولا يوجد شك في أن الخمر هي السبب الأول في حوادث السيارات والطائرات.
وما لا يقل عن خمسين في المائة من جميع حوادث السيارات. وللأسف فإن تقارير البوليس أقل من هذه النسبة وذلك لأن إثبات حالة السكر البين ليست يسيرة وبخاصة إذا كانت الكمية المتعاطاة قليلة فلا تظهر آثارها كاملة ولا ترتفع نسبة الدم إلى الحد الذي يمنعه القانون.
_________
١ كتاب الخمر بين الطب والفقه. ص ٣٩ – ٤١.
٢ نقلًا عن كتاب الخمر بين الطب والفقه ص ٤٢.
1 / 198
فالقوانين في أوربا وأمريكا تعاقب على شرب الخمر وقيادة السيارات إذا كانت النسبة مئة مليجرامًا في كل مئة سنتي من الدم ١.
الخمر والجلد:
يعتقد الناس المدمنين أن الخمر عامل من عوامل التدفئة وأنها كذلك تزيد من قوة الإنسان ونشاطه لذا فإن شارب الخمر تتورد خدوده ويكاد الدم المتدفق في وجهه أن يتدفق من وجنتيه ظل الناس على هذا الإعتقاد حنى الآن وكثير من الأطباء كذلك. أما القليل الذي يتابع الحركة العلمية للطب فقد زال عنه هذا الاعتقاد بناء على الاكتشافات الحديثة التي تقوم على التحاليل العلمية المعملية.
وقد ثبت أن الاحساس بالدفء إحساس كاذب حقيقة وذلك لأن تناول الكحول يسبب توسعًا في الأوعية الدموية للجلد نتيجة شلل مؤقت بالمركز الدموي الحركي في النخاع المستطيل.
وتزداد كمية الماء في الدم مما يترتب عليه احتقان وجه الشارب وتحمر وجناته وتحتقن الملتحمة في عينيه، فيحس الشخص بالدفء بعد تناول الكحول.
وفي حقيقة الأمر قد فقد جسمه حرارته لذا فإن الشارب قد يموت فعلًا من البرد وهو شاعر بالدفء.
«ورغم أن الكحول تؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية التي في الجلد وفي الجسم عامة إلا أنها لا توسع الأوعية التاجية التي تغذي القلب» .
وهذه حقيقة مجهولة كذلك حتى عند كثير من الأطباء إلى عهد قريب. ولكن منجزات الطب الحديثة قد كشفت عن زيف هذا الاعتقاد واتضح الآن أن الأطباء الذين يصفون الخمر لمرضى ضيق الشرايين التاجية على أمل أن يحسن ذلك من الدورة التاجية. مخطئون بل إن الطب الحديث أثبت عكس ذلك فقد أثبت أن الخمر تتسبب في تصلب الشرايين التاجية للقلب ويؤدي هذا إلى الذبحات الصدرية وكذلك إلى جلطة القلب» ٢ فالخمر حقيقة داء وليست بدواء.
كما قال رسول الله ﷺ وصدق الله العظيم: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ .
_________
١ نفس المصدر.
٢ كتاب الخمر بين الطب والفقه ص ٤٦.
1 / 199
لذا فإن أهل اليمن حينما جاء وفد منهم إلى رسول الله ﷺ. واستفتوه في شرب الخمر في الشتاء لشدة البرودة آنذاك فلم يفتهم بذلك.
وكذلك فقد روى أحمد عن ديلم الحميري ﵁ قال:
"سألت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله إنا بأرض نعالج بها عملًا شديدًا وإنا نتخذ شرابًا من القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا فقال ﵊: "هل يسكر؟ " قلت نعم، قال: "فاجتنبوه". قل ت: الناس غير تاركيه. فقال: "فإن لم يتركوه فاقتلوهم" ١.
فالرسول الله ﷺ لم يوافق على شرب الخمر مع دعوى أن شربها يستعان به على العمل وعلى البرد. وإن الطب الحديث يثبت للناس كافة صدق رسول الله ﷺ.. بعد مضي ألف عام وأربع مئة عام. وهو ﷺ الصادق حقًا المصدق من أتباعه منذ بداية رسالته وحتى قيام الساعة.
ولسنا نحن المسلمين. في حاجة إلى أن يكون الطب الحديث أو القديم موافقا أو مخالفا. ولكن نقول ذلك لمن ران على قلوبهم، أو علت أعينهم غشاوة فقول الرسول الله ﷺ متى صح عنه فهو الحق فإذا خالفه قول أو بحث في زمن من الأزمنة فهو الجهل، وإذا وافقه علم أو بحث صُدِّق البحث بقول الرسول بالبحث. وهذ قاعدة يسير عليها أهل العلم والإيمان.
الخمر والجنس:
يظن الكثير أن الخمر تزيد من القدرة الجنسية، وهذا ظن خاطئ، ولكن الخمر تخدر المناطق المخية العلياء. ولهذا فإن الحياء والأخلاق الكريمة تذهب مع ذهاب انضباط عقل السكران، وهي حقيقة تزيد الرغبة في الجنس وفي بداية الشرب نجعل الشارب يرتكب جرائم جنسية شاذة، فالوازع الأخلاقي غير موجود والتفكير في العواقب يصبح مشلولًا شللًا تاما ًبعد تناول الخمر.
«والاستمرار في شرب الخمر يؤدي إلى ضعف بل فقدان القدرة على الوظيفة الجنسية تمامًا. بل إن الإكثار من شرب الخمر غالبًا ما يؤدي إلى العمى الكامل، ويؤدي في كثير من الحالات التي لم يتمكن من إنقاذها إلى الموت الحقيقي. وتوجد كذلك في الخمور التي من نوع (الإبسنت) مادة تسبب الصرع والتشنجات وهذه المادة تسمى (الثوجون) وما أكثر ما تسبب هذه الخمور من أمراض عواقبها وخيمة» .
_________
١ السياسة الشرعية لابن تيمية ص ٦٤: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص ١١٧.
1 / 200
وصدق رسول الله ﷺ حيث قال: "هي داء وليست بدواء".
الخمر والجنين:
أكد بحث الدكتور جيمس فرياس، من جامعة فلوريدا أذيع في اليوم التاسع من شهر مارس ١٩٧٧م - أن إفراط السيدات في تناول الخمور أثناء الحمل يؤدي في ٥٠% من الحالات إلى ولادة طفل متخلف عقليا، بينما يؤدي في ٣٠% من الحالات إلى ولادة طفل مشوه.
وأكد الطبيب الأمريكي أن التجارب أثبتت أن هذه التشوهات تنجم عن عامل موجود في المشروبات الكحولية نفسها.
ومن ناحية أخرى أثبتت آخر الإحصائيات أن عدد النساء الأمريكيات اللاتي يدمن الخمر بلغ نصف عدد المدمنين عموما في الولايات المتحدة الذي يبلغ ١٠ ملايين شخص١.
وقد نشرت مجلة لواء الإسلام الصادر في القاهرة في شهر جمادى الأولى سنة ١٣٦٧هـ ١٢ من مارس ١٩٤٨م العدد التاسع:
يقول الدكتور محمد فخر الدين السبكي، صاحب البحث:
سأبدأ الآن بالتحدث عن أضرار الخمر الصحية وأقسمها إلى قسمين:
أولًا: تأثير جرعة واحدة.
وثانيا: تأثير الإدمان.
فأولا: ماذا يحصل لمن يشرب جرعة واحدة من الخمر؟
إن تأثير هذه الجرعة يختلف تبعا لعوامل كثيرة، منها سن الشخص ونوع الخمر، ودرجة نقاوتها من المراد الغريبة والكمية المشروبة، وكون المعدة خالية أو مملوءة بالطعام، وحالة الشخص الصحية، ودرجة حرارة الجو، وغير ذلك، كما أن التأثير أيضا يختلف تبعا لكون الشخص مدمنا أو غير مدمن.
_________
١ جريدة الأخبار المصرية، الخميس ١٠ مارس ١٩٧٧ العدد ٧٧١٦ السنة الخامسة والعشرون.
1 / 201