Kültürümüz Çağımıza Karşı
ثقافتنا في مواجهة العصر
Türler
إن عصرنا هذا إن تميز بسمة تبرزه عن سائر العصور التي سلفت، فهذه السمة هي إيغاله في دنيا العقل - ودنيا العقل هي نفسها دنيا العلوم على اختلافها - إيغالا لم يترك جانبا واحدا من جوانب الحياة، ولا ركنا واحدا من أركان الأرض - وكدت أقول: وأجواز السماء - إلا وقد تناوله بتأثيره، على أن العقل العلمي في زماننا لا يكفيه ما كان يكفيه بالأمس، وهو أن يقف عند الحدود النظرية الرياضية، بل إنه ليصر على أن يتجسد في أجهزة، وعلى أن ينثر هذه الأجهزة على بقاع الأرض ليبدل حياة الناس حالا بعد حال، فلم يعد لنا مناص من السبح على هذا التيار العلمي التقني، فإذا كنا أصحاب فعل وحركة وإرادة من جهة الأصالة، فلا بد من إضافة هذه الصفحة الجديدة إلى كياننا؛ وذلك - كما قلت - إنما يتحقق عن طريق التربية ابتداء، لنخلق النظرة التي لا تترك الفعل والحركة والإرادة سائبة كما اتفق، بل تلجمها إلجاما لتسيرها على الطريق المؤدية إلى تكوين علم وعلماء بهذا المعنى العصري الجديد.
5
وأخيرا ، وكان ينبغي أن يكون أولا، لكنني أرجأت ذكره لبداهته، وهو أن أصالة العربي تبدأ من كونه يتكلم لغة عربية، وإذن فلا بديل أمامنا إلا أن نرعى هذه اللغة على ألسنة أبنائها وأقلام كتابها، فهي بطاقة الهوية التي تجعل من العربي عربيا، هذه بديهية لا أظنها مثيرة لجدال، لكنني أنتقل إلى ما يترتب عليها؛ لأنه لا يبدو للناس بهذه البداهة كلها، وهو أننا إذا أردنا الحياة في عصرنا، فلا بد من صب هذا العصر بكل ما فيه، من علم وأدب، في وعاء اللغة العربية، أعني أنه لا بد من ترجمة العلوم العصرية كلها، وكذلك أدب العصر وفلسفته، وبقدر ما نستطيع أن نسكب مادة العصر في إنائنا اللغوي، يكون نصيبنا من المعاصرة.
إن العصر لا يقتصر على شعب واحد، ولا على قطر واحد؛ فالعصر هو أمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا واليابان، وغيرها مما يسير معها في شوطها، لكن هذا العصر الواحد يلبس في كل قطر من هذه الأقطار ثوبا ينسجه له ذلك القطر؛ ليجعله واحدا من أهله، دون أن يكون تبدل الأثواب سببا في تغيير شيء من ملامح العصر، وما هذه الأثواب المختلفة باختلاف البلدان الممسكة بزمام الحضارة في عصرنا، إلا اللغات المختلفة؛ فقد صب الفرنسي - مثلا - نتاج العصر في لغته الفرنسية، فبات الفرنسي بذلك معاصرا لزمانه، وكذلك فعل الألماني والروسي والياباني وغيرهم.
ومع ذلك فلقد صادفت في أمتنا أفرادا تعارض ترجمة العلوم، على ظن منهم بأن هذه العلوم لا يليق لها إلا الثوب الإنجليزي أو الفرنسي أو غيرهما من لغات الأمم المتقدمة، ولا يسعني في هذا الصدد سوى أن أكرر القول بأنه على قدر ما ننقل إلى الثوب العربي من نتاج العصر، يكون نصيبنا من العصر؛ فالأصالة في هذا المجال هي في اللغة العربية التي هي لغتنا لا لغة أحد سوانا، والتي هي كذلك ميراث تسلمناه من أسلافنا، وأما المعاصرة فهي أن نصب عصرنا في وعائها.
إن التاريخ العربي هو كالنهر، دفاق المياه، وتظل للنهر هويته منذ ألوف السنين، برغم جريان مائه وتبدله يوما بعد يوم، بل لحظة في إثر لحظة، والذي يحفظ للنهر هويته هو التزامه مجرى واحدا، وهكذا نريد لحياتنا أن تكون: نحفظ لها الإطار الأساسي العام، ووجهة النظر الرئيسية، ثم نجدد المضمون الذي يملأ ذلك الإطار، أو الذي يشغل تلك الوجهة من النظر، كلما جاءت العصور المتوالية بحضارات متعاقبة، لكل حضارة منها مضمونها الجديد.
6
هذه - إذن - نقاط أربع، أو إن شئت فقل إنها مجالات أربعة ذكرناها، في كل مجال منها موقف لنا أصيل، ضارب بجذوره في أعماق تراثنا، يقابله موقف مضاد للحضارة التي نعاصرها، ولقد حاولنا أن نبين في كل حالة من الحالات الأربع كيف يمكن أن تحدث المصالحة بين الضدين؛ فأولا: كانت لنا وقفة معينة بإزاء الله والكون والإنسان، استتبعت وجهة نظر معينة في المبادئ الخلقية، ليس هي وجهة نظر الحضارة القائمة، فبينا كيف يمكن أن تسد الفجوة بين الوجهتين، وثانيا: كانت لنا وقفة بإزاء الواقع المادي، استتبعت منا أن نجاوزه إلى غيب وراءه، وليس ذلك مما تأخذ به الحضارة الحاضرة، فاقترحنا طريقة نخلص بها من هذا التناقض، وثالثا: كانت لنا سبل معينة في التعامل مع الطبيعة المكانية من حولنا، ليست هي السبل المأخوذ بها في حضارة اليوم، فالتمسنا لأنفسنا وسيلة للتقريب بين الطريقتين، ورابعا وأخيرا: لنا لغة لا بد من الحفاظ عليها، وهي التي تحمل ميراثنا في أوعيتها، وقلنا إنه لا مناص لنا من صب نتاج عصرنا في تلك الأوعية، ليمتزج الجديد بالقديم، في إناء واحد، وهكذا رسمنا ما يشبه الخريطة لما يمكن عمله؛ توفيقا بين الأصالة والمعاصرة.
فتعالوا معي الآن في جولة خاطفة، ننظر خلالها إلى ما قد حدث بالفعل في حياتنا الثقافية؛ لنرى إلى أي حد أصابنا التوفيق في هذا الدمج الحضاري المطلوب: فأما بالنسبة للمجال الأول، الخاص بوجهة نظرنا إلى الله والكون والإنسان، فلا أظننا قد ظفرنا بتوفيق كبير في أن نوسع من معنى قيمنا الأخلاقية بحيث تتطابق مع ما هو مستحدث في عصرنا، فقد نرى أصحاب القول والكتابة بين قادة الفكرة منا منقسمين قسمين: أحدهما يضرب على الوتر القديم وحده، والثاني يضرب على الوتر الجديد وحده، وفشلنا حتى الآن في أن تجيء النغمة المعزوفة شاملة للجديد والقديم معا، فإذا قلت - مثلا - كلمة «علم» انصرفت أذهان بعضنا إلى الفيزياء والكيمياء وما إليهما، وانصرفت أذهان الآخرين إلى حفظ المدونات القديمة، وبقينا في معسكرين، لا يكاد يلتقي أحدهما بالآخر، اللهم إلا في أوجه النشاط التي لا تتصل بالحياة الفكرية من قريب، وهكذا قل في كثير جدا من المعاني الرئيسية التي هي محاور الفكر والثقافة.
وأما بالنسبة إلى المجال الثاني، الخاص بمجاوزة الواقع إلى ما وراءه، فللأسف الشديد، أرانا نحتفظ بهذه السمة، ولكننا ننحرف بها عما خلقت من أجله؛ فقد كان الأصل فيها هو أن ننجو بأنفسنا من دنيا الأحداث المتقلبة المتغيرة الزائلة؛ لنلوذ بما هو ثابت وخالد، لكننا جعلنا مجاوزة الواقع إلى ما وراءه في عصرنا هذا؛ فرارا من نظرة العلم إلى سمادير الخرافة، فضاع منا الواقع وما وراءه دفعة واحدة.
Bilinmeyen sayfa