The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
Türler
نتائج الابتلاء في العهد المكي وفي كل عهد
ما حصل في مكة ليس غريبًا؛ لأن حرب الحق والباطل سنة من سنن الله ﷿، ستبتلى الأمة المؤمنة بصفة عامة، وسيبتلى كل فرد من أفرادها بصفة خاصة، لن يكون هناك أي استثناء، يقول الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت:٢]، لابد من ابتلاء ولابد من فتنة؛ حتى تحدث ثلاثة أشياء مهمة نتيجة هذا الابتلاء: تنقية وتربية وتزكية.
الأمر الأول: التنقية، تنقية الصف المسلم، ما أسهل أن يقول المرء بلسانه: آمنت وصدقت وأيقنت، لكن ما أصعب العمل، لابد من اختبار وإيذاء الدعاة والملتزمين بنهج الله ﷿ ونهج رسوله الكريم، هذه سنة ماضية لتنقية الصف المؤمن من المنافقين ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:٣]، وإلا لقال كل الناس: نحن مسلمون، نحن مجاهدون في سبيل الله، لكن لابد من ابتلاء حقيقي وشديد.
الأمر الثاني: التربية، يريد ربنا ﷾ لهذه الأمة أن تقود العالمين، وقيادة العالمين تحتاج إلى طراز فريد من البشر لا يهتز أمام العواصف، والابتلاء برنامج تدريبي متدرج للمؤمنين، يرتفع بمستوى المؤمن يومًا بعد يوم، وكلما عظمت مهام المؤمن ازداد بلاؤه؛ ليزداد إعداده كالذهب كلما اصطلى بالنار كان أنقى، وهكذا المسلم الصادق يخرج من الابتلاء أقوى وأعظم.
هذه أشياء رأيناها في التاريخ، ورأيناها في الواقع، وستظل إلى يوم القيامة سنة من سنن الله ﷿.
الأمر الثالث: التزكية، أي: التطهير من الذنوب والخطايا، أحيانًا يحب ربنا إنسانًا ويريد أن يرفع درجته، وهذه الدرجة لا يبلغها بعمله، فيبتليه ﷾ فيصبر، فيبلغ الدرجة العالية: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، إذا كانت الشوكة تعمل هكذا، فما بالك بالضرب والجلد والحبس والتعذيب.
هذا كله مصلحة للمؤمنين.
إذًا: تنقية للصف المسلم، وتربية للصف المسلم، وتزكية للصف المسلم، لابد لها من ابتلاء، وسيظل الابتلاء إلى يوم القيامة.
7 / 7