The Correct Say in Responding to Those Who Deny the Division of Tawheed

Abdul Razzaq bin Abdul Mohsin Al-Badr d. Unknown

The Correct Say in Responding to Those Who Deny the Division of Tawheed

القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد

Yayıncı

دار ابن القيم،الدمام،المملكة العربية السعودية / دار ابن عفان،القاهرة

Baskı Numarası

الثالثة

Yayın Yılı

١٤٢٢هـ/٢٠٠١م

Yayın Yeri

مصر

Türler

مقدمة ... القَوْلُ السَّدِيد في الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَنكَرَ تَقْسِيمَ التَّوْحِيد تأليف: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر بسم الله الرحمن الرحيم تقديم: فضيلة الشيخ العلاَّمة: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان الحمد لله رب العالمين يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ﴿وَقُلْ جَآءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ ١، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وترك أمته على البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك. وبعد: فمن حكمة الله ﷾ أن يبتلي أهل الحق بأهل الباطل ليحصل الجهاد في سبيل الله بالسلاح وبالقلم واللسان دفاعًا عن الحقّ وردًّا للباطل: ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ ٢.. وإنه في زماننا هذا خلوفٌ تهرف بما لا تعرف وتردد أقوال قوم أرادوا مقاومة الحقّ

١ سورة الإسراء، الآية ٨١. ٢ سورة محمد، الآية ٤.

1 / 5

وحجب الشمس فلم يستطيعوا وماتوا وغيظهم في صدورهم، فأراد هؤلاء الخلوف أن يعيدوا الكرَّة ليثأروا لسلفهم ويشفوا غيظهم ولكن أنَّى وهيهات وجند الحقّ لَهم بالمرصاد وأدلة الكتاب والسنة تدرأ في نحورهم، إنَّه لا بدَّ إن شاء الله أن يكون مصيرهم مثل مصير أسلافهم: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الأَخِرِينَ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ١. وإنَّ من هؤلاء المهزومين رجلًا يقال له: حسن بن علي السقاف صار يسوِّد الأوراق بترهاتٍ وأباطيلَ يريد بها ستر الحقِّ ونشرَ الباطل وإحياء سنَّة خصوم الحقّ، ومن ذلك ما لفَّقَه ضدَّ عقيدة التوحيد في أوراق سماها: (التنديد بمن عدَّد التوحيد. إبطال محاولة التثليث في التوحيد والعقيدة الإسلامية) وهكذا سجع كسجع الكهَّان، ولم يأت في أوراقه هذه إلا بما هو عار عليه، فلو سكت لكان خيرًا له وأستر لجهله، ولكن يأبى الله إلا أن يفضح أهل الباطل وينصر أهل الحقّ ﴿يُرِيدُونَ أَن يُّطْفِئُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَي اللهُ إِلاَّ أَن يُّتِمَّ نُورَهُ﴾ ٢وليته اعتبر بمصارع أسلافه على أيدي أهل الحقّ فكفَّ عما باح به وبقي له اعتبار كما قال زهير في حكمته: وكائن من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم ولقد تصدَّى له من جند الحقّ من فضح أباطيله ونقض أحابيله ألا وهو الدكتور: عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد فاستعرض أهمَّ ما في كتابه المذكور من الشبهات والترهات وردَّ عليها بالحجة والبرهان حتى تداعت للسقوط وهي تنادي على صاحبها بالجهل والعناد، وهكذا ما تقابل جند الحقّ مع جند

١ سورة المرسلات، الآيات ١٦١٩. ٢ سورة التوبة، الآية ٣٢.

1 / 6

الباطل إلا وكانت الغلبة لجند الحقّ كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ﴾ ١. ولقد قرأت ردَّ الشيخ الدكتور عبد الرزاق في هذا الموضوع فوجدته والحمد لله ردًّا مسددًّا وافيًا بالمقصود مدعومًا بالحجج المقنعة متبعًا في ذلك منهج السلف الصالح من أهل العلم والبصيرة، كما قال الإمام أحمد ﵀ في خطبته: الحمد لله الذي جعل في كلِّ زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يبصرون أهل العمى، ويحيون بكتاب الله الموتى، وينفون عن كتاب الله انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين..الخ ما قال ﵀. وهذا من رحمة الله، وتصديقًا لقول رسول الله ﷺ: "لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ﵎ وهم على ذلك". فجزى الله الدكتور على ما قام به من نصرة الحق وردّ الباطل خير الجزاء، وهدى الله كلَّ من ضلَّ عن الصواب إلى الرجوع إلى الحقِّ، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه. وكتبه صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان في ١٥/٣/١٤١٤هـ

١ سورة الصافات، الآية ١٧٣.

1 / 7

قال: "وبإزاء هؤلاء المكفرين بالباطل أقوام لا يعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما يجب أو يعرفون بعضه ويجهلون بعضه، وما عرفوه منه قد لا يبيِّنونه للناس بل يكتمونه، ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة، ولا يذمون أهل البدع ويعاقبونهم، بل لعلهم يذمون الكلام في السنة وأصول الدين ذمًّا مطلقًا، لا يفرقون فيه بين ما دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع وما يقوله أهل البدع والفرقة، أو يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة، كما يقرّ العلماء في مواضع الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع، وهذه الطريقة قد تغلب على كثير من المرجئة وبعض المتفقهة والمتصوفة والمتفلسفة، كما تغلب الأولى على كثير من أهل الأهواء والكلام، وكلا هاتين الطريقتين منحرفة خارجة عن الكتاب والسنة، وإنما الواجب بيان ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، وتبليغ ما جاءت به الرسل عن الله والوفاء بميثاق الله الذي أخذه على العلماء فيجب أن يعلم ما جاءت به الرسل ويؤمن به ويبلغه ويدعو إليه ويجاهد عليه، ويزن جميع ما خاض الناس فيه من أقوال وأعمال في الأصول والفروع الباطنة والظاهرة بكتاب الله وسنة رسوله غير متبعين لهوى من عادة أو مذهب أو طريقة أو رئاسة أو سلف ولا متبعين لظنٍّ من حديث ضعيف أو قياس فاسد سواء كان قياس شمول أو قياس تمثيل أو تقليد لمن لا يجب اتباع قوله وعمله، فإن الله ذمَّ في كتابه الذين يتبعون الظنَّ وما تهوى الأنفس ويتركون اتباع ما جاءهم من ربهم من الهدى"١ ا. هـ. وما أشبه الليلة بالبارحة، ما أشبه أولئك الذين يتحدث شيخ الإسلام آنفًا عن طريقتهم بهؤلاء المعاصرين الداعين للسكوت عن أهل البدع والأهواء

١ الفتاوى (١٢/٤٦٧، ٤٦٨) .

1 / 8

والمقربين بين الطوائف على اختلاف مذاهبهم وتباين طرائقهم مع أهل السنة والجماعة. شتان بين الحالتين فإن ترد ... جمعًا فما الضدان يجتمعان شتان بين العسكرين فمن يكن ... متحيرًا فلينظر الفئتان وإنَّما الحق والواجب في ذلك هو لزوم الكتاب والسنة والتمسك بما جاء فيهما ونبذ ما سوى ذلك من باطل وضلال وانحراف كما سبق إيضاح ذلك وتقريره في كلام شيخ الإسلام المتقدم. وعليه فإنَّ مؤلفات أهل السنة الكثيرة في الردّ على أهل البدع والأهواء المقصود منها النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وفيها دعوة للمردود عليه إلى محاسبة نفسه ووزن أقواله لعله يعود إلى رشده ويترك غيَّه وباطله، وفيها حماية للمجتمع المسلم من الباطل المبثوث في كتاب المبتدع المبطل الناشر للضلال. ولم يبعد أحد شيوخنا المعاصرين إذ قال: "وكما أنَّه يوضع في زماننا أماكن للحجر الصحيّ لمن بهم أمراض معدية، فإنَّ أهل البدع والأهواء الداعين إلى باطلهم أولى بالحجر من أولئك؛ لأنَّ هؤلاء يمرضون القلوب ويفسدون الأديان، وأولئك يفسدون الأجسام ويمرضون الأبدان". ولكن من لنا بمن يكمِّم أفواههم ويقطع ألسنتهم ويكسر أقلامهم كما فعل عمر بن الخطاب ﵁ بصبيغ وكما فعل خالد القسري بالجعد فإلى الله المشتكى. هذا وإنَّ من حاملي ألوية البدعة وأزمة الفتنة في زماننا شابًا جهميًّا معاصرًا أخذ على عاتقه نشر الضلال والباطل والهجوم على أهل الحقّ والسنة وتمجيد

1 / 9

أهل الضلال والبدعة، وهو المدعو حسن بن علي السقاف، ولم أقف على شيء من كتبه ولله الحمد، إلا كتابًا واحدًا بُليت بقراءته وهو كتاب: "التنديد بمن عدَّد التوحيد. إبطال محاولة التثليث في التوحيد والعقيدة الإسلامية". فهالني ما فيه إذ قد حكم على عامة المسلمين الموحدين لله في ربوبيته وأسمائه وصفاته وألوهيته بأنهم ثلثوا في عقيدتهم. ومن المعلوم أن التثليث عقيدة نصرانية فاسدة حكم الله في القرآن على أهلها بالكفر، ولم أحسب أنَّ أحدًا تبلغ به الجرأة أن يحكم بهذا الحكم أو يقرر هذا التقرير الباطل الجائر حتى وقفت على كلام هذا المسكين الهالك. وأقول ما قيل: الله أخر موتتي فتأخرت ... حتى رأيت من الزمان عجائبًا هذا من عنوان الكتاب فحسب، أما مضمونه فقد اشتمل على عجائب وغرائب وطوام كثيرةٍ كل واحدة منها كافية في إخراج الرجل من دائرة العلماء بل ومن دائرة العقلاء فحسيبه الله على ما قدم، وعند الله تجتمع الخصوم. ومن قراءتي لكتابه كاملًا ظهر لي من حال الرجل ما يلي: أولًا: كونه جهميًّا جلدًا يرى أنَّ ربه لا يوصف بأنَّه خارج العالم ولا داخله وينسب ذلك زورًا وباطلًا إلى أهل السنة والجماعة. ثانيًا: وجدته محرِّفًا من الدرجة الأولى لأقوال أهل العلم ونصوصهم. ثالثًا: وجدته كثير الكذب والتدليس والتلبيس. رابعًا: ثم هو سليط اللسان، بذيء القول، يرمي أهل السنة بالعظائم، ومن أمثلة ذلك قوله عنهم: ص: ٦ "المتمسلفين" وص: ١٢ "أصحاب العقول ذات التفكير السطحي الضحل" وص: ١٧ "فخذ مجدك في التجسيم

1 / 10

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، ﷺ وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فإنَّ الرَّد على أهل البدع والدعاة إلى الأهواء، والتحذير من باطلهم، ونقض شبهاتهم وأضاليلهم، وإشهار عيوبهم ونقائصهم، وبيان أنَّهم على غير الحقّ والصواب أمرٌ متحتمٌ على أهل العلم وطلابه، ليُتقى شرُّ هؤلاء، وليَعلم القاصي والداني ضلالهم وانحرافهم وبعدهم عن الحقّ والرشاد، وهذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المأمور به شرعًا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: "والداعي إلى البدعة مستحق العقوبة باتفاق المسلمين، وعقوبته تكون تارة بالقتل وتارة بما دونه، كما قتل السلف جهمَ بن صفوان والجعد بن درهم وغيلان القدري وغيرهم، ولو قدر أنَّه لا يستحق العقوبة أو لا يمكن عقوبته فلا بدَّ من بيان بدعته والتحذير منها، فإن هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به ورسوله"١. وقال ﵀: "ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب

١ الفتاوى (٣٥/٤١٤) .

1 / 12

والسنَّة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحبّ إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلَّى واعتكف فإنَّما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنَّما هو للمسلمين هذا أفضل. فبيَّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإنَّ هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعًا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً"١. ورغم وضوح هذا المنهج وظهوره وكثرة عوائده وفوائده إلا أنَّه قد ظهرت في زماننا هذا من بعض الأفراد والجماعات مواقف مخذولة وآراء مرذولة تدعو بلا حياء إلى السكوت عن أهل البدع والأهواء وعدم التحذير منهم، وزعموا أن هذا هو المنهج الأقوم والطريق الأحكم، وقالوا: في هذا رأبٌ للصدع ولمٌّ للشمل وتوحيدٌ للصفّ وجمعٌ للكلمة. وما من ريبٍ أنَّ هذا منهج باطل، أضراره كثيرة وأخطاره جسيمة على الإسلام والسنة، وفيه أعظم تمكين لأهل البدع والأهواء في نشر ضلالهم وباطلهم، وهو منهج منحرف عن الكتاب والسنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ وقد ذكر جماعةً من أهل البدع يعتقدون اعتقادًا هو ضلال يرونه هو الحقّ، ويرون كفر من خالفهم في ذلك،

١ الفتاوى (٢٨/٣٢١، ٢٣٢) .

1 / 13

يا ابن القيم" وص: ١٩ "وهو دليل قاطع عند أيّ قارئ لبيب على الوثنية التي يدعو إليها هؤلاء باسم توحيد الأسماء والصفات" وص: ٣٢ "المبتدعة الخراصون" وص: ٣٧ "المجسمة" وص:٤٠ "المجسمة المشبهة" وص: ٦٠ "وأن المراد منه عند هؤلاء المتمسلفين ما رأينا من التجسيم وإقامة الوثنية التي حاربها الإسلام وجاء بهدمها". هكذا يقول، ولا ريب أنَّ من أكبر علامات أهل البدع الوقيعة في أهل السنة والأثر، قال إسحاق بن راهويه: علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل السنة والجماعة ما أولعوا به من الكذب أنَّهم مشبهة، بل هم المعطلة، وكذلك قال خلق كثير من أئمة السلف: علامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة١. فما حال إذًا من يجعلهم أهل عقائد وثنية!؟ خامسًا: يمجد أهل البدع ويعظمهم ويكثر من الثناء عليهم ولاسيما إمامه وشيخه قائد التجهم في عصرنا محمد زاهد الكوثري بل هو من رائشي نبله والحاطبين في حبله والساعين في نصرته؛ ولهذا يكثر من النقل عنه فأحيانًا يصرح باسمه كما في (ص: ٣٨، ٣٩)، وأحيانًا لا يصرح باسمه كما في (ص: ١١) فهو منقول من هامش السيف الصقيل للكوثري (ص: ٢٧)، وكما في (ص: ١٤) فهو منقول من هامش السيف الصقيل للكوثري (ص:١١٥) ويصفه بالإمام المحدث. سادسًا: استخفافه ببعض الأحاديث كما في ص: ٥٥ حيث قال: "كما جاء في حديث الجارية الذي يتشدقون به"!!

١ انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (١/٨٥) .

1 / 14

لهذا وغيره رأيت من الواجب التنبيه على باطل هذا الكاتب وضلاله، والتحذير منه، وكشف بعض تلبيساته وتدليساته، وفضح كذبه وتزويره، ونقض شُبهه وأباطيله في كتابه المذكور، نصرًا للحق وذبًّا عن السنَّة ودفاعًا عن علماء الأمة وردًّا للباطل وإزهاقًا له. هذا دون تقص لكل ما فيه، ولو ناقشته على جميع ما اشتمل عليه كتابه من الظلم والخطأ والتعدي والجور والكذب والخلط والتلبيس والتدليس والتشنيع لطال الكلام، لكن التنبيه على قليل من ضلاله وباطله مرشدٌ إلى معرفة الكثير لمن له أدنى فهم وأقلّ علم، واللبيب تكفيه الإشارة، ولو أنَّ هذا الكاتب سكت ولم يكتب ما كتب واشتغل بتحصيل العلم الشرعي من مظانه من الكتاب والسنة لكان خيرًا له وأقوم، ولأراح غيره، لكنه صار كمن يبحث عن حتفه بظلفه. فكان كعنز السوء قامت بظلفها ... إلى مدية تحت التراث تثيرها فنسأل الله أن يهديه ويهدي ضال المسلمين، وأن يردهم إلى الحقّ ردًّا جميلًا، وأن يعيذنا من الأهواء المطغية والفتن المردية بمنه وكرمه. وهذا أوان الشروع في المقصود.

1 / 15

القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد ... ١ قال الكاتب ص ٣: "فهذا جزء لطيف ومنار منيف أثبت فيه إبطال التثليث في تقسيم التوحيد إلى توحيد ألوهية وتوحيد ربوبية وتوحيد أسماء وصفات ...". قلت: إنَّ التثليث عقيدة نصرانية خبيثة تقوم على أساس جعل الآلهة ثلاثة وهم: الأب والابن وروح القدس، وقد كفَّرهم الله بها في محكم تنزيله حيث قال ﷾: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إَنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَنَّ الذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ١. أما تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، أو إلى قسمين: توحيد معرفة وإثبات وهو توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد إرادة وطلب وهو توحيد الألوهية، فهذه عقيدة المسلمين قاطبة، المؤمنين بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ سوى المبتدعة الضُّلاَّل. والمراد بتوحيد الربوبية: الاعتقاد الجازم بأنَّ الله وحده الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لشئون خلقه كلها لا شريك له في ذلك. والمراد بتوحيد الألوهية: إفراد الله وحده بالخضوع والذل والمحبة والخشوع وسائر أنواع العبادة لا شريك له. والمراد بتوحيد الأسماء والصفات: الإيمان الجازم بأسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، وإثباتها دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل.

١ سورة المائدة الآيتان ٧٣، ٧٤، وانظر في إبطال عقيدة التثليث هذه كتاب الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح لابن تيمية (٢/٩٠ وما بعدها) من قوله: فصل في القول في بطلان التثليث.

1 / 16

ولكلِّ قسم من هذه الأقسام الثلاثة ضدٌّ؛ "فإذا عرفت أن توحيد الربوبية هو الإقرار بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المحي المميت المدبر لجميع الأمور المتصرف في كل مخلوقاته لا شريك له في ملكه، فضد ذلك هو اعتقاد العبد وجود متصرف مع الله غيره فيما لا يقدر عليه إلا الله ﷿. وإذا عرفت أنَّ توحيد الأسماء والصفات هو أن يدعى الله تعالى بما سمى به نفسه ويوصف بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله محمد ﷺ وينفى عنه التشبيه والتمثيل، فضد ذلك شيئان ويعمهما اسم الإلحاد: أحدهما: نفي ذلك عن الله ﷿ وتعطيله عن صفات كماله ونعوت جلاله الثابتة بالكتاب والسنة. ثانيهما: تشبيه صفات الله تعالى بصفات خلقه وقد قال تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ١، وقال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ ٢، وإذا عرفت أن توحيد الإلهية هو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة ونفي العبادة عن كل ما سوى الله ﵎ فضد ذلك هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله ﷿، وهذا هو الغالب على عامة المشركين وفيه الخصومة بين جميع الرسل وأممها"٣. وهذه الأقسام الثلاثة للتوحيد لها دلائل كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ١ فمن أدلة توحيد الربوبية قول الله تعالى: ﴿الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾،

١ سورة الشورى، الآية ١١. ٢ سورة طه، الآية ١١٠. ٣ معارج القبول للشيخ حافظ حكمي (١/٤١٨) .

1 / 17

وقوله: ﴿أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ١، وقوله: ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ﴾ ٢، وقوله: ﴿قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ ٣، وقوله: ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ٤، وقوله: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ ٥، وغيرها من الآيات. ٢ ومن أدلة توحيد الألوهية قوله تعالى: ﴿الحَمْدُ للهِ﴾؛ لأنَّ الله معناه المألوه المعبود، وقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وقوله: ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الذِي خَلَقَكُمْ وَالذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ٦، وقوله: ﴿فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلاَ للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ ٧، وقوله: ﴿قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِن دُونِهِ﴾ ٨، وقوله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ

١ سورة الأعراف، الآية ٥٤. ٢ سورة الرعد، الآية ١٦. ٣ سورة المؤمنون، الآيات ٨٤ ٨٩. ٤ سورة غافر، الآية ٦٤. ٥ سورة الزمر، الآية ٦٢. ٦ سورة البقرة، الآية ٢١. ٧ سورة الزمر، الآيتان ٢، ٣. ٨ سورة الزمر، الآيتان ١٤، ١٥.

1 / 18

لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ ١، وغيرها من الآيات. ٣ ومن أدلة توحيد الأسماء والصفات قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، وقوله: ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَآءُ الحُسْنَى﴾ ٢، وقوله: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ ٣، وقوله: ﴿اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَآءُ الحُسْنَى﴾ ٤، وقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ٥، وآخر سورة الحشر، وغيرها من الآيات. ومن الآيات التي جمعت أقسام التوحيد الثلاثة قول الله ﵎ في سورة مريم: ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ ٦. يقول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي ﵀ مبينًا دلالة الآية على ذلك: "... اشتملت [أي الآية] على أصول عظيمة على توحيد الربوبية وأنَّه تعالى ربُّ كلِّ شيء وخالقُهُ ورازقُهُ ومدبِّرُه، وعلى توحيد الألوهية والعبادة وأنَّه تعالى الإله المعبود وعلى أنَّ ربوبيته موجبة لعبادته وتوحيده ولهذا أتى فيه بالفاء في قوله: ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ الدالة على السبب أي فكما أنَّه ربُّ كلِّ شيء فليكن هو المعبود حقًّا فاعبده ومنه: الاصطبار لعبادته تعالى وهو جهاد النفس

1 / 19

وتمرينها وحملها على عبادة الله تعالى فيدخل في هذا أعلى أنواع الصبر وهو الصبر على الواجبات والمستحبات والصبر عن المحرمات والمكروهات، بل يدخل في ذلك الصبر على البليات فإنَّ الصبر عليها وعدم تسخطها والرضى عن الله بها من أعظم العبادات الداخلة في قوله: ﴿وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾، واشتملت على أنَّ الله تعالى كامل الأسماء والصفات عظيم النعوت جليل القدر وليس له في ذلك شبيه ولا نظير ولا سمي، بل قد تفرَّد بالكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات"١. وفي بيان دلالة القرآن على أنواع التوحيد يقول العلاَّمة ابن القيم بعد أن ذكر أنَّ كلَّ طائفة تسمي باطلهم توحيدًا: "وأمَّا التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه، فوراء ذلك كله، وهو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات وتوحيد في المطلب والقصد. فالأول: هو حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله وعلوّه فوق سمواته على عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمه. وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جدّ الإفصاح. كما في أول سورة الحديد وسورة طه وآخر سورة الحشر، وأول سورة تنزيل السجدة، وأول سورة آل عمران، وسورة الإخلاص بكاملها وغير ذلك. النوع الثاني: مثل ما تضمنته سورة ﴿قُلْ يَأَيُّهَا الكَافِرُونَ﴾، وقوله: ﴿قُلْ يَأَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ ٢ الآية، وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها، وأول سورة يونس ووسطها وآخرها، وأول سورة

١ المواهب الربانية من الآيات القرآنية (ص ٤٤، ٤٥) . ٢ سورة آل عمران، الآية ٦٤.

1 / 20

الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام، وغالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد، بل نقول قولًا كليًّا: إنَّ كلَّ آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه؛ فإنَّ القرآن إمَّا خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإمَّا دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كلِّ ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإمَّا أمرٌ ونهيٌ وإلزامٌ بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإمَّا خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده، وإمَّا خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد١. فالقرآن كلُّه في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم، ف ﴿الْحَمْدُ للهِ﴾ توحيد، ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ توحيد، ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ توحيد، ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ توحيد، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ توحيد، ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ توحيد، ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد، الذين أنعم الله عليهم، ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّين﴾ الذين فارقوا التوحيد ... "٢.

١ قال الشوكاني ﵀ في مقدمة كتابه القيّم "إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات" (ص:٤): "واعلم أنَّ إيراد الآيات القرآنية على إثبات كلِّ مقصد من هذه المقاصد، وإثبات اتفاق الشرائع عليها، لا يحتاج إليه من يقرأ القرآن العظيم؛ فإنَّه إذا أخذ المصحف الكريم وقف على ذلك في أيّ موضع شاء، ومن أيِّ مكان أحبَّ، وفي أيّ محل منه أراد، ووجده مشحونًا به من فاتحته إلى خاتمته". ٢ مدارج السالكين (٣/٤٤٩، ٤٥٠) .

1 / 21

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ﵀: "وقد دلَّ استقراء القرآن العظيم على أنَّ توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: توحيده في ربوبيته، وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه فِطَرُ العقلاء، قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ ...﴾ ١، وقال: ﴿قُلْ مَن يَّرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَّمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُّخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُّدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ ٢. وإنكار فرعون لهذا النوع من التوحيد في قوله: ﴿قَالَ فِرْعَونُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ٣ تجاهلٌ من عارفٍ أنَّه عبدٌ مربوبٌ؛ بدليل قوله تعالى: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلآءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ ...﴾ ٤ الآية، وقوله: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ ٥، وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ ٦، والآيات الدالة على ذلك كثيرة جدًا. الثاني: توحيده جلَّ وعلا في عبادته. وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى "لا إله إلا الله" وهي متركبة من نفي وإثبات؛ فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع أنواع العبادات كائنة ما كانت. ومعنى الإثبات منها: إفراد الله جلَّ وعلا وحده بجميع أنواع

١ سورة الزخرف، الآية ٨٧. ٢ سورة يونس، الآية ٣١. ٣ سورة الشعراء، الآية ٢٣. ٤ سورة الإسراء، الآية ١٠٢. ٥ سورة النمل، الآية ١٤. ٦ سورة يوسف، الآية ١٠٦.

1 / 22

العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام. وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد، وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم ﴿أَجَعَلَ الأَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ١. ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ...﴾ ٢ الآية، وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٣ الآية، وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّه لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ٤، وقوله: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِءَالِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ ٥، وقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ ٦، فقد أمر في هذه الآية الكريمة أن يقول: إنَّما أوحي إليه محصور في هذا النوع من التوحيد؛ لشمول كلمة "لا إله إلا الله" لجميع ما جاء في الكتب؛ لأنَّها تقتضي طاعة الله بعبادته وحده. فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي، وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب، والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة.

١ سورة ص، الآية ٥. ٢ سورة محمد، الآية ١٩. ٣ سورة النحل، الآية ٣٦. ٤ سورة الأنبياء، الآية ٢٥. ٥ سورة الزخرف، الآية ٤٥. ٦ سورة الأنبياء، الآية ١٠٨.

1 / 23

النوع الثالث: توحيده جلَّ وعلا في أسمائه وصفاته. وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين: الأول: تنزيه الله جلَّ وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم؛ كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ١. والثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه؛ أو وصفه به رسوله ﷺ على الوجه اللائق بكماله وجلاله؛ كما قال بعد قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ ٢، مع قطع الطمع عن إدراك كيفيَّة الاتصاف، قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ ٣، وقد قدمنا هذا المبحث مستوفى موضحًا بالآيات القرآنية في سورة الأعراف. ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جلَّ وعلا على وجوب توحيده في عبادته؛ ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبيَّة باستفهام التقرير. فإذا أقرُّوا بربوبيته احتج بها عليهم على أنَّه هو المستحق لأنْ يعبد وحده. ووبخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنَّه هو الربّ وحده؛ لأنَّ من اعترف بأنَّه الرب وحده لزمه الاعتراف بأنَّه هو المستحق لأن يُعبد وحده. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ مَن يَّرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَّمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ﴾ ٤ إلى قوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ اللهُ﴾: فلما أقروا بربوبيته

١ سورة الشورى، الآية ١١. ٢ سورة الشورى، الآية ١١. ٣ سورة طه، الآية ١١٠. ٤ سورة يونس، ٣١.

1 / 24

وبخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره بقوله: ﴿فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ . ومنها قوله تعالى: ﴿قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ للهِ﴾، فلما اعترفوا وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: ﴿قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾، ثم قال: ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ سَيَقُولُونَ للهِ﴾، فلما أقرُّوا وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: ﴿قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾، ثم قال: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ للهِ﴾ فلما أقرُّوا وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: ﴿قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ ١. ومنها قوله تعالى: ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ﴾، فلما صح الاعتراف وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: ﴿قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا﴾ ٢. ومنها قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾، فلما صحَّ إقرارهم وبخهم منكرًا عليهم بقوله: ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ ٣. ومنها قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾، فلما صحَّ اعترافهم وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾، فلما صحَّ إقرارهم وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: ﴿قُلِ الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ

١ سورة المؤمنون، الآيات ٨٤٨٩. ٢ سورة الرعد، الآية ١٦. ٣ سورة الزخرف، الآية ٨٧.

1 / 25