بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف الحمد لله العلي مجده (1)، الغالب جنده، الفائض فضله، الدائم طوله، الذي له الخلق والامر (2)، وبيده الخذلان (3) والنصر، وإليه المرجع والمصير، وهو العليم القدير، لا معقب لحكمه، ولا عازب (4) عن علمه ولا محيص عن قدره، ولا راد لقضائه، أحاط بكل شئ علما، وأحصى كل شئ عددا ".
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة قائدها التوفيق، وسائقها التحقيق، وباعثها (5) الايقان، وراعيها (6) البيان.
وأشهد أن محمدا " عبده ورسوله، (انتجبه من أفضل أرومة (7)
Sayfa 31
وأكرم جرثومة، وأفضل قبيلة، ومعدن فضيلة) (1)، تناسخته كرائم الأصلاب إلى شرائف الأرحام، لم تدنسه الجاهلية بأنجاسها، ولم تلحقه الضلالة بعنادها، ولم يكنفه إلا من ذكا شهابه، وزكا نصابه، وطاب مولده، وكرم محتده، فأظهره من بيت العرب، ومعدن الحسب، من هاشم وعبد المطلب، (فرباه بالعلم، وغذاه بالحلم) (2) وعلمه البيان، وأنزل عليه القرآن.
بعثه (3) ومعالم الدين دارسة، ومناهج الحق طامسة، والناس حيارى في سكرة، سكارى في حيرة، فدعا إلى الحق، وهدى إلى الصدق، ونصح الخلق، وأمر بالقصد (4)، وبعث على الرشد، واحتمل العناء (5)، ويظل نهاره مجاهدا، ويبيت ليله مكابدا، حتى أقام عمود الدين، وثبت (6) قواعد اليقين، ونفر الشرك هاربا، ونكب الشك خائبا، ورست (7) دعائم الايمان، ورسخت قواعد (8) الاحسان، وأظهر (9) الاسلام، ونفذ الاحكام، وخلص الدين لله (10) ولو كره المشركون ثم إنه لما دنا أجله وانقضى نحبه وآثر جوار ربه، نظر لامته نظر الوالد لولده، وركز فيهم راية الحق، ونصب لهم لواء الصدق، وخلف
Sayfa 32
فيهم الثقلين: كتاب الله، وعترته أهل بيته، دليلين في الظلمة، قائدين إلى الرحمة.
وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا، قال الله تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * (1) وفيه ما يجلو العمى، ويدعو إلى الهدى، وإن كان لا ينطق بلسانه، ولا يحكم ببيانه، ولا يذكر ما فيه، ولا يظهر ما في مطاويه، إلا بدليل ناطق، ومقر (2) صادق، والدليل على أحكامه من جعله النبي صلى ح الله عليه وآله له قرينا، ونصبه عليهم أمينا بقوله: " إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (3). فهما قرينان متفقان، وصاحبان لا يفترقان.
وقد جعل عندهم بيانه، وعليهم أنزل قرانه، ومنهم ظهر برهانه، قال الله تعالى: * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) * (4) وقد دل الكتاب على أنهم المعصومون من الزلل، المأمونون من الخطل (5)، بقوله تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
Sayfa 33
البيت ويطهركم تطهيرا ") * (1).
ونبه على أنهم هم الامناء على التنزيل، العلماء بالتأويل، بقوله:
* (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به) * (2) وذكر أنه * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * (3). فهم الفائزون بعلمه، العالمون بحكمه، الملهمون لسره، العاملون بأمره وهم ورثة الأنبياء، وبقية الأصفياء، وحملة الكتاب، والمهتدون إلى الصواب بقوله تعالى:
* (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) * (4) فدل على أنهم الصفوة من الصفوة، والأسوة من الأسوة، ليظهر مواقعها، ويشهر مواضعها ويسفر (5) صاحبها، ويزهر مصباحها (6)، ولا يغلق بابها، ولا يبهم خطابها، ولا يتقحم راكبها، ولا يتخلل مواكبها (7).
قال الله تعالى: * (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هدهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شئ عليم) * (8) ثم بين على ذلك دليلا، وهدى إليه سبيلا بقوله تعالى: * (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) * (9). فنبه على أنهم هم الذرية والصفوة، والنفس والأسوة،
Sayfa 34
والمبرؤون من الكذب، والمطهرون من الريب، والمخصوصون بالاصطفاء، والمكرمون بالاجتباء، والحجج على الخليقة، والهداة إلى الطريقة، بعثا " على حط رحل الطلب بفنائهم، وفصل الحكم بقضائهم.
قال الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) * (1) ثم نفى الاختيار عن غيره، وأضافه إلى أمره بقوله تعالى:
* (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) * (2) فتناسى أكثر الأمة وصيته، واجتهدوا في إطفاء نوره، وإخفاء نهجه (3)، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويوضح منهاجه، ويزهر سراجه، ويحيى معالمه، ويرسي دعائمه، فأمدهم على تشردهم في الأقطار، وتباعدهم في الديار، مما تخر له الجباه (4)، وتتقلص له الشفاه، وتعنو له الرقاب، وتتضاءل له الألباب من زواهر الآيات، وبواهر البينات، ما تأثره المقر والجاحد، ويرويه الشامخ والمعاند، وتزداد على مر الأيام جدة، وعلى كر الأيام عدة، وعلى كثرة الأعداء ظهورا، وعلى فترة الأولياء (5)، بهورا "، لتأكيد الحجة، وتبيين المحجة.
ثم إني ذكرت ذات يوم من خصائصهم نتفا " (6)، ومن فضائلهم طرفا "، بحضرة من هو شعبة من تلك الدوحة الغراء، وزهرة من تلك الروضة الغناء، فاستحسن واردها، واستطرف (7) شاردها، واستحلى مذاقها، واستوسع نطاقها، وأشار بتصنيف أمثالها، وتزويق ظلالها،
Sayfa 35
وجمع ما بذ (1) من فوائدها، وشذ من فرائدها، فاستخرت الله سبحانه في ذلك، وطفقت أجمع على ترتيب غريب، وتركيب عجيب، وأنظم أن أذكر أولا طرفا من المعجزات لسيد الأنبياء، وإمام الأولياء محمد المصطفى صلى الله عليه وآله، ثم اثني بما في كتاب الله سبحانه وتعالى من آيات الأنبياء ودلالات الأصفياء، ثم إني أذكر بإزاء كل آية ما توازيها، وبدل كل فضيلة فضيلة تضاهيها، من آيات أئمتنا (صلوات الله عليهم).
ثم أستأنف الكلام، وأرتب النظام، وابتدئ بذكر أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وأذكر قليلا من آياته، وطرفا من دلالاته.
ثم أذكر لسيدة النساء الانسية، الحوراء المرضية، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ما يدل على شرف فضائلها، ويهدي إلى وضوح دلائلها.
ثم أذكر لكل واحد من الأئمة عليهم السلام، على الترتيب والنسق، إلى الحجة المنتظر، بعض آياته، ليدل على شرف غايته، إذ لو ذهبت أجمع ما ظهر من الآيات وما بهر على أيديهم (2) من الدلالات لضاق الزمان، وتعذر الامكان، وفني القلم، ونفد البياض.
وإن أصحابنا (رضي الله عنهم) قد صنفوا في هذا المعنى كتبا " وصحفا ضخمة، وأنا التقط منها ما هو أروع إلى السمع، وأوقع في القلب، وأملاء للصدر، وقد سميته ب " الثاقب في المناقب ".
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك خالصا " لرضاه، ولا يكلني إلى سواه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
Sayfa 36
الباب الأول في ذكر طرف من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وآله ويحتوي على خمسة عشر فصلا
Sayfa 37
1 - فصل:
في بيان مقدمات (*) الكتاب اعلم وفقك الله أنا لو ذهبنا نجمع جميع معجزاته (1)، ونؤلف أكثر آياته، لاعترانا الفتور، وأزرى (2) بنا القصور، لأنه لم يعط أحد من الأنبياء الماضين (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام) آية، إلا وقد أعطي مثلها وزيد له (3)، لأنه أفضل البشر، وسيد الخلق (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وقد اقتصرنا على عدة آيات تبركا بذكره، وتيمنا بنشره.
وقد ظهرت معجزاته على أنحاء، فأظهرها وأسناها وأبهرها وأبهاها: القرآن، لأنه باق على مر الأزمان، لا يزيده طول الأحقاب إلا اعتلاء، ولا كثرة التلاوة إلا بهاء، ولو ذكرت ما فيه لطال (4) الخطاب، ولم يسع سطره الكتاب.
وله معجزات أخر، يشهد بصحتها القرآن، ويحكم بحقيتها
Sayfa 39
البيان، مثل انشقاق القمر، والمعراج، فأعرضنا عن ذكر ذلك (1) لشهرتها بين أهل الاسلام.
وللمعجز أحكام لابد من معرفتها:
أحدها: أن يكون من فعل الله تعالى.
وثانيها: أن يكون خارقا " للعادة.
وثالثها: أن يكون متعذرا مثله على الخلق في الجنس، مثل إحياء الموتى، أو في الصفة نحو القرآن وانشقاق القمر.
ورابعها: أن يكون موافقا لدعوى المدعي، وإنما يدل (2) المعجز على صدق المدعي فحسب، سواء (3) كان مدعيا للنبوة، أو الإمامة، أو الصلاح.
وقد يظهر الله تعالى (4) المعجز على أيدي الصالحين من عباده - بحسب المصلحة - إذا كان الوقت يقتضيه، فلا يدل بالإبانة على النبوة، كما ذهب إليه قوم وشرح ذلك وبيانه مذكوران في موضعهما.
وما ظهر من آياته صلى الله عليه وآله إما ظهر قبل بعثته، أو بعدها.
فالأول: إنما أظهره الله تعالى على يده، تعظيما " له في قلوب الناس، لطموح الابصار إليه، واعتماد الخلق عليه.
والاخر: إنما أظهره (5) عقيب دعواه (6) ليدل (7) على أنه
Sayfa 40
الصادق فيما ادعاه، المحق فيما ابتناه، المقتدى بفعاله، المهتدى بمقاله.
فإن ظهر لا عقيب (1) دعواه كان ذلك تنبيها " للحاضر، وتعريفا " للناظر، وتذكيرا " للمتأمل الذاكر، سواء كان ابتداء من القديم تعالى، أو بسبب أمر يقتضي ذلك، سواء ظهر على يده، أو على يد غيره من إجابة الدعاء، أو دفع البلاء، أو كبت عدو، أو عون ولي، أو نفاذ أمر، أو إنهاء عذر، أو تقديم نذر، أو إحياء سنة، أو تضعيف (2) منة، أو ترغيب في الاسلام، أو ترهيب عن الآثام.
ونحن نذكر - بعون الله - من ذلك مقدار مائة آية له صلى الله عليه وآله، ليسهل حفظه، ولا يبعد حظه، ومن الله استمد (3) التوفيق على العمل، والعصمة من الزلل، لأنه ولي ذلك والقادر عليه.
Sayfa 41
2 - فصل:
في بيان ظهور آياته التي ظهرت على يديه في المياه وفيه: أحد عشر حديثا " 1 / 1 - عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في بعض غزواته فنفد الماء، فقال: يا علي قم إلى هذه الصخرة، وقل: أنا رسول رسول الله إليك، انفجري ماء "، فوالذي أكرمه بالنبوة، لقد بلغتها الرسالة، فطلع منها مثل ثدي البعير، فسال منها من كل ثدي ماء، فلما رأيت ذلك أسرعت إلى النبي صلى الله عليه وآله وأخبرته، فقال: انطلق يا علي فخذ من الماء. وجاء القوم حتى ملأوا قربهم وإداواتهم، وسقوا دوابهم، وشربوا، وتوضأوا ".
2 / 2 - وعنه عليه السلام أنه قال: " أمرني صلى الله عليه وآله في بعض غزواته، وقد نفد الماء، فقال: يا علي آتني بتور. فأتيته به، فوضع يده اليمنى ويدي معها في التور، فقال: أنبع فنبع الماء من بين أصابعنا " (1).
والتور: شبه ركوة يغسل منها اليد والوجه.
Sayfa 42
3 / 3 - عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام أن قال: " لما نزل رسول الله (ص) الحديبية، شكوا إليه العطش وقلة الماء، فقال صلى الله عليه وآله: اطلبوا لي ماء. فأتي بماء، فشرب صلى الله عليه وآله وغسل منه وجهه، وصبه في القليب، فجاشت حتى اغترف الناس بالقصاع منه ".
4 / 4 - عن علي عليه السلام، قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض غزواته إلى ركي، فأتيت الركي، فإذا ليس فيه ماء، فرجعت إليه فأخبرته، فقال: فيه طين ؟ فقلت: نعم، فقال: آتني بشئ منه، فأتيته بطين منه، فتكلم فيه، فقال: اذهب والقه بالركي، فألقيته فيه، فإذا الماء قد ارتفع حتى امتلاء الركي وفاض من جانبيه، فجئت مسرعا " فأخبرته بالذي رأيت، فقال: أما تعجب يا علي أن الله أنبعه بقدرته ".
5 / 5 - عن أبي هدبة إبراهيم بن هدبة، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض غزواته، فغلبهم العطش، فإذا بجارية سوداء حبشية، معها راوية، فقال له أصحابه: يا رسول الله هذه راوية ماء.
قال: فأخذ بخطام البعير، والجارية تقول: يا عبد الله ما تريد
Sayfa 43
مني؟! قال: " لا بأس عليك " ثم نادى أصحابه: " هاتوا أوعيتكم ".
فجاؤوا بها، فحل الراوية، فلم يبق فيها شئ من الماء، وملاء القوم أوعيتهم، ثم قال: " زودوها من تمركم ". فزودوها كسرا " وتمرات، ثم قال للجارية: " أدني مني ". فمسح يده صلى الله عليه وآله على وجهها فابيض وجهها، ثم مسح يده على الراوية، وقال: " بسم الله "، فإذا الراوية كأنها لم ينقص منها شئ.
قال: فذهبت الجارية إلى أهلها، فقال مولاها: أما البعير فبعيري، والراوية راويتي، والجارية ليست بجاريتي، فقالت: أو لست بجاريتك؟!
قال: فما بال وجهك أبيض؟! قالت: استقبلني رجل يسمى محمد رسول الله صلى الله عليه وآله.. وقصت عليه القصة.
قال: فأتى مولاها رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: يا رسول الله إن لنا بئرا " مغورة، وإن ماءنا من مكان بعيد.
قال: " فأرنيها ". فأراه، فتفل فيها بريقه الشريف (1) وقال: " بسم الله " ولولا أنه قال ذلك لغرقهم الماء، لكن صار ثلثيها، وشربوا منها ماء عذبا ".
وفي ذلك عدة آيات.
6 / 6 - عن علي عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة، فشكونا إليه الظمأ، فدعا بركوة يمانية، ثم نصب يده المباركة فيها، فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كل مزادة (2) وسقاء وقربة ".
Sayfa 44
7 / 7 - وعنه عليه السلام، قال: " كنا معه صلى الله عليه وآله بالحديبية، وإذا ثم قليب جافة، فأخرج صلى الله عليه وآله سهما " من كنانته وناوله البراء بن عازب، وقال له: اذهب بهذا السهم إلى هذه القليب فاغرزه فيها (1). ففعل ذلك، فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم ".
8 / 8 - وعنه عليه السلام، قال: " ويوم الميضاة عبرة وعلامة، دعا بالميضاة فنصب يده فيها، ففاض الماء، وارتفع حتى توضأ منها ثمانية آلاف رجل، وشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا ".
9 / 9 - عن عرو بن الزبير، قال: مر النبي صلى الله عليه وآله في بعض غزواته على ماء يقال له: بيسان (2)، فسأل عنه، فقيل: يا رسول الله اسمه بيسان، وهو ماء مالح، فقال صلى الله عليه وآله: " بل هو نعمان، وهو طيب " فغير الاسم، فغير الله الماء وعذب (3).
10 / 10 - عن عمرو بن سعيد (4)، قال: قال لي أبو طالب: كنت
Sayfa 45
مع ابن أخي بسوق ذي المجاز (1)، فاشتد الحر فعطشت، فشكوت إليه، وقد علمت أنه ليس عنده شئ، فقال: " يا عم عطشت؟ " فقلت:
نعم، فثنى وركه، فنزل، فألقم عقبه (2) الأرض، ثم رفع وقال: " اشرب يا عم " فشربت حتى رويت.
11 / 11 - عن علي عليه السلام، قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حنين (3)، فإذا هو بواد يشخب، فقدرناه فإذا هو قدر أربع عشرة قامة، فقالوا: يا رسول الله، العدو من ورائنا، والوادي أمامنا، كما قال أصحاب موسى عليه السلام: * (إنا لمدركون) * (4)، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اللهم إنك جعلت لكل نبي مرسل دلالة، فأرني قدرتك.
فركب صلى الله عليه وآله، وعبرت الخيل لا تندى حوافرها، والإبل لا تندى أخفافها، ورجعنا، فكان فتحنا ".
Sayfa 46
3 - فصل:
في بيان آياته الواردة في الأطعمة والأشربة وفيه: تسعة أحاديث 12 / 1 - أخبرنا أبو صالح عن ابن عباس، قال: كان سبب تزويج النبي صلى الله عليه وآله بخديجة عليها السلام، أنه أقبل ميسرة - عبد (1) خديجة - وكان النبي صلى الله عليه وآله قد نزل تحت شجرة، فرآه الراهب، فقال:
من هذا الذي معك؟ فقال: من أهل مكة، قال: فإنه نبي، والله ما جلس في هذا المجلس بعد عيسى عليه السلام أحد غيره.
قال: فأقبل إلى خديجة فقال لها: إني كنت آكل معه حتى أشبع، ويبقى الطعام، فدعت خديجة بقناع عليه رطب، ودعت أختها هالة، وهي امرأة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد الشمس، ودعت النبي صلى الله عليه وآله، فأكلوا حتى شبعوا ولم ينقص منه شئ.
13 / 2 - عن علي عليه السلام، قال: " لما نزلت: * (وأنذر
Sayfa 47
عشيرتك الأقربين) * (1) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثين (2) من أهل بيته، وكان الرجل منهم ليأكل جذعة ويشرب زقا " (3)، فقرب إليهم رجلا فأكلوا حتى شبعوا ".
وفي الحديث طول.
14 / 3 - عن أبان بن عثمان، يرفعه بإسناده، قال: إن أبا أمامة أسعد بن الأرت (4) [كان] يبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم غداء " وعشاء " في قصعة، ثريدا عليه عراق، وكان يأكل معه من حوله حتى يشبعوا، ثم ترد القصعة كما هي.
15 / 4 - عن عمر بن ذر (5) قال: حدثنا مجاهد أن أبا هريرة كان يقول: والله الذي لا إله إلا هو، إني كنت لأعتمد بيدي على الأرض من الجوع، وإني كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه (6)، فمر بي أبو بكر،
Sayfa 48
فسألته عن آية من كتاب الله، وما سألته إلا ليشبعني، فمر بي ولم يفعل.
ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، وما سألته إلا ليشبعني ولم يفعل ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وآله، فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي، وما في وجهي، فقال: " يا أبا هريرة ". فقلت: لبيك يا رسول الله، [قال]: " التحق ".
ومضى، واتبعته ودخل، واستأذنت، فأذن لي، ودخلت، فوجدت لبنا في قدح فقال: " من أين هذا اللبن؟ " قالوا: أهداه لك فلان - أو فلانة -.
قال: " يا أبا هريرة " قلت: لبيك يا رسول الله. قال: " إلحق أهل الصفة وادعهم ".
قال: وأهل الصفة أضياف أهل الاسلام لا يأوون (1) إلى أهل ومال، وإذا أتته صلى الله عليه وآله صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول شيئا "، وإذا أتته هدية أصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: ما هذا اللبن في أهل الصفة ؟! كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، وأنا الرسول؟! فإذا جاؤوا فأمرني فكنت أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟! ولم يكن بد من طاعة الله عز وجل، ومن طاعة رسوله، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا حتى استأذنوا، فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت.
فقال: " يا أبا هريرة "، فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: " خذ وأعطهم " فأخذت القدح، وجعلت أعطيه الرجل، فيشرب حتى يروى، ثم يرد القدح حتى انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد روي القوم
Sayfa 49
كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، ونظر إلي فتبسم وقال: " يا أبا هريرة ". فقلت: لبيك. قال: " بقيت أنا وأنت " قلت: صدقت يا رسول الله، قال: " اقعد واشرب ".
فشربت حتى رويت، فما زال صلى الله عليه وآله يقول: " اشرب، اشرب " حتى رويت وقلت: والذي بعثك بالحق نبيا، ما أجد له مسلكا ".
قال: " فاعطني " قال: فأعطيته، فحمد الله عز وجل، وأثنى عليه، وسمى، وشرب الفضلة.
16 / 5 - عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله، لم يكن شئ أحب إليه في الشاة من الكتف، فدخل على قوم من الأنصار، فذبح شاة فأمر بها فسلخت ثم قطعت، ثم انضجت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " هات الكتف " فجاءه به، ثم قال:
" هات الكتف " فجاءه به، ثم قال: " هات الكتف " فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني ذبحت شاة واحدة، وقد أتيتك بثلاث أكتاف، قال: " أما إنك لو سكت لجئت بما دعوت به ".
17 / 6 - عن الصادق عليه السلام، قال: " إن سلمان رضي الله عنه أشار على النبي صلى الله عليه وآله بحفر الخندق، فأمر أصحابه أن يحفروا ".
قال: " فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وآله جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان أصغر القوم، فقال: يا رسول الله إنا لنضرب بالمعاول فما نقدر على
Sayfa 50
شئ من الأرض. قال: خذ بيدي، فذهب النبي صلى الله عليه وآله ليستقل (1) به، فما استطاع، فعلم جابر أن ذلك الضعف إنما هو من الجوع ، وكان لا يرجع أحد حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وآله قال: فأتيته فقلت: يا رسول الله، إني أحب أن تأذن لي. قال:
" انصرف " فانصرفت، وطحنت صاعا "، وذبحت جذعه (2)، فأتى النبي صلى الله عليه وآله حين ظن أنهم قد فرغوا، فقال: إني أحب أن تجيئني أنت ورجل أو رجلان ممن أحببت.
فقال: أيها الناس أجيبوا جابر بن عبد الله. وقد عدوا بالأمس ألف رجل، قال: فدنا من النبي صلى الله عليه وآله، وقال: إنه ليس عندي إلا جذعة وصاع طحنته. فقال: أيها الناس، أجيبوا جابرا ".
قال: فانطلق حتى دخل على زوجته، وقال: قد افتضحنا، قالت: ولم؟ فأخبرها، قالت: فأنهيت ما كان عندك إلى النبي صلى الله عليه وآله؟
قال: نعم، قالت: أسكت، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن ليفضحك.
فدخل النبي صلى الله عليه وآله، ودعا بعشر صحاف، وحلقهم عشرة عشرة، ثم قال لها: سمي واغرفي وأبقي، وسمي واثردي وأبقي قال: وسمى النبي صلى الله عليه وآله فدعا مائة فما رئي منهم إلا أثر أصابعهم، فقاموا، ثم دعا مائة أخرى، فجلسوا (3)، وسمى النبي صلى الله عليه وآله فما رئي منهم إلا أثر أصابعهم (4)، فما زال يجئ مائة، مائة، حتى فرغ القوم، وكل ذلك يسمي، قال: فبقي الطعام كما هو حتى استطعموه العيال، والجيران، والصبيان ".
Sayfa 51