228

The Arabs in Sicily

العرب في صقلية

Yayıncı

دار الثقافة

Baskı

الأولى

Yayın Yılı

١٩٧٥

Yayın Yeri

بيروت - لبنان

Türler

وفي هذه الفترة التي استمرت ما لا يقل عن ثلاثة عشر عامًا ذهب ابن حمديس يطيل قصائده في المعتمد، ويذكر جهاده وانتصاراته على الفرنجة، ويصف المعارك التي كان يخوضها، ويشارك في حياة الأندلس اللاهية فيحضر الدعوات ويخرج إلى المتنزهات ويشرب الخمر ويلهو مع اللاهين ويتبارى مع المتبارين في صياغة الشعر.
وكانت سرسوقة التي خلفها وراءه لا تزال تجاهد، وابن عباد الصقلي يغزو قلورية ويكسب نصرًا بعد نصر، وكل شيء من أحداث الوطن يزيد في الأمل ويجعل أوبه المغترب أمرًا ممكنًا، وابن حمديس في المجالس وبين الناس يضحك للحياة وينال من طيباتها، فإذا خلا إلى نفسه تذكر صقلية ورجح الشك عنده على اليقين، وكان يعكر عليه صفاء الحياة ما يرد عليه من أنباء أصحابه الذين قتلوا ولداته الذين خطفهم المنية، وأقربائه الذين صرعتهم الحروب، وفي غمرة من تلك الغمرات اللاهية وصلته رسالة من وطنه تحمل إليه النبأ بوفاة أبيه وبأنه قبل وفاته كتب له رسالة يوصيه فيها بالبر ويحضه عليه. وفزع ابن حمديس للنبأ وزاد في حزنه إحساسه بأنه غريب، واجتمعت في نفسه عواطف الغريب الذي فقد شخصًا من أحب الناس إلى قلبه، فرثى والده باكية كانت أول الغيث من تلك الدموع التي ظل يبكي بها الوطن طوال حياته:
أتاني بدار النوى نعيه ... فيا روعةَ السمع بالداهيهْ
فحمر ما ابيض من عبرتي ... وبيضَ لمتىَ الداجيه
بدار اغتراب كأن الحياة ... لذكر الغريب بها ناسيه
فمثلتُ في خلدي شخصهُ ... وقربت تربته القاصية
ونحتُ كثكلى على ماجد ... ولا مسعدٌ لي سوى القافيه
وما أنس لا أنس يوم الفراق ... وأسرارُ أعيننا فاشيه
ورحتُ إلى غربة مرة ... وراح إلى غربة ساجيه
مضى وهو منى أخو حسرة ... تمازج أنفاسه الراقية

1 / 237