The Golden Threads from Al-Bazi's Commentaries on Sahih al-Bukhari
الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري
Yayıncı
دار التدمرية للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
Yayın Yeri
المملكة العربية السعودية
Türler
الحلل الإبريزية
من
التعليقات البازية
على صحيح البخاري
بقلم
أبي محمد عبد الله بن مانع الروقي
الجزء الأول
تقريظ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد؛ فإن آثار العلماء الربانيين في أمتهم متعددة ومتنوعة، في حال حياتهم المباركة وبعد مماتهم: أما في حال حياتهم فالأثر ملموس ومشاهد يعيشه الناس مع علمائهم: علمًا وتعليمًا، واقتداءًا، وتوجيهًا وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، ونشرًا للدين، وذبًا عنه، ووقوفًا أمام أعدائه من الملحدين والزنادقة وأهل البدع والإفساد. وكم شهد المسلمون في كل عصر مواقف لعلمائهم العاملين ينصرون فيها حقًا ويردون باطلًا كادت أن ترتفع أعلامه ويعم خطره على أمة الإسلام. وهؤلاء هم الذين تفقدهم الأمة إذا ماتوا. بل ربما لم يعرف الكثيرون قدرهم إلا بعد رحيلهم. وأما بعد وفاتهم فأظهر أثار العلماء: ١ - تلاميذهم الذين تلقوا عنهم، وساروا على منهاجهم، في نشر العلم النافع والدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلشيوخهم ... - من هذا الأجر نصيب - دون أن ينقص من أجور التلامذة، كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله ... ٢ - المؤسسات والمدارس التي أنشأوها أو شاركوا في إنشائها، وبقيت هذه المدارس ودور العلم تقدم للأمة العلم الصحيح والعمل الصالح من
تقريظ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد؛ فإن آثار العلماء الربانيين في أمتهم متعددة ومتنوعة، في حال حياتهم المباركة وبعد مماتهم: أما في حال حياتهم فالأثر ملموس ومشاهد يعيشه الناس مع علمائهم: علمًا وتعليمًا، واقتداءًا، وتوجيهًا وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، ونشرًا للدين، وذبًا عنه، ووقوفًا أمام أعدائه من الملحدين والزنادقة وأهل البدع والإفساد. وكم شهد المسلمون في كل عصر مواقف لعلمائهم العاملين ينصرون فيها حقًا ويردون باطلًا كادت أن ترتفع أعلامه ويعم خطره على أمة الإسلام. وهؤلاء هم الذين تفقدهم الأمة إذا ماتوا. بل ربما لم يعرف الكثيرون قدرهم إلا بعد رحيلهم. وأما بعد وفاتهم فأظهر أثار العلماء: ١ - تلاميذهم الذين تلقوا عنهم، وساروا على منهاجهم، في نشر العلم النافع والدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلشيوخهم ... - من هذا الأجر نصيب - دون أن ينقص من أجور التلامذة، كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله ... ٢ - المؤسسات والمدارس التي أنشأوها أو شاركوا في إنشائها، وبقيت هذه المدارس ودور العلم تقدم للأمة العلم الصحيح والعمل الصالح من
المقدمة / 1
خلال من تخرج منها من طلاب العلم الذين هم قدوات لغيرهم، يمتد أثرهم إلى عموم المسلمين.
٣ - العلم النافع من خلال الكتب والرسائل والردود التي يؤلفونها بحيث تبقى علمًا تتلقاه الأمة، وتنتشر بمقدار كثرة نسخها واتساع انتشارها في بلاد المسلمين. ولأهمية هذا الأثر الأخير وعظم دوره في الأمة كما هو معلوم، حيث لا تزال المخطوطات الإسلامية العلمية المتفرقة في جميع أنحاء العالم أحد أهم ما يعني به طلاب العلم وتفتخر به أمة الإسلام على بقية الأمم. فإنني أحب أن أقف وقفة مع هذا الأثر لعلماء الإسلام قديمًا وحديثًا فأقول: كم يحزننا أن نقرأ ونسمع من علماء كبار كانوا أئمة في التحقيق في فنون العلم الشرعي المختلفة، وكانوا مرجعًا للأمة، بل ولعلماء عصرهم في معضلات المسائل، ثم لا نجد لهؤلاء العلماء أثرًا إلا ما دوّن من تراجمهم في كتب الأعلام والرجال - وكثيرًا ما تكون مختصرة لا تغني شيئًا -.
هذا في الماضي أما في عصرنا الحاضر فقد تجددت وسائل حفظ العلم، وصارت الدروس والمحاضرات تسجل وتحفظ ليستفاد منها من خلال التسجيل أو بعد أن تفرغ وتصحح وتطبع. ولكن الشأن في الدروس التي لم تسجل، كما هو الحال في كثير من دروس الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى ليس هناك وسيلة لحفظ ذلك إلا عن طريق ما يدونه التلاميذ ويعلقونه أثناء الدرس، تلقيًا عن الشيخ مباشرة. وهذا ما نشير إليه في الفقرة التالية:
٤ - ما يدونه التلاميذ ويعلقونه عن شيوخهم من خلال الأسئلة، أو سماع الدروس والتعليقات والتنبيهات التي تكون أثناء تلقي العلم عنهم أو
المقدمة / 2
القراءة عليهم. وأظهر ما يمثل هذا النوع أمران:
أحدهما: الأسئلة والمسائل التي يسألها التلاميذ أو يسمعونها أثناء الدرس بحيث يقوم بالسؤال غيرهم، فيقومون بتدوين ذلك وهذا كثير كما هو الحال في مسائل الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام.
الثاني: ما يدونه بعض الطلاب على طرة كتبهم أو في ورق آخر مستقل أثناء إلقاء الشيوخ دروسهم، وهذا النوع من تلقي وتدوين العلم من أشق ما يعانيه الطلاب، ولا يكاد يقوى على الاستمرار عليه إلا القليل النادر (١) من طلاب العلم، لأن الكثيرين يحبون الاستماع ويعتمدون على ما يبقى في الذاكرة من علم الشيخ وفوائده وتحقيقاته.
وهذا الكتاب والسفر النفيس الذي يقدمه أخونا الشيخ الفاضل / عبد الله بن مانع الروقي، والذي اختار له أسمًا جميلًا وعنوانًا لطيفًا معبرًا «الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري» هو من ذلك النوع الشاق على طلاب العلم، والذي عُرف به أخونا الشيخ عبد الله من بين المشايخ الذين تلقوا وحضروا دروس شيخنا ووالدنا ابن باز ﵀ حيث كان حريصًا على تدوين الفوائد والنكت والتعليقات والترجيحات، ولا يترك منها شيئًا حتى ولو كان أمرًا معلومًا مشهورًا بين طلاب العلم. فقيّد العلم وأنجح، وكان من أثار ذلك جملة من المسائل التي حفظها ودونها، وجملة من التعليقات على بعض كتب العلم ومنها هذا الكتاب المبارك الذي يجمع بين: صحيح البخاري، ومواضع من فتح
_________
(١) من هؤلاء - كما سمعنا - الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ﵀ حيث حفظ كثيرًا من علم الشيخ العلامة مفتي الديار محمد بن إبراهيم آل الشيخ ﵏ جميعًا -.
المقدمة / 3
الباري، وتعليقات الشيخ ابن باز. فأكرم بهم من سلسلة ذهبية توجت بحفظها وإخراجها للأمة من جانب أخينا عبد الله وفقه الله وسدده وأعظم أجره.
بقي أن أشير إلى أن أهم ما يميز دروس الشيخ العلامة ابن باز ﵀ قوة الترجيح ومتانة التحقيق ووضوح التعليق، فهو في مثل هذه الدروس العلمية لا يحرص على الشرح والتفصيل الواضحات، التي لا تحتاج إليها المطولات، وإنما يعلق التعليق المهم الذي يحتاج إليه العلماء وطلاب العلم الذين أخذوا أجمل العلم وأدركوا مسائله، ولكن تمر عليهم معضلات ومشكلات يحتاجون فيها إلى الجهابذة الذين يحلونها ويقررون القول الراجح منها وهذا ما يميز هذه التعليقات النفيسة في السفر المبارك.
فدونك هذه الدرر، قصيرة في عبارتها عظيمة في معانيها وتحقيقاتها، يكفي أنها خلاصة علم شيخ قضى من عمره ما يزيد على السبعين عامًا مع هذا العلم والقراءة والتحقيق ليلًا ونهارًا حضرًا وسفرًا ﵀ رحمة واسعة وجمعنا به في عليين.
أما أخونا الشيخ عبد الله بن مانع فنقول له: جزاك الله خيرًا على ما عانيت أثناء الدروس، وجزاك الله خيرًا على حرصك على نشر علم الشيخ بدل أن يبقى محبوسًا، ونحن ننتظر المزيد من هذا النوع من العلم فعجّل بنشره وفقك الله وسددك وأثابك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه / عبد الرحمن الصالح المحمود
الرياض ١٨/ ٣/١٤٢٧ هـ.
المقدمة / 4
إسنادي إلى «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه» للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة البخاري ﵁.
قال الفقير إلى مولاه: أبو محمد عبد الله بن مانع الروقي: حدثنا (إجازة) أبو تراب الظاهري، وأحمد الشاطري، وعبد القادر البخاري، قالوا حدثنا عمر بن حمدان المحرسي، قال: حدثنا السيد محمد بن عبد الحي الكتاني.
وحدثنا (إجازة) أبو تراب الظاهري، قال: حدثنا السيد محمد بن عبد الحي الكتاني، عن أبيه عبد الكبير الكتاني، عن عبد الغني الدهلوي، عن محمد بن إسحاق الدهلوي، عن عبد العزيز الدهلوي، عن أبيه ولي الله الدهلوي، عن سالم بن عبد الله البصري، عن أبيه عبد الله بن سالم البصري، عن محمد بن علاء الدين الحافظ البابلي، عن محمد حجازي الشعراوي الواعظ، عن محمد بن أركماس، عن الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، قال: أخبرنا أبو إسحاق التنوخي، قال أخبرنا أبو العباس الحجار، قال: أخبرنا أبو الحسين بن المبارك الزبيدي، قال: أخبرنا أبو الوقت السجزي، قال: أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي، قال: أخبرنا عبد الله بن حَمُّويه السرخسي، قال: أخبرنا الفربري، قال: أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة الجعفي البخاري ﵀، قال: حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير، قال حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي: أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي
1 / 3
يقول: سمعت عمر بن الخطاب ﵁ على المنبر، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
1 / 4
المقدمة
الحمد لله ولي الصالحين، ورب الطيبين، تفضل على من شاء من عباده فهداه وعلمه ووفقه وسدده، فيا لسعادة من جعله الله إمامًا للمتقين يعلمهم ويهديهم إلى صراط الله المستقيم، فأي فضل عليهم قد أسداه، وأي تكريم لهم قد أعطاه، أولئك هم عبادة الله البررة ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: ٦٨].
وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة خير الورى، وأشرف من وطئ الثري، نبينا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد: فهذه جملة من تعليقات إمام أهل السنة في عصره شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز ﵀ على صحيح البخاري وشيئًا من تعليقاته على مواضع من فتح الباري.
سطرتها أناملي، سماعًا منه وجاد بها المولى كرمًا منه فلله الحمد كثيرًا كما أنعم كثيرًا أسميتها الحلل الإبريزية من التعليقات البازية.
أسأل الله أن يتقبلها عملًا صالحًا لوجهه خالصًا وأن ينفعني بها وشيخي إنه جواد كريم.
وقد امتازت تعليقات شيخنا رحمه الله تعالى بميزات من أهمها:
١ - القطع بحكم في كثير من المسائل، وما كان ذلك من الشيخ في أكثر ما قطع به إن لم يكن كله إلا بعد طول بحث وتأمل ونظر، فهي مسائل محققة محررة عنده، أخذنا زبدتها، وقطفنا ثمرتها.
٢ - الإيجاز في عبارته مع ما تؤديه من عظيم المعاني، والفوائد، فالمسألة
1 / 5
يكون فيها خلاف كبير جدًا، يلخصه الشيخ رحمه الله تعالى في سطر أو سطرين مع ترجيح ما يراه، ولا أراه إلا كما قال الدارقطني «كان أبو القاسم بن منيع قلما يتكلم على الحديث فإذا تكلم كان كلامه كالمسمار في الساج» (١).
٣ - الفوائد المستنبطة، وبعضها لا يكاد يوجد عند غيره رحمه الله تعالى.
٤ - التعقبات المقنعة، فهو أحيانًا يعلق على رواية، أو حكم، أو يتعقب بعض من قال بقول يراه الشيخ مرجوحًا، فيفصح عن وجه الضعف فيه بأوجز عبارة، وأبلغ معنى.
وهذه الميزات من أهم الأسباب التي دفعتني لإخراج هذه المجموعة المباركة من التعليقات، وقد انبهر بها بعض أهل العلم لما أطلع عليها وألح في لزوم إخراجها سريعًا.
وهنا تنبيهات مهمة للقارئ الكريم:
١ - حرصت كل الحرص على كتابة لفظ شيخنا بالنص إن أمكنني ذلك، وإن شق فأكتبه بالمعنى القريب.
٢ - كتبت عن شيخنا أحواله في الدرس: من تبسم، وبكاء، وتسبيح، وتهليل، وتكبير، وتعجب، ودعاء.
٣ - كل ما في الحاشية من كلام شيخنا إلا ما صدرته بقولي قلت: فمن كلامي. وما كان مصدرًا بنجمة فهو من كلامه أفردته بذلك لأنه ليس على صلب المتن.
٤ - أذكر تاريخ السؤال عند الحاجة لذلك.
٥ - إذا أحلت على جزء أو صفحة (من الأصل) فأريد به الجامع الصحيح مع شرحه فتح الباري (السلفية الثانية) وهو المراد بقولي تم الجزء ..
_________
(١) تاريخ بغداد (١٠/ ١١٦).
1 / 6
٦ - إذا قلت كذا في العيني فأعني به شرح بدر الدين العيني على البخاري المسمى (عمدة القاري).
٧ - حذفت بعض الأسماء التي صرح بها شيخنا- إلا ما كان ذكره مكملًا للمقصود.
٨ - الأحاديث الطوال اكتفيت بذكر ما عليه التعليق في أكثرها دون ذكر الحديث بكامله، وكنت في الأول أمرت الناسخ بالاكتفاء بذلك، ثم غيرت رأيي وقلت: بل اكتبها كلها، فاستدرك الناسخ بعضها، وبقي البعض الآخر لم يكمل .. فلعلنا نكملها في طبعات قادمة إن شاء الله تعالى حرصًا على عدم تأخير إخراج هذه التعليقات المباركة.
٩ - سألت شيخنا عن كثير من الأحاديث لمعرفة قوله فيها، وأحيانًا أثبت ما رأيته في درجة الحديث للإفادة.
١٠ - أضفت فوائد مهمة من كلام بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما لدعاء الحاجة لها.
١١ - بذلت ما أستطيع لتصحيح الملازم، واجتهدت في ذلك ولكن يبقى عمل الإنسان معرضًا للنقص والزلل فمن وجد عيبًا فليستره، وحالي كما قال الأول:
متى تصل العطاش إلى ارتواء ... إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني الأصاغر عن مراد ... وقد جلس الأكابر في الزوايا
وإن ترفع الوضعاء يومًا ... على الرفعاء من إحدى البلايا
إذا استوت الأسافل والأعالي ... فقد طابت منادمة المنايا
وكل علم يكتب وينشر إنما تعرف نفاسته، وتثمن قيمته، بقيمة صاحبه العلمية وشيخنا أبو عبد الله هذا الإمام العلم شيخ الإسلام في عصره شيخنا
1 / 7
ابن باز رحمه الله تعالى- وكنت رأيته بعد موته في المنام جالسًا وقد طلب ماءً فسقاه من سقاه من تلاميذ- وقد عرفت بعضهم- لكنه أراد ماءً باردًا غير ما سقي- فجاء أحدهم بماء بارد فسقي الشيخ فتبسم كأنه يقول: نعم هذا دواء العطشان.
ولا أستطيع أن أصف شيخنا رحمه الله تعالى إلا بمقالة المزي في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو قوله: ما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله ولا بسنة رسوله ﷺ ولا أتبع لهما منه. وكفى بهذا عن ترجمته رحمه الله تعالى.
ختامًا ... أشكر كل من أعانني على إخراج هذه التعليقات، وأسأل الله تعالى أن يثيبهم أجزل الثواب وأعظمه، ولا يفوتني أن أشكر الرجل الخير الجواد- أحسبه كذلك- مطلق الغويري سلمه الله تعالى فقد تبرع بتكلفة طباعة الملازم وتجهيز الكتب - فجزاه الله خير الجزاء وحفظه في نفسه وولده وماله.
وكذلك أشكر زوجتي (أم محمد) التي استحثتني على التكميل والمسارعة فجزاهم الله جميعًا خير الجزاء، وسدّد فينا وفيهم القول والعمل.
وسيتلو هذا الكتاب- إن شاء الله تعالى- سؤالاتي لابن باز وهي كثيرة جدًا، وتعليقات شيخنا على كتب أخرى يسر الله تعالى إخراجها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فلا قرت عين حاسد والحمد لله رب العالمين.
وكتبه أبو محمد
عبد الله بن مانع الروقي
ص. ب ٩٠١٠ الرياض ١١٤١٣
1 / 8
١ - كتاب بدء الوحي
١ - باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ -
١ - حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب ﵁ على المنبر قال: سمعت رسول الله يقول: «إنما الأعمال بالنيات (١)، وإنما لكلِّ امرء ما نوى: فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
٢ - باب
٢ - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين ﵂ أن الحارث بن هشام ﵁ سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله ﷺ: «أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول». قال عائشة ﵂: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا (٢).
_________
(١) سألت شيخنا عن التقدير في هذا الحديث فقال: قيل صحتها، وقيل قبولها .. والأمر أعم من ذلك ...
(٢) وذلك من ثقل الوحي ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: ٥].
والوحي على أنحاء ثلاثة: اثنان منها في الحديث والثالث: النفث في الروع (القلب) إن روح القدس نفث في روُعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها .... وكل هذه الثلاثة بواسطة وهناك نوع رابع مباشر مثل فرض الصلاة في عروجه إلى السماء والرؤيا في المنام قد تكون نوعًا خامسًا.
الإلهام وحي إلهامي ليس خاصًا بالأنبياء بل يقع لغيرهم ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص: ٧] الآية.
1 / 9
٣ - باب
٣ - عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ [العلق: ١ - ٣]، فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد ﵂ فقال: زملوني زملوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا (١)، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل .....
_________
(١) وهذا من فقهها ﵂، فصاحب الأعمال الحميدة والعظيمة لا يخزي، وصدقت رحمها الله فصاحب الأعمال الحميدة في الجاهلية والإسلام لهم فضل، خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا: فإذا أسلموا كتبت أعمالهم العظيمة التي في الجاهلية.
* هل يدعى لورقة بن نوفل يترحم عليه؟ فقال: نعم ﵁ ورحمه قلت روى الحاكم في المستدرك (٤٢١١) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا: «لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين» إسناده صحيح وعنده (٨١٨٧) من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة عن عائشة سئل رسول الله ﷺ عن ورقة فقال: «رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك».
* كم مدة فتور الوحي؟ فيه اختلاف، قيل: ثلاث سنين، وقيل: أقل.
1 / 10
٤ - باب
٥ - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا موسى ابن أبي عائشة قال: حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة: ١٦]، قال: كان رسول الله ﷺ يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه، فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله ﷺ يحركهما. وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما - فحرك شفتيه - فأنزل الله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ [القيامة: ١٦، ١٧]، قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ قال: فاستمع له وأنصت ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ ثم إن علينا أن نقرأه. فكان رسول الله ﷺ بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي ﷺ كما قرأه (١).
_________
(١) وهذا من حرصه ﷺ ثم أمر بالإنصات ثم يجمع في صدره. وفسر ابن عباس تحرك اللسان بتحرك الشفتين، وهو لازم تحريك اللسان.
1 / 11
٦ - باب
٧ - حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد لله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارًا بالشام في المدة التي كان رسول الله ﷺ ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهو بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمان فقال: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبًا. فقال: أدنوه مني، وقربوه. فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبًا لكذبت عنه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب. قال فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم .... فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة (١) ... قال: ماذا يأمركم» (٢) ... وهم أتباع الرسل (٣) ... عن قدمه (٤) ... لقد أمر ابن أبي كبشة (٥).
_________
(١) هي المدة التي أبرمت في الحديبية.
(٢) صوابه بماذا وأثبتها في الشرح. أبو سفيان يجتمع مع النبي ﷺ في الجد الثالث عبد مناف.
(٣) كما قال الله: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١١].
(٤) قدميه.
(٥) السنة تقديم الاسم عند كتابة الرسالة، لكن بعضهم يتأدب ويؤخر اسمه، وكان أنس يكتب إلى عبد الملك بن مروان من أنس. يعني بابن أبي كبشة النبي ﷺ.
1 / 12
كتاب الإيمان
١ - باب قول النبي ﷺ: «بني الإسلام على خمس»
وهو قول وفعل. ويزيد (١) وينقص. قال الله تعالى: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ - وَزِدْنَاهُمْ هُدًى - وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى - وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ - وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾.
٢ - باب دعاؤكم إيمانكم (٢)
٨ - عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان».
٣ - باب أمور الإيمان
وقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ
_________
(١) وكذا ما قال الله عن إبراهيم: ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] الآية، فيزداد إيمانه
* وسألت الشيخ عن دليل النقص؟
فذكرت له «من ناقصات عقل ودين ...» فكأنه أقره وقال ليس من كسبهن، وذكر له نكت في قلبه نكتة سوداء فقال كذلك يعني يصلح دليلًا.
(٢) سقطت من جميع النسخ، والظاهر أنها وهم من بعض الرواة، والصواب إسقاطها.
1 / 13
عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٧٧] (١) الآية.
قال الحافظ: ... وعن الخليل البضع السبع (٢).
٤ - باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده
١٠ - عن عبد الله بن عمر ﵄ عن النبي ﷺ قال: «المسلم (٣) من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
٨ - باب حب الرسول ﷺ من الإيمان
١٥ - عن قتادة عن أنس قال: قال النبي ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» (٤).
_________
(١) فجعل هذه الأعمال صدقًا وهو الإيمان، وجعلها تقوى وهي هدى وإيمان وإسلام.
* فالإيمان يطلق على الجميع، وجاء في رواية «وسبعون» وهي زيادة مقبولة.
(٢) في العيني: قال صاحب العين: البضع سبعة، وهو الخليلي.
(٣) الكامل.
(٤) وهذا يوجب أن تكون محبة الرسول ﷺ فوق محبة الناس وبعد محبة الله.
* أصل المحبة واجب، فمن لم يحب الله ورسوله فهو كافر، لكن ينبغي تقديم محبة الله ورسوله وجعلها في المقام الأعلى.
1 / 14
٩ - باب حلاوة الإيمان
١٧ - عن أنس أن النبي ﷺ قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما (١)، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار».
١٠ - باب علامة الإيمان حب الأنصار
١٧ - حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنسًا عن النبي ﷺ قال: «آية (٢) الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار».
قال الحافظ: .... ووفي بالتخفيف، وفي رواية بالتشديد، وهما بمعنى (٣).
١٢ - باب من الدين الفرار من الفتن
١٩ - حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» (٤).
_________
(١) قيل هذا ناسخ لحديث إنكاره على من قال «ومن يعصهما» وقيل أنكر على جمع المعصية ...
(٢) آية: علامة.
(٣) وأشار لها الشيخ.
(٤) وقد وقع فتن كثيرة، أولها بقتل عثمان ثم تتابعت بعد ذلك.
1 / 15
١٥ - باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال
٢٢ - عن أبي سعيد الخدري ﵁ عن النبي ﷺ قال: «يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهار الحيا - أو الحياة، شك مالك - فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية»؟ (١).
قال وهيب: حدثنا عمرو «الحياة». وقال: «خردل من خير».
١٦ - باب الحياء من الإيمان
٢٤ - عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله ﷺ مر على رجل من الأنصار - وهو يعظ أخاه في الحياء - فقال رسول الله ﷺ: «دعه، فإن الحياء من الإيمان» (٢).
١٧ - باب ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾
٢٥ - حدثنا عبد الله بن محمد المسندي قال حدثنا أبو روح الحرمي بن عمارة قال حدثنا شعبة عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر
_________
(١) وهذا أمر معلوم عند أهل السنة والجماعة، فمن الناس إيمانه كالجبال، ومنهم إيمانه كحبة خردل والله المستعان.
* «ما سبقكم أبو بكر بكثرة صلاة».
المشهور من قول بكر بن عبد الله الزاني، وقول بكر هذا له وجهه.
(٢) الحياء الذي يمنع من التعلم ومن النصيحة هذا خور وضعف وليس بحياء.
1 / 16
أن رسول الله ﷺ قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله» (١).
١٨ - باب من قال إن الإيمان هو العمل
لقول الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
٢٦ - عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» (٢).
قال الحافظ: ... قال العلماء: اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال (٣)، واحتياج المخاطبين، وذكر ما يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه، ويمكن أن يقال: إن لفظة «من» (٤) مرادة كما يقال فلان أعقل الناس ....
_________
(١) ليس المعنى لا يقاتل على غيرها، بل المراد أن من فعل هذه غالبًا فعل غيرها.
(٢) هذا محل إجماع أن الدين والإيمان عمل، وقد يسمى قول وعمل وعقيدة. أجمع على ذلك الصحابة وأهل السنة.
(٣) قال الشيخ: باختلاف السائلين.
(٤) أو قول من أفضل.
1 / 17
١٩ - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وكان على الاستسلام (١) أو الخوف
٢٧ - عن سعد ﵁ أن رسول الله ﷺ أعطى رهطًا - وسعد جالس - فترك رسول الله ﷺ رجلًا هو أعجبهم إلي. فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فو الله إني لأراه مؤمنًا. فقال: أو مسلمًا. فسكت قليلًا. ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي فقلت: مالك عن فلان؟ فو الله إني لأراه مؤمنًا. فقال: أو مسلمًا. ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله ﷺ. ثم قال: يا سعد، إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه، خشية أن يكبه (٢) الله في النار. ورواه يونس وصالح ومعمر وابن أخي الزهري عن الزهري.
قال الحافظ: ... ومحصل ما ذكره واستدل به أن الإسلام يطلق ويراد به الحقيقة الشرعية وهو الذي يرادف الإيمان وينفع عند الله، وعليه قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ وقوله تعالى: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (٣).
_________
(١) هذا قول لبعض أهل العلم، والصحيح أنه أعمال الجوارح وليس الاستسلام بل الإسلام الذي هو أعم من النطق بالشهادتين لكن عنده نقص.
(٢) مخافة أن يرتد ويكفر، وفي الحديث الآخر «وليست بباخل» وقول إن النبي ﷺ بخيل سب، فهو كفر.
(٣) احتج به من يرى أن المسلم والمؤمن شيء واحد.
1 / 18