The Holy Land in Light of the Quran and Sunnah
الأرض المقدسة في ضوء الكتاب والسنة
Türler
خيار أهل الأرض ألزمهم لمهاجر إبراهيم ﵇
تاسعًا: خيار أهل الأرض ألزمهم لمهاجر إبراهيم ﵇، بل جعل النبي ﵊ مهاجر إبراهيم كمهاجره ﵊، والنبي ﵊ هاجر من مكة إلى المدينة، وإبراهيم هاجر من العراق والحجاز إلى الشام، لكن الهجرة من مكة انقطعت بفتحها، فقال ﵊: (لا هجرة بعد الفتح)، لأن مكة صارت دار إسلام وإيمان إلى قيام الساعة، كذلك فلا هجرة منها ألبتة؛ لأن الهجرة لا تكون إلا من ديار الكفر إلى ديار الإيمان والإسلام التي يأمن المرء فيها على دينه وعرضه، ويقيم فيها شعائر دينه، وهذا كلام يرد به على الذين يزعمون أنهم يهاجرون إلى أمريكا وأوروبا، وأنا لا أدري كيف يفهمون من قولنا: إن الهجرة باقية بقاء الأيام والليالي أنها من ديار الإسلام إلى ديار الكفر، بل الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام، وليس العكس، فمهاجر إبراهيم ﵇ يمتاز مزية على مهاجر نبينا بأن الشام أرض هجرة إلى آخر الزمان، خلافًا لهجرة نبينا ﵊ فإنها انقطعت بفتح مكة.
نسأل الله أن يحفظ ديار المسلمين جميعًا.
وقال عبد الله بن عمر: سمعت النبي ﷺ يقول: (لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهجر إبراهيم ﵇ -أي: الشام- حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، وتلفظهم أرضوهم، وتقذرهم نفس الله -وفي رواية: روح الرحمن ﷿ وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تقيل حيث يقيلون وتبيت حيث يبيتون وما سقط منهم فلها)، هذا النبي ﵊ يبين أن الهجرة إلى أرض الشام هجرة بعد هجرة وهجرة بعد هجرة، يعني: هجرات متتابعة متواصلة، ولا يزال الناس إلى يومنا هذا كلهم يحبون أن يذهبوا إلى سوريا لولا ما فيها من طغيان، وكلهم يحب أن يذهب إلى الأردن، وكلهم يتشوق شوقًا عجيبًا إلى الذهاب إلى بيت المقدس والصلاة فيه ولو ركعتين، فلا تزال أنفس الموحدين تشتاق إلى زيارة بلاد الشام.
وهذا فضيلة أخرى للشام: أن من يأتيها ويقيم بها من أهل الصلاح للمرابطة هم خير أهل الأرض، يعني: للجهاد في سبيل الله ﷿، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب عظيم له (مناقب الشام وأهله): فقد أخبر أن خير أهل الأرض من ألزمهم مهاجر إبراهيم، بخلاف من يأتي إليه ثم يذهب عنه، ومهاجر إبراهيم هي الشام، وقد جعل مهاجر إبراهيم يعدل مهاجر نبينا ﵊، فإن الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة، وهذا ما قلناه تفصيلًا.
1 / 16