الصحيح المسند من آثار الصحابة في الزهد والرقائق والأخلاق والأدب
الصحيح المسند من آثار الصحابة في الزهد والرقائق والأخلاق والأدب
Türler
٥٤ - وقال ابن أبي شيبة في المصنف [٨٠٣٤]:
حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ:
إنِّي لأُجَهِّزُ جُيُوشِي وَأَنَا فِي الصَّلاَة.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى [٢٢/ ٦٠٩]:
وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ مِنْ قَوْلِهِ: إنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ.
فَذَاكَ لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ مَأْمُورًا بِالْجِهَادِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْجِهَادِ.
فَصَارَ بِذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُصَلِّي الَّذِي يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ حَالَ مُعَايَنَةِ الْعَدُوِّ إمَّا حَالَ الْقِتَالِ وَإِمَّا غَيْرَ حَالِ الْقِتَالِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ وَمَأْمُورٌ بِالْجِهَادِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْوَاجِبَيْنِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ حَالَ الْجِهَادِ لَا تَكُونُ كَطُمَأْنِينَتِهِ حَالَ الْأَمْنِ.
فَإِذَا قَدَّرَ أَنَّهُ نَقَصَ مِنْ الصَّلَاةِ شَيْءٌ لِأَجْلِ الْجِهَادِ لَمْ يَقْدَحْ هَذَا فِي كَمَال إيمَانِ الْعَبْدِ وَطَاعَتِهِ وَلِهَذَا تُخَفَّفُ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَنْ صَلَاةِ الْأَمْنِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ ﷾ صَلَاةَ الْخَوْفِ قَالَ: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ فَالْإِقَامَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا حَالَ الطُّمَأْنِينَةِ لَا يُؤْمَرُ بِهَا حَالَ الْخَوْفِ.
وَمَعَ هَذَا: فَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ فَإِذَا قَوِيَ إيمَانُ الْعَبْدِ كَانَ حَاضِرَ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ تَدَبُّرِهِ لِلْأُمُورِ بِهَا وَعُمَرُ قَدْ ضَرَبَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَهُوَ الْمُحَدِّثُ الْمُلْهَمُ فَلَا يُنْكَرُ لِمَثَلِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعَ تَدْبِيرِهِ جَيْشَهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْحُضُورِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ. اهـ
1 / 104