وفيما كانت الأخت جوكوندا تنزل على عاتق أرجنتوس، كان الراهب سلفستروس مسرعا إليها وهو يصرخ: ويحك! إلى أين، أإلى سقر وبئس المستقر؟!
فالتفتت إليه وقد أصبحت على عاتق أرجنتوس وقالت: نعم يا عزيزي سلفستروس، إلى سقر بمهمة عظيمة جدا، بإلهام الله تعالى. - ويحك! ماذا تقولين؟ - أقول: إن الله تعالى انتدبني رسولا إلى جهنم لدعوة أهلها إلى التوبة، فانتظرني في المطهر إلى أن أعود ظافرة بتوبة أهل الجحيم، ثم أذهب لكي أقدمها إلى الله. - إنك لساذجة يا أختي، لا تعلمين أن سعيك عقيم، بل هو سعي معكوس، الله لا يقبل توبة الأبالسة، وهم لا يتوبون. - سترى، سترى، إنهم يتوبون، وإنه تعالى يقبل شفاعتي بهم، ويقبل مسعاي الحميد كفارة عن ذنوبي المطهرية، ويكون رضاؤه علي عظيما جدا، وسأعود من جهنم إلى السماء مباشرة، وأصطحبك معي إن شاء الله، والله لا يرفض حينئذ شفاعتي بك.
وكانت جوكوندا قد نزلت عن عاتق أرجنتوس إلى أرض جهنم، وسلفستروس يكفكف دموعه أسفا عليها.
الفصل التاسع
أرجنتوس يقدم جوكوندا للملكة فينوموس. - أقدم لسيدتنا ذات الذكاء الرائع قدس الراهبة القديسة العجائبية القادمة إلينا بالدعوة إلى التوبة!
فرحبت فينوموس بها بكل رحابة قائلة: مرحبا بالقداسة العجيبة! إن تنازلك لمملكتنا شرف عظيم لها! عسى أن يكون بشيرا بانقلاب جديد في نظام الأكوان الروحانية!
فقالت جوكوندا: معاذ الله! أستغفر الله! وقانا الله من شر الانقلاب الذي يجعل الأعالي أسافل!
فقال أرجنتوس: أجل، إن الانقلاب من حظ الذين ظلموا، وإنما تعني سيدتنا ذات الذكاء: البشارة بتعديل القضاء الأزلي.
فقالت جوكوندا: بحسب لاهوت القديس توما الأكويني، القضاء الأزلي أبدي لا يحتمل تعديلا، فالأبد القادم كالأزل المنصرم. - ولكن الله تعالى مشرف على الماضي والمستقبل جميعا، فيستطيع أن يجعل الماضي مستقبلا ويجدد فيه أحكامه، وإلا فكيف يجعل الرحمة فوق العدل كما تؤملين يا سيدتي.
فقالت جوكوندا: نعم! نعم! إني واثقة من رحمة الله بكم إذا كنتم تقبلون دعوتي للتوبة إليه تعالى.
Bilinmeyen sayfa