في إبان قلقهما جاء عبد الحميد آل عثمان وهمس في أذن بعلزبول: مؤامرة! فاحذرها ! - ويحك! ما هي معلوماتك؟ - دسيسة سرية. - ويحك! من يدسها؟ - رجالك! - أصادق أنت؟ - كاذب إلا اليوم تقطع رأسي إن كنت كاذبا. - ماذا يريدون؟ - خلعك بحجة مماطلتك بالدستور. - أعلنه في الحال!
أعلنته قبلك فمهدت السبيل لخلعي! فحاذر ... - إذن! ماذا يرضيهم؟ - لا شيء. - ما العمل إذن؟ - فرق تسد. - كيف؟ - استدع كل واحد من قادة الثورة على حدة، وعده وعدا كاذبا بأن تستوزره أو ترقيه إلى منصب أعلى من منصبه، حتى متى خمدت الثورة تقبض عليه وتزجه في السجن، ثم في بحيرة الرصاص المصهور.
وكان بعلزبول يسأل ويسمع مضطربا فقال: من تعرف من زعماء الثورة؟ - ربما كان مدير حركتهم في الخفاء أقرب الأبالسة إليك. - ويحك! من تعني. - اسحق رأس الحية، لا أقدر أن أقول أكثر من ذلك.
فازداد اضطراب بعلزبول وقال: تبا لك! أي حية أقرب إلي من فينوموس؟ أأسحق رأسك؟ - لك أن تسحقه لكي تخسر من يصدقك أخبار الأسرار. - ويحك! أي أسرار؟! - كيف تنتظر أخباري وعنقي تحت سيف تهديدك المصلت. - عليك الأمان، ماذا عندك من الأسرار. - أمثل الأمان الذي كان عندي في يلدز؟ - خسئت، بعلزبول لا ينكث عهده، ما هي أسرارك؟ - ليس عندي أكثر مما أفصحت. - ويحك يا إنسان! أيمكن أن تخونني فينوموس؟ - مهلا إلى أن تخمد الثورة وتشرع بالتحقيق. - عم ينجلي التحقيق يا خبيث؟ - عن تنازع الحكم في ساحة الغرام. - سحقا لك، إلام تكلمني بألغاز؟ أفصح. - لا أفصح إلا بعد أن أجمع البينات، وثمت تكون شهادتي صادقة. فأمهلني إذا كنت تعتمد على مشورتي. - ماذا يطمنني في الاعتماد على مشورتك؟ - إن تراجع التاريخ تعلم أنك وقعت على خبير. - كيف أثق أنك تمنحني خبرتك الصادقة؟ - لست أمنحك منحا، وإنما أبيعك بثمن. - حسنا، الثمن مكافأتك بمنصب عظيم إن أصدقتني الخبرة النافعة، أو قطع عنقك إن كذبتني الخبر الصحيح. - اتفقنا، دعني أسع سعاياتي ريثما تتدارك التهاب الهشيم. •••
وتوارى عبد الحميد، وجال بعلزبول يبحث عن فينوموس، فما عتم أن رآها عن بعد تماشي فيرومارس وبينهما حديث تنم إشاراته عن اهتمام، فتركها ليرى ماذا يكون من أمرهما، وإذا رسبوتين يبدو لديه ويبادره وبصوت خافت: حاذر من دكتاتورية فيرومارس.
فازداد اضطراب بعلزبول وقال: كيف يمكن أن يكون دكتاتورا؟ - يكون دكتاتورا إذا وليته قمع الثورة. - كيف عرفت أن فيرومارس ينويها؟ - نزف من سوائل مؤامرة. - ويحك! ماذا تعرف عن المؤامرة؟ - لا شيء سوى النزف. - تقيأه حالا وإلا فأنت تعلم عقاب النم والوشاية. - غريب أمرك يا سيدي الملك، أليس بصرك أنم من كلامي. - ويحك ماذا أبصر؟ - أتريد تلسكوبا أم ميكورسكوبا أم كليهما، لكي ترى نزيف المؤامرة؟! - تبا لك! أتلفت نظري إلى مسايرة فينوموس لفيرومارس؟ - لا، بل مسايرة فيرومارس لها. - ماذا فيها؟ - مساومة. - علام؟ - ستنجلي لك إن قمع فيرومارس الثورة. - ويحك! أتحرضني على الشك بفينوموس؟ - لست أحرضك بل أحذرك. - ومم؟ - من تولية فيرومارس قمع الثورة لئلا يقمعها لحسابه.
فاشتد قلق بعلزبول وقال: تبا لك! من أولى منه بقمعها وهو وزير الحربية؟ ومن أجدر وهو قائد الجيش؟ - أرجنتوس أولى؛ لأنه أدهى، والدهاء أفعل إذا كانت الثورة في الجيش نفسه. - ما الضمانة على صدق نصيحتك؟ - صدق أخباري التي أبلغتها إليك. - لم تخبرني سوى نية فيرومارس الطمع بالدكتاتورية، فكيف أتحقق صدق هذا الخبر؟ - ستتحققه من فينوموس نفسها وتتحقق معه أمورا كثيرة. - ماذا غير ذلك يا هذا؟ - ستتحقق أن الغرام ينقب تحت العرش. - سحقا لك! أي غرام هذا؟ - سأشرحه لك متى توفرت عندي أدلته. - كيف أثق بصدق أدلتك. - بالوعد أو بالوعيد. - تعني ... - الوعد بالمكافأة على الصدق، والوعيد بالقصاص على الكذب. - حسنا، متى تعود بالأخبار اليقينية؟ - قبل اندلاع اللهيب، اسمح الآن. - امض، أنتظرك. •••
والتفت بعلزبول، وإذا فينوموس مقبلة وفي وجهها أمائر التفكير العميق، فلما التقيا قال متجهما: ماذا ترين؟ - أرى أن نتأهب لمقاومة المظاهرة بالقوة المسلحة؛ لأن دلائل المتمرد أصبحت واضحة. - من يتولى قيادة القوة المسلحة؟ - من غير فيرومارس وهو ابن بجدتها؟ - أرتاب به. - لماذا؟ - لأنه إلى الآن لم يبد منه اهتمام. - لأنه يشترط أن يقلد السلطة المطلقة.
فقال بعلزبول مضطربا: وماذا قلت له؟ - فلتكن له. - ويحك! تتواطئين معه على دكتاتورية؟
فتجهمت فينوموس وقالت: ماذا تقول؟ - أقول إني علمت بمؤامرة. - لا علم لي بمؤامرة، فأنبئني ماذا علمت؟
Bilinmeyen sayfa