المشوق إلى القراءة وطلب العلم
المشوق إلى القراءة وطلب العلم
Yayıncı
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الثانية؛ ١٤٢٢ هـ
Türler
ـ[المشوق إلى القراءة وطلب العلم]ـ
المؤلف: علي بن محمد العمران
الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
الطبعة: الثانية؛ ١٤٢٢ هـ
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
Bilinmeyen sayfa
قال أبو الوليد الباجي:
إذا كنتُ أعلمُ عِلْمًا يقينًا ... فَلِمْ لا أكُون ضَنِْنًا بِها
بأنَّ جميعَ حياتي كَساعَهْ ... وأَجْعَلُها في صلاحٍ وطاعَهْ
«ترييب المدارك: ٨/١٢٥»
1 / 2
المقدمة:
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد عبدك ورسولك.
أما بعد، فلا أظن قارىء هذا الكتاب قد فرغ من قراءته إلا وهو يردِّد بصدق قول العلامة المقريزي ﵀ (١):
وقد أعْرضَتْ نفسي عن اللهوِ جُملةً ... وصارَ -بحمدالله- شُغلي وشاغلي
فطورًا يراعي كاتبٌ لفوائدٍ ... وآونةً للعلمِ صدريَ جامعٌ
ومَلَّتْ لقاءَ الناسٍ حتَّى وإن جلُّوا ... فوائد علمٍ لستُ من شُغْلِها أخْلُو
بصحَّتِها قد جاءنا العقلُ والنقْلُ ... فتزكو به نفسي وعن همِّها تسْلُو
وقد لقي الكتاب -بحمد الله تعالى- في طبعته الأولى قبولا حسنًا، وهذه طبعته الثانية لا تزيد عن الأولى إلا بتصحيح ما لابدّ من تصحيحه من خطأ أو نحوه، وإلا بزيادات قليلة في الصفحات الآتية: (٣٢، ٧٦، ٨٧)، ولم أحب أن أتوسَّع في الزيادات لما اشترطته على نفسي من الاختصار، أسأل الله -تعالى- أن ينفع بهذه الطبعة كما نفعَ بسابقتها.
والحمد لله وحده
وكتب
علي بن محمد العِمران
١٦/١/١٤٢٢هـ
_________
(١) في كتابه: «دُرر العقود الفريدة»: (١/ ٥٠) .
1 / 4
مقَدّمَة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه رسالة تُجلّي لنا جانبًا مهمًّا من جوانب النموِّ العِلْمي، ورافدًا أساسًا من روافد التوسُّع المعرفي.
تكشف لنا هذه الرسالة عن صورةٍ مُشْرِقةٍ من حياة العلماء، ضربوا فيها أروعَ الأمثلة، وأصدقَ البراهين، وأجلى الدلالات على حبهم للعلم، وشَغَفِهم به، وتفانيهم من أجل تحصيله وطلبه.
هذه الأمثلة والبراهين كثيرة ومتنوِّعة، اصطفيتُ منها ما يتعلَّق بحياة العلماء مع الكتب، في اهتمامهم بها قراءةً وإقراءً، في تحصيلهم لها شراءً واستنساخًا، في شغفهم بها، وحرصهم عليها، واصطحابها معهم سَفَرًا وحضرًا، في مواقف عجيبة، وصورٍ مُعْجِبة، ولا عجبَ!!.
قال ابن القيم ﵀: «وأما عُشَّاق العلم فأعظم شغفًا به وعِشْقًا له من كلِّ عاشقٍ بمعشوقه، وكثيرٌ منهم لا يَشْغَلُه عنه أجملُ صورةٍ من البشر» (١) اهـ.
وقال -أيضًا-: «ولو صُوِّر العلمُ صورةً، لكانت أجملَ من صورة
_________
(١) «روضة المحبين»: (ص/ ٦٩) . وانظر فصلًا في «لذة العلم» في «أبجد العلوم»: (١/١٠٠) للقنوجي. و«مداواة النفوس» لابن حزم.
1 / 5
الشمس والقمر» (١) اهـ.
أقول: فكيف يُلام إذًا من عَشِقَ العلمَ، وكيف يُتعجَّب ممن كَلِفَ به، وانقطعَ له؟ !!.
- ١-
غير خافٍ على عامة الناسٍ ما للعلم من سُموّ المكانة وشرف المنزلة، وما لحامله من ذلك، ويزداد كلُّ ذلك تَبَعًا لشرف المعلوم، والتوسع فيه، وظهور أثره على حامله.
ولما كان فضل العلم بهذا الظهور، لم يكن بنا حاجة إلى إقامة البراهين، ونَصْب الأدلة، على الإشادة به، وإظهار محاسنه، فكلُّ ذلك مجموعٌ في كتب كَثيرة مفردة (٢) .
_________
(١) المصدر نفسه: (ص/ ٢٠١) .
(٢) انظر فصلًا طويلًا حفيلًا في (العلم وفضله وشرفه، وبيان عموم الحاجة إليه، وتوقُّف كمال العبد ونجاته في معاشِه ومعادِه عليه) للإمام ابن قيم الجوزية في كتابه «مفتاح دار السعادة»: (١/ ٢١٩- ٥٥٥، ٢/ ٣- ٣٩٨) .
أقول: وفي بيان العلم وفضله مصنفات مفردة منها:
«فضل العلم والعلماء» لحميد بن زياد (٣١٠)، «فرض طلب العلم» للآجري (٣٦٠)، «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر (٤٦٣)، «الحث على حفظ العلم» للعسكري، وابن عساكر، وابن الجوزي، و«جواهر العقدين في فضل الشرفين» للسمهودي (٩٠٩)، و«التنبيه والإعلام بفضل العلم والأعلام، للعميري (١١٧٨)، و«تفضيل شرف العلم على شرف النسب» لمحمد سعيد صقر (١١٩٤)،، و«إرشاد الطلاب إلى فضيلة العلم والعمل والآداب» لمحمد بن مانع (١٣٨٥) .
1 / 6
- ٢ -
كان الباعث لي على تصنيف هذا الكتاب وتأليفه أمران:
الأول: ما رأيته -ورآه غيري- من عُزُوف كثير من (طلبة العلم!!) -لا سواهم- عن إيلاء كتب العلم مكانتها، وإنزالها منزلتها، فاشتغلوا عنها بغيرها.
فجماعة منهم ظنوا أنهم قد بلغوا من العلم ما لا يُحتاج معه إلى مزيد قراءةٍ واطلاع، فقنعوا بما أحرزوه من ألقاب!! وشهادات!! ومناصب ووجاهة!!.
فما هو إلا أن حاز «اللقب» حتى أعرض عن الطَّلَب، وقد كان يدّعي العكس، يقول: دعوني أضع همَّ «اللقب» ثم أُمْعِن في الطلب! فما باله انقلب!!.
وياليته وقف هنا فحسب، لكنه اتكأ على أريكته وعرَّض الوساد، وتنمَّر على العباد، وانسلخ من طلب العلم إلى طلب الدنيا، فأصبح «اللقب) حينئذٍ خديعة يخدع بها المرءُ نفسَه وغيره.
ولو كانت الألقاب تؤخذ عن أهليَّةٍ واستحقاق، لهنان الخطْبُ وانقطع الخِطاب، لكن العكس هو الواقع، فأصبحتْ أحيانًا تُباع وتُشْترى، وأحيانًا تُعطى لبحوثٍ هزيلة، وأحيانًا لبحوث منقولة عن غيرها، وهكذا في سلسلة نكِدة من التخاذل العلمي، فهل يوثق بعد هذا بشهادةٍ أو لقب (١)؟!.
_________
(١) لكن بعض الصالحين لم يستطع التخلُّصَ من ضغط الواقع في اعتبار هذه (الألقاب السحرية!!) كل شيءٍ، فمع يقينه أنها لا شيء إلا أنه -دائمًا- لا يستطيع أن =
1 / 7
وما أصدق الشاعر محمد رضا الشَّبِيْبي العراقي في قوله:
فتنةُ الناسٍ -وُقِيْنا الفِتَنا- ... باطلُ الحَمْدِ ومَكْذوبُ الثَّنا
لم تزلْ -ويحكَ يا عصرُ أَفِقْ- ... عَصْرَ ألقابٍ كِبارٍ وكُنىً
حَكَمَ الناسُ على الناسِ بما ... سمعوا عنهم وغَضُّو الأعْيُنا
فاسْتَحالت -وأَنا مِن بعضِهم- ... أُذني عَيْنًا وعيني أُذُنا (١)
وجماعة منهم قنعوا بمتابعة ما تتسارع شركات الحاسوب في إنتاجه، من أقراصٍ تحوي العشرات بل المئات من الكتب في جميع الفنون! وظنوا أن هذه تُغني عن شراء الكتب واقتنائها ومطالعتها ودَرْسها! وما عَلِم هؤلاء (أو عَلِموا ولكن ...) أنهم قد اسْتَسْمنوا ذا وَرَم ونفخوا في غير ضَرَم، فأنزلوا هذه الآلة (الصمّاء) (٢) منزلةً ليست لها، ووطَّنوها مكانًا ما ينبغي لها، أرادوا بها -وهيهات- أن يسبقوا الرَّكْبَ، ويُحقِّقوا المسائل، ويستدركوا على العلماء، أرادوا كلَّ ذلك= بِلَمْسةٍ على زِرًّ! فيا لله العجب! وأعجبُ منه: أن ينسبوا كل ذلك الفضل
_________
= يكتب اسمه دون أن يسبقه بـ (اللقب)، وتالله لو وضع قبل اسمه ما شاء من ألقابٍ وشارات لَمَا أغناه ذلك شيئًا! ولكنه اللقب، فمتى سُلِبَ سُلِبَ معه كلُّ شيءٍ.
وبعض هؤلاء يُعبِّر بطريقة أُخرى، فحالما يحصل على شهادة «اللقب» إلا ويسارع بوضعها في مكان بارزٍ في مكتبته محاطة بإطار جميل، ولسان حاله يقول: لله أبي! لقد بلغتُ مرتبة الراسخين!!.
وكم من شهاداتٍ يَغُرُّ جمالُها وقيمَتُها النَّقْش الذي في إطارِها
(١) انظر: «تقريب الألقاب العلمية»: (ص/ ٣٣) .
(٢) لا يُفْهَم من هذا أن الحاسوب لا قيمة له ولا فائدة منه، بل له فوائد كثيرة تُقَدَّر بقدرها ولا تعدوا طَوْرَها، ولست هنا لتعديد محاسنه ولا لتبيين مزاياه!!.
1 / 8
إلى أنفسهم (متوَهِّمين ومُوْهِمين)، فجَنَوا بذلك على أنفسهم، إذ حَسِبوا أنهم على شيءٍ، وعلى العلم، وعلى الناس!!.
الأمر الثاني -الداعي إلى تأليف الكتاب-: هو استثارة الهِمَم، وشَحْذ الخواطر، وتبصير طلاب العلم بما كان عليه سلفهم من العلماء والأئمة، في صبرهم وبذلهم في تحصيل العلم وقراءته وإقرائه.
ولا امْتِراءَ في أثر هذه الأمثلة الحيَّة والصور الصادقة من حياة تلك الصفوة من العلماء، في شَحْذ الهمة وإيقاظها، كما لا تخفى فائدتها في التعرُّف على طرائق أهل العلم في القراءة والمطالعة، والاستبصار بخبراتهم وتجاربهم للوصول إلى طريقةٍ مُثْلى وأسلوبٍ يُحْتَذَى، وليس هذا من التغنِّي بأمجاد الأجداد والركون إليها، ولكنه كشف لصفحة مطويَّة من تاريخنا المجيد، علَّها تُسْهِم في إيقاظ ما فَتَرَ من الهمم، وتُشْعِل ما خبا من العزائم، وقد قال بعضهم: «الحكايات جند من جنود الله يثبِّت بها من شاء من عباده» (١) .
- ٣ -
إن الناظر في سِيَر العلماء يَخْلُص إلى حقائق مهمة ونتائج واضحة، منها: معرفتهم بقيمة هذه الثروة الهائلة (٢) والكنوز العظيمة، لذا فقد
_________
(١) (أزهار الرياض»: (١/ ٢٢) .
(٢) هي هائلة ضخمة بحقٍّ، وانظر فصلًا في بيان ذلك في «التراتيب الإدارية»: (٢/ ٤٥٢- ٤٦٢) للكتاني، و«الفكر السَّامي»: (٢/ ٤٨- ٥١) للحَجْوي، و«لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات»: (ص/ ٣٩- ٤١) للحلوجي، و«الكتاب في الحضارة الإسلامية»: (ص/ ١٦٩- ٢٤٤) ليحيى الجبوري.
1 / 9
أولوها عنايةً فائقةً وجهودًا ضخمة، ظهرت في صورٍ عديدة مما ستكشف هذه الرسالة عن بعضه.
إن من واجبات أهل العلم اليوم: تبصير النشى بأهمِّية هذا التراث الذي خلَّفه الأجداد، فهو عُصَارة عقولهم لقرونٍ عديدة، وثمرة جمعهم وسهرهم لآماد مديدة.
إن من واجباتهم -أيضًا- النهوض بهذا التراث، والحِفاظ على هذه الترِكة التي لا يَقْدُرها قدرَها إلا هم، ولا يستطيع الحفاظَ عليها حقًّا إلا هم.
إن الحفاظ على هذه الثروة لا يكون بمجرَّد رَصْفها في خزائن أنيقة، ولا بترتيبها وتزويقها وتنميقها، ولا بنشرها وتحقيقها، كلا! ليس بذلك فقط، لكن خير وسيلة لحفظها، وأنجع طريقة للحفاظ عليها هي: بعث الحركة العلمية وإنمائها، وإيقاظ الهمم وإعلائها، بحيث نضيف كلَّ يوم إلى صفوف القراء (والقراء حقًّا) عددًا جديدًا، يعكُفُون عليها ويستجلون فوائدَها، فبهذه الطريقة، وبها وَحْدَها، تنمو وتكتمل كلُّ الوسائل المساعدة (من خَزْن ورَصْفٍ ونَشْرٍ ...)، وسيسعى طلابُ العلم ورُوَّاد المعرفة حثيثًا تُجاه إنماء كلِّ ذلك بدافعٍ ذاتي واقتناع شخصي، لأنهم أصبحوا ساعتئذٍ في أمسِّ الحاجة إليها، ومن أعرف الناس بقيمتها.
فيوم كان العلماء يتنافسون في اقْتِناء الكتب، ويتبارون في تحصيلها واستنساخها، ويعكُفون على قراءتها وإقرائها (مما ستراه في هذه الرسالة) يوم كانوا كذلك، نشِطَت حركةُ التأليف والنسخ، بل وجميع ضروب خدمة الكتاب (١) .
_________
(١) انظر فصلًا في «حال ملوك المسلمين في صيانة كتب السلف» في «خزائن الكتب العربية»: (٣/ ٨٥٥- ٨٥٧) لدي طرَّازي و«فصلًا في استكثار المسلمين =
1 / 10
فإذا أوجدنا القرَّاء وُجِد معهم كلُّ شيءٍ، وإلا فقل لي -بربك-: ما قيمة كل تلك الوسائل ولا مستفيد ولا راغب ولا طالب!!؟.
- ٤ -
إنَّ ضعفَ الهمم عن القراءة وطلب العلم كان سببًا رئيسًا في ضياع جزءٍ ليس بالقليل من هذه الثروة، كما كان للجهل، وعدم الوعي بقيمتها، وانتشار الحروب والفتن= آثارٌ أخرى لا يُستهان بها.
وقد أنحى الإمام ابن الجوزي (١) (٥٩٧) ﵀ باللائمة على ضعف الهِمَّة في اندثار كثير من كتب العلم: قال: «كانت همم القدماء من العلماء عَلِيَّة، تدلُّ عليها تصانيفهم، التي هي زبدة أعمارِهم، إلا أن أكثر تصانيفهم دَثَرت، لأن هِمم الطلاب ضعُفت، فصاروا يطلبون المختصرات ولا ينشطون للمطوَّلات، ثم اقتصروا على ما يدرسون به من بعضها، فدَثَرت الكتب ولم تُنسخ» (٢) اهـ.
فإن كان هذا هو تعليلُ ابنِ الجوزيِّ في تلك الفترة، وهو يرى أبا الوفاء ابنَ عقيل الحنبلي (٥١٣) صاحب كتاب «الفنون» في (٨٠٠ مجلد)، ويرى ابنَ الخشَّاب النحوي (٥٦٧) صاحب التصانيف العديدة
_________
= من نسخ الكتب» فيه -أيضًا-: (٣/ ٨٩٨- ٨٩٩) .
(١) وقبله الإمام ابن جرير الطبري في خبره المشهور في تدوين التفسير والتاريخ. وكذلك الإمام ابن عبد البر في «جامع بيان العلم»: (١/ ٢١)، قال وهو يتحدّث عن دروس العلم: «وإن كان لعَمْري قد دَرَس منه الكثير بعدم العناية، وقِلَّة الرِّعاية، والاشتغال بالدنيا، والكَلَب عليها» اهـ. ومثلهم الواحدي (٤٦٨) في مقدمة كتابه «الوجيز» .
(٢) «صيد الخاطر»: (ص/ ٥٥٦- ٥٥٧) .
1 / 11
والمكتبة الضخمة، وأبا العلاء الهَمَذَاني (٥٦٩) العلامة المتفنن، عاشق الكتب، والوزير الصالح العالم ابن هُبَيرة (١) (٥٦٠) صاحب الأيادي البيضاء على العلم والعلماء، وغيرهم، فماذا نقول إذًا في عصرٍ قد اجتمع فيه إلى ضعفِ الهِمَم، وخَوَر العزائم، سَيْلٌ هادر من المُلْهِيات والمشغلات عن القراءة، بل عن العلم جملةً!!.
وسنفقد المزيدَ من هذا التراث إذا نحن انسقنا أمام تلك المُلْهيات، وشغلتنا تلك الصوارف بِبَرِيْقها وبَهْرجها، فيا لها من خسارةٍ فادحة وغَبْن عظيم!! فهل يجوزُ لطالبِ علمٍ أن يكون مُعِينًا -ولو بأقلِّ القليل- على ضياع شيءٍ من هذا التراث؟!.
كلاَّ!!.
- ٥ -
قسَّمت هذه الرِّسالة إلى فصول:
الأول: في الحثِّ على الازدياد من العلم والتبحُّر فيه.
الثاني: حرص العلماء وشغفهم بالكتب، قراءةً وتحصيلًا.
الثالث: في قراءة المطوَّلات في مجالسَ معدودة.
الرابع: في تَكْرار قراءة الكتاب الواحد المرات الكثيرة.
الخامس: في تدريس الكتاب الواحد المرات الكثيرة.
السَّادس: في نَسْخ الكُتُب وما تحمَّلوه في ذلك.
_________
(١) والأربعة حنابلة -رحمهم الله تعالى-.
1 / 12
السابع: إيقاظاتٌ وتنبهات.
ونصوص هذه الرسالة لا أعلمها مجموعةً في كتاب، ولا مدوَّنة في مكانٍ واحدٍ، جمعتُها من بطون كتب السِّيَر والتراجم، والتاريخ والطبقات، فضممتُ النظيرَ إلى نظيره، والقصةَ إلى أُختها، بعد طول نظرٍ وفحص، لا أقول هذا تكثُّرًا ولا تزيُّدًا، لكن أقوله تحدُّثًا بالنعمة ودفعًا للظِّنَّة، وليس قصدي استيعاب كل ما يمكن أن تنطوي عليه هذه الفصول، إذ محاولة ذلك غير مُجْدٍ ولا مطلوب (١) .
وأنا غير مُسْتكنفٍ ولا مُسْتكبر عن قبول استدراك أو ملاحظة (٢)، بل صَدْري أرحب لتقبُّل ذلك من ثناء مثنٍ أو مدح مادح!!.
أسأل اللهَ -تعالى- أن يُحقِّق ما أَمَّلْته من هذا الكتاب، وأن يتقبل ذلك عنده بقبولٍ حسن، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما عَلَّمتنا، وزِدنا عِلمًا، إنك على كل شيءٍ قدير، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
وكتب
علي بن محمد العِمْران
تحريرًا في ٢٠/٤/١٤٢٠هـ
مكة المكرمة، ص. ب (٢٩٢٨)
_________
(١) أما كونه غير مُجْدٍ، فلأنَّ استيفاء ذلك يُضاعف حجم الكتاب، فنحتاج حينئذٍ إلى مُشوِّق يُشوّقنا إلى قراءة «المشوِّق» !!.
وأما كونه غير مطلوب، فلأن محاولة ذلك ضرب من الخيال، وسوءٌ في التدبير، فهل يحيط أحدٌ بكتب التاريخ ومُتعلَّقاته!؟.
(٢) هنا أشكر أخي الأستاذ خالدًا الزهراني، إذ زوَّدني ببعض القَصص والأخبار.
1 / 13
الفصل الأول: في الحثِّ على الازدياد من العلم والتبحُّر فيه
في نزول أوَّل آيةٍ في القرآن، وهي قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق/ ١] من الدَّلالات والمعاني ما لا يمكن حصرُه، ويُفهم من قوله: (اقْرَأْ) وهو فعل أمر من (قَرَأ) الأمر الجازم الحازم بالقراءة، والحث على تعلمها وتعليمها (١)، وفي هذه اللفتة غَناء عن كلام كثير في هذا الموضوع.
أمر النبي ﷺ بالزيادة من العلم
ثم جاءَ الأمرُ القرآني الآخر، لتأكيد القضيّة وانلحث على طلب المزيد من العلم، فقال الله -تعالى-: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه/ ١١٤] .
قال ابن القيم ﵀: «وكفى بهذا شرفًا للعلم.، أن أمرَ نبيَّه أن يسأله المزيدَ منه» (٢) اهـ.
وقال ابن كثير في «تفسيره» (٣): «أي: زدني منك علمًا، قال ابنُ عُيينة
_________
(١) انظر: «شواهد في الاعجاز القرآني»: (ص/ ٨٤) للأستاذ عودة أبو عودة.
(٢) «مفتاح دار السعادة»: (١/ ٢٢٣- ٢٢٤) .
(٣) (٣/ ١٧٥)، وانظر: «روح المعاني»: (١٦/ ٢٦٩) للآلوسي.
1 / 15
﵀: ولم يزل ﷺ في زيادة حتَّى توفَّاه الله ﷿» اهـ.
وقد قيل: ما أمرَ اللهُ رسولَه بطلبِ الزيادة في شيءٍ إلا في العلم (١) .
خبر نبيِّ الله موسى ﷺ في طلب الزيادة منه
والعالم كلما ازداد علمًا. ازداد معرفة بفضل العلم ومنزلته ومكانته، وبمقدار ما فاته منه ويفوت= فتاقَت نفسُه -حينئذٍ- إلى المزيد منه، ولو لقي في ذلك الألاقي.
ففي خبر كليم الله موسى ﷺ الذي قصَّه القرآن الكريم في سورة الكهف الآيات (٦٠-٨٢)، وذكره النبيُّ ﷺ لأصحابه كما في «الصحيحين» (٢) وفيه أن النبي ﷺ قال: «بينما موسى في ملأٍ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلمَ منك؟ قال موسى: لا. فأوحى الله إلى موسى: بلى، عَبْدنا خَضِر (٣)، فسألَ موسى السَّبيلَ إليه ...» الحديث.
قال أبو العبَّاس القرطبي (٤): «وفيه من الفقه: رِحْلة العالِمِ في طلب
_________
(١) انظر: «الكشّاف»: (٢/ ٤٤٨)، و«تفسير الخازن»: (٣/ ٢٨٢)، و«فتح الباري»: (١/ ١٧٠)، و«محاسن التأويل»: (١١/ ١٩٧) .
فائدة: قال الزمخشري: «هذه الآية متضمِّنة للتواضع لله والشكر له، عندما علم من ترتيب التعلُّم، أي: علمتني يا ربِّ لطيفةٌ في باب التعلُّم وأدبًا جميلًا ما كان عندي، فزِدني علمًا إلى علم، فإن لك في كلِّ شيءٍ حكمة وعلمًا» اهـ. «الكشاف»: (٢/ ٤٤٨)، وعنه ما بعده من التفاسير.
(٢) البخاري رقم (٧٤)، ومسلم رقم (٢٣٨٠) من حديث أُبي بن كعبٍ ﵁.
(٣) بفتح أوله وكسر الثاني، أو بكسر أوله وإسكان الثاني، وجهان.
(٤) «المفْهِم»: (٦/ ١٩٦)، وانظر «مفتاح دار السعادة»: (١/ ٤٨٧- ٤٨٨)، ففيه =
1 / 16
الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحِب، واغتنام لقاء الفُضَلاء والعلماء، وإن بَعُدت أقطارُهم، وذلك كان دأب السَّلف الصالح، وبسبب ذلك وصلَ المرتحلون إلى الحظ الراجح، وحصلوا على السَّعي الناحج، فَرَسخت في العلوم لهم أقدامٌ، وصحَّ لهم من الذِّكر والأجر أفضلُ الأقسام» اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (١): «وموسى ﵊ لم يمنعه بلوغه من السِّيادة المحلّ الأعلى من طلب العلم وركوب البحر لأجله ... و[فيه -أي الحديث-]: ركوب البحر في طلب العلم، بل في طلب الاستكثار منه» اهـ.
وذكر الماوردي (٢) عن ابن عباسٍ ﵄ قال: لو كان أحدٌ يكتفي من العلم لاكتفى منه موسى -على نبينا وعليه السلام- لمَّا قال: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [الكهف/ ٦٦] .
أقول: فهذه حال الأنبياء، والعلماءُ ورثتهم، ولم يَرِثوا منهم إلا العلم، فطلبوه وحصَّلوه وتعبوا في سبيله، فأخذوا بحظ وافرٍ.
شيءٌ من حال الصحابة في الازدياد منه
لقد لحظَ الصحابةُ ﵃ ماكان عليه قدوتهم ﷺ من
_________
= كلام نفيس لولا طوله نقلته.
(١) (١/ ٢٠٢، ٢٠٤)، وانظر «عمدة القاري»: (٢/٦٤)، و«إكمال المعلم»: (٧/ ٣٦٧) .
(٢) في «أدب الدنيا والدين»: (ص/ ١٢٤)، ونَسَبَه في «البيان والتبيُّن»: (١/ ٢٥٨) إلى قتادة.
1 / 17
حِرْصٍ على العلم، فاقتفوا أثره، وضربوا أمثلة نادرة في الحرص عليه والتفاني من أجله.
فهذا عبد الله بن مسعود ﵁ كان إذا تلى قولَه تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) قال: «اللهم زِدْني عِلْمًا وإيمانًا ويقينًا» (١) .
وقد بلغ ﵁ من شِدَّة اجتهاده وطلبه أن قال: «والله الذي لا إله غيره، ما أُنزلت سورةٌ من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آيةٌ من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أُنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلمَ مني بكتاب الله تبلُغُه الإبل لركبتُ إليه» (٢) .
وهذا أبو هريرة ﵁ حافظ الصحابة يصفه ﷺ بالحرص على العلم، فقد عَقَد البخاريُّ في «صحيحه» (٣): (بابٌ الحرصُ على الحديث) وذكر فيه حديثَ أبي هريرة ﵁ وسؤاله النبي ﷺ عن أسْعد الناس بشفاعته؟ وقوله له: «لقد ظننتُ يا أبا هريرةَ أن لا يسألني عن هذا الحديثِ أحدٌ أوَّلَ منكَ، لِمَا رأيتُ من حِرْصِكَ على الحديثِ ...» .
قال البدر العيني في «عمدة القاري» (٤): «فيه الحرص على العلموالخير، فإن الحريص يبلغ بحرصه إلى البحث عن الغوامض ودقيق المعاني، لأن الظواهر يستوي الناسُ في السؤال عنها، لاعتراضها
_________
(١) أخرجه سعيد بن منصور، وعَبْد بن حُميد كما في «الدر المنثور»: (٤/ ٥٥٣) .
(٢) أخرجه البخاري رقم (٥٠٠٢)، ومسلم رقم (٢٤٦٣) .
(٣) «الفتح»: (١/ ٢٣٣) .
(٤) (٢/ ١٢٨) .
1 / 18
أفكارهم، وما لَطُفَ من المعاني لا يسأل عنها إلا الراسخ فيكون ذلك سببًا للفائدة، ويترتب عليها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» اهـ.
وهذا جابر بن عبد الله الأنصاري ﵄ يرحل من المدينة النبوية إلى مصر -مَسِيرة شهر على البعير- من أجل سماع حديثٍ واحد، خاف أن يموتَ ولم يَسْمَعْه (١) .
وأخرج الدارمي (٢) بسندٍ صحيح عن عبد الله بن بريدة: «أن رجلًا من أصحاب النبي ﷺ رحلَ إلى فَضَالَة بن عُبيد وهو بمصر، فقدمَ عليه، فقال: أما إني لم آتِكَ زائرًا، ولكن سمعتُ أنا وأنتَ حديثًا من رسول الله ﷺ رجوتُ أن يكون عندك منه علم ...
وعدَّد الحافظ في «الفتح»: (١/ ٢١٠) أمثلة ثم قال: «وتتبُّع ذلك يكثُر» .
_________
(١) أخرجه أحمد: (٣/ ٤٩٥)، والبخاري في «الأدب المفرد»: (ص/ ٢٨٧)، وعلَّقه مجزومًا به في «الصحيح» (الفتح): (١/ ٢٠٨)، والحاكم: (٢/ ٤٢٧)، والخطيب في «الرحلة»: (ص/ ١٠٩- ١١٤) من طريق عبد الله ابن محمد بن عقيل عن جابرٍ به، وابن عقيلٍ مُتكلَّم فيه من قِبَل حفظه.
وله طريق أخرى عن الحجَّاج بن دينار، عن محمد بن المنكدر، عن جابر به. أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين»: (١/ ١٠٤)، وتمَّام في «الفوائد» رقم (٩٢٨) .
قال الحافظ في «الفتح»: (١/ ٢٠٩): «إسناده صحيح» .
وله طريق ثالثة عن أبي الجارود العبسي عن جابر. أخرجه الخطيب في «الرحلة»: (ص/ ١١٥)، وضعفه الحافظ في «الفتح» .
(٢) «السنن»: (١/ ١٥١)، والخطيب في «الرحلة»: (ص/ ١٢٤- ١٢٥) كلاهما من طريق يزيد بن هارون عن الجُريري به.
1 / 19
وقد ألَّف الخطيبُ كتابه «الرحلة في طلب الحديث» فيمن رحل في طلب حديث واحد.
شيء مما جاء عن السَّلف
وهكذا كان ذلك الجيل الفريد قدوة لمن بعدهم، في عكوفهم على العلم، وطلبهم للاستزادة منه، فاحتذوا حذوهم، واقتفوا أثرهم، وشواهد ذلك ماثلة:
فهؤلاء تلاميذ ابن مسعود ﵁ في الكوفة -علقمة والأسود وغيرهم- كانوا إذا سمعوا الحديث والعلم من شيخهم، لم يشف ذلك مافي صدورهم من النهمة، فيرحلون إلى المدينة طَلبًا للعلوِّ وزيادة في التثبت، وإمعانًا في الطلب والتلقي من أفواه العلماء (١) .
قال يحيى بن سعيد القطان (٢): ما رأيتُ أحفظَ منه (أي: سفيان الثوري ١٦١) كنتُ إلا سألته عن مسألةٍ أو عن حديثٍ ليس عنده، اشتدَّ عليه.
فلم يقف العلماء في طلبهم عند حدٍّ محدود، بل استوعبوا قدر الاستطاعة والطاقة، فضربوا بذلك أعجبَ الأمثلة، وأغربَ السِّيَر.
قال الأعمش (٣): كان مجاهد (١٠٤) لا يسمع بأُعجوبة إلا ذهب لينظر إليها! ذهب إلى حَضْرَمَوْت ليرى بئر برهوت، وذهب إلى بابل
_________
(١) وانظر نماذج أخرى في كتاب الخطيب السالف، و«سنن الدارمي»: (١/ ١٤٩- ١٥١)، و«فتح الباري»: (١/ ٢٣١- ٢٣٢) .
(٢) «تذكرة الحفاظ»: (١/ ٢٠٤) .
(٣) المصدر نفسه: (١/ ٦٢) .
1 / 20
وعليه والٍ، فقال له مجاهد: تعرض عَلَيَّ هاروت وماروت ...؟.
وذكر ابن حَزم (١) عن يحيى بن مجاهد الزاهد قال: كنتُ آخذ من كلِّ علم طَرفًا، فإن سماع الإنسان قومًا يتحدثون وهو لا يدري ما يقول غُمَّة عظيمة، أو كلامًا هذا معناه.
قال أبو محمد (أي ابن حزم): «ولقد صدق ﵀» .
وهذا الإمام الدارقطني (٣٨٥) ﵀ وهو من هو تضلُّعًا في علوم الحديث والفقه والقراءات، إلا أنه كان حُفَظَةً للأخبار والنوادر والحكايات.
قال الأزهري (٢): كان الدارقطني ذكيًّا، إذا ذكر شيئًا من العلم (أيّ نوع كان) وجد عنده منه نصيب وافِر، لقد حدّثني محمد بن طلحة النعالي أنه حضر مع الدارقطني دعوةً، فجرى ذِكْر الأَكَلَة، فاندفعَ الدارقطني يورد نوادر الأَكَلَة حتى قطع أكثر ليلته بذلك.
وقال الإمام محمد بن عبد الباقي الأنصاري (٥٣٥) عن نفسه (٣): «حفظتُ القرآن ولي سبع سنين، وما من علمٍ في عالم الله إلا وقد نظرتُ فيه، وحصَّلتُ منه بعضه أو كله» .
ولما أُسِر في أيدي الروم قيَّدوه، وجعلوا الغل في عنقه، وأرادوا منه أن ينطق بكلمة الكفر فلم يفعل، وتعلَّم منها الخطَّ الرومي.
_________
(١) «رسائل ابن حزم الأندلسي»: (٤/ ٧٢) رسالة مراتب العلوم.
(٢) «تذكرة الحفاظ»: (٣/ ٩٩٣) .
(٣) «الذيل على طبقات الحنابلة»: (١/ ١٩٤) .
1 / 21
أقول: وما سيرة ابن حزمٍ (٤٥٦)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (٧٢٨)، وابن الوزير (٨٤٠) عنَّا ببعيد، وما خلفوه من تراثٍ خَيْر حافظ على ذلك وشهيد.
وخذ مثالًا للدلالة على سَعَة اطلاع شيخ الإسلام، قال الصفديُّ (١) -تلميذه-: «أخبرني المولى علاء الدين عليُّ بن الآمدي -وهو من كبار كُتَّاب الحساب- قال: دخلتُ يومًا إليه أنا والشمس النفيس عامل بيت المال -ولم يكن في وقته أكتبَ منه- فأخذ الشيخ تقي الدين يسأله عن الارتفاع وعما بين الفَذْلكة واستقرار الجملة من الأبواب، وعن الفَذْلكة الثانية وخَصْمها، وعن أعمال الاستحقاق، وعن الخَتْم والتوالي، وما يُطلب من العامل. وهو يجيبُه عن البعض، ويسكت عن البعض، ويسأله عن تعليل ذلك؟ إلى أن أوضح له ذلك وعلَّله، قال: فلمَّا خرجنا من عنده قال لي النفيس: والله تعلَّمت اليومَ منه مالا كنت أتعلمه. انتهى ما ذكره علاءُ الدين» .
واستمع إلى هذا الوصف العجيب، الذي يُوْقِفُك على سَعَة اطلاع شيخ الإسلام، ذكر السخاوي في «الجواهر والدرر» (٢) عن القاضي شمس الدين بن الديري يقول: «سمعتُ الشيخَ علاء الدين البسطامي -ببيت المقدس- يقول وقد سأله: هل رأيت الشيخ تقيَّ الدين ابن تيميَّة، فقال: نعم. قلتُ: كيف كانت صِفَتُه؟ فقال: هل رأيتَ قُبَّةَ الصَّخرة؟ قلت: نعم. قال: كان كقُبَّة الصخرة مُلأ كتبًا لها لسان ينطق!!» اهـ.
_________
(١) في «الوافي» انظر: «الجامع لسيرة شيخ الإسلام»: (ص/ ٣١٠) .
(٢) (١/ ١١٧) .
1 / 22