مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني ﵁ وأرضاه:
ــ
قال المؤلف "بسم الله الرحمن الرحيم" لا يخفى أن كل شارع في أمر له حظ من الشرف يضمر ما جعلت التسمية مبدأ له فالشارع في السفر يقدر أسافر بسم الله والشارع في التأليف يقدر أؤلف بسم الله فيكون مضمون الجملة حينئذ أؤلف مستعينا بسم الله وإنما ابتدأ بالبسملة في طالعة كتابه ليكون مقتديا بالكتاب العزيز وممتثلا لقوله ﷺ ابدؤا أموركم ذوات البال ببسم الله "وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" وإنما ثنى بالصلاة على النبي ﷺ طلبا لمزيد الكمال للذات الأحمدية التي هي الواسطة العظمى في كل نعمة ولما ثبت في الخبر أن من صلى على في كتاب لا تزال الملائكة تستغفر له ما دام اسمى في ذلك الكتاب "قال أبو محمد إلخ" هذا كنيته وأما اسمه فهو عبد الله بن أبي زيد القيرواني نسبة إلى القيروان بلد بالمغرب وإنما كنى نفسه مع نهى الشارع عن تزكية النفس قال عز من قائل: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ تحدثا بالنعمة "﵁" أي أنعم عليه "وأرضاه"
1 / 2
الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته وصوره في الأرحام بحكمته وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما ونبه بآثار صنعته وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه فهدى من وفقه بفضله
ــ
بلغه أمنيته حتى يرضى فهو أخص مما قبله "الحمد لله" ولما كانت النعم موجبة لشكر موليها وللقيام بحق مسديها وكان التأليف من أعظمها قال المؤلف لإنشاء الثناء الحمد لله أي الثناء بحميل الصفات مستحق لله "الذي ابتدأ الإنسان بنعمته" أي ابتدأ خلقه بإيجاده تفضلا وإحسانًا منه لا وجوبا عليه "وصوره في الأرحام" الضمير في قوله وصوره يرجع إلى الإنسان وأفرده وإن كان المصور في الأرحام غير واحد مراعاة للفظ الإنسان وخص الإنسان وإن كان غيره كذلك يصور في الرحم لشرفه "وأبرزه إلى رفقه" أي أخرجه من ضيق الرحم إلى رحب الدنيا وأغدق عليه الأرزاق وكمله بالمعارف فالرفق حاصل له في كلا النشأتين نشأته في الأرحام ونشأته في سعة الدنيا "ونبهه بآثار صنعته" أي أيقظ الله الإنسا وجعل له عقلا يستدل به ونصب له الآثار الدالة على باهر الصنعة وكمال القدرة والوجود المطلق وسعة العلم والآثار جمع أثر وهو كل ما يدل على المؤثر كما تقرر عند ذوي العقول ونطق به القرآن الحكيم قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ والآيات هي الآثار الدالة على وجود الصانع "وأعذر إليه على ألسنة المرسلين" أي قطع عذره فلا عذر له بعد إرسال الرسل وإلا لقال لولا أرسلت إلي رسولًا فأتبع آياتك "فهدى من وفقه بفضله" هداه
1 / 3
وأضل من خذله بعدله ويسر المؤمنين لليسرى وشرح صدورهم للذكرى فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين وبقلوبهم مخلصين وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين وتعلموا ما علمهم ووفقوا عند ما حد لهم واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم "أما بعد" أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه
ــ
أرشده وبين له سبيل الخير والشر قال تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ والتوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد بمحض الفضل وضده الخذلان وهو إضلال من خذله بعدله ولا حجر عليه في ذلك لما له من تمام الملك وسعة التصرف ولذا نفى عن نفسه الظالم قال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ والظلم التصرف في ملك الغير كيف ولله ملك السموات والأرض "ويسر المؤمنين لليسرى" أي هيأهم للأعمال الموجبة لسعادة الدارين قال تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ "وشرح صدورهم للذكرى" أي فتح ووسع قلوب المؤمنين للإيمن فهم على نور من ربهم: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ "فأمنوا الخ" أي نطقوا بألسنتهم وأذعنوا بقلوبهم ووقفوا على ما حد لهم من الأعمال فامتثلوا المأمورات واجتنبوا المنهيات واستغنوا بما أحل لهم بالنص عما حرم عليه بالنص "أما بعد" هي فصل الخطاب فهي للفصل بين كلامين "أعاننا الله وإياك" قصد بهذه الجملة إنشاء الدعاء له ولمن حمله على تأليف الرسالة وهو الشيخ محرز بفتح الراء "على رعاية ودائعه" أي حفظ ما أودعه فينا من الجوارح السبعة السمع والبصر واللسان واليدان والرجلان والبطن والفرج وجعلت ودائع تشبيها لها بالودائع من المال
1 / 4
وحفظ ما أودعنا من شرائعه فإنك سألتني أن أكتب لك جملةمختصرة من واجب أمور الديانة مما تنطق به الألسنة وتعتقده القلوب وتعمله الجوارح وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها وشيء من الآداب منها وجل من أصول الفقه وفنونه
ــ
بجامع الحفظ من التلف والضياع فاستعمال الأعضاء المذكورة في غير ما جعلت له ضياع لها واستعمالها فيما جعلت له حفظ لها من الضياع "وحفظ ما أودعنا من شرائعه" الرعاية والحفظ بمعنى فارتكاب التعبير في جانب الأعضاء بالرعاية وفي جانب الشرائع بالحفظ للتفنن ولدفع الثقل الحاصل بالتكرار أو مندوبا وحفظها الجرى على مقتضاها "فإنك سألتني الخ" جواب أما التقدير أما بعد تقديم ما يجب تقديمه منا لثناء على الله والصلاة على رسوله فأقول إنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة "مما تنطق به الألسنة" كالشهادتين "وتعتقده القلوب" كالإيمان "وتعمله الجوارح" كالصلاة والصلاة "وما يتصل بالواجب من ذلك" الإشارة راجعة إلى ما تعمله الجوارح "من السنن" بيان لما يتصل "من مؤكدها الخ" بدل من السنن "وشيء من الآداب" وهي ما يسذكره آخر الكتاب كآداب الأكل والشرب ونحو ذلك "وجمل من أصول الفقه وفنونه" أراد بالأصول أمهات المسائل كمسئلة بيوع الآجال فهي أصل بالفنسبة لما يخرج منها لأنها البيع المتكرر على الوجه المخصوص إن أدى إلى محرم حرم
1 / 5
على مذهب الإمام مالك ابن أنس رحمه الله تعالى وطريقته مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان المتفقهين لما رغبت فيه من تعليم ذلك للوالدان كما تعلمهم حروف القرآن ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله
ــ
وإلا فلا وهذه كلية يخرج منها فروع كثيرة وفرع بالنسبة لما أخذت منه وهو الكتاب والسنة يدل على أن المراد بالأصول أمهات المسائل قوله "وفنونه" جمع فن وهو الفرع فتلخص أن هذه الرسالة في فروع الفقه بالنسبة لأخذها من الكتاب والسنة "على مذهب الإمام مالك" وطريقته متعلق بأكتب وأرد بمذهب الإمام قوله أي رأيه أي الحكم الذي رآه واعتقده وطريقته قول أصحابه وياقل في طريقته ما قيل في مذهبه من أن المراد الحكم الذي رأوه واعتقدوه وليس المراد بالقول اللفظ لأنه ليس حكما ووجه كون رأي أصحابه طريقته إنه لما كان مبنيا على قواعد مصح أن يجعل طريقة له "مع ما سهل" أي سألتني أن تكون هذه الجملة مصاحبة لما سهل أي بين طريق "ما أشكل من ذلك" المذهب "من تفسير الراسخين" بيان لما سهل أي هذا البيان مأخوذ من تفسير الراسخين في العلم "و" من "بيان المتفقهين" من أصحاب الإمام "لما رغبت فيه الخ" الخطاب لمحرز أي لما تعلقت به رغبتك من تعليم ذلك لأولاد المؤمنين كما تعلمهم حروف القرآن "ليسبق إلى قلوبهم" جواب عن سؤال مقدر فكأنه قال له لأي شيء خصصت الأولاد فقال لكي يسبق إلى قلوبهم "من فهم دين الله" وهو دين الإسلام
1 / 6
وشرائعه ما ترجى لهم بركتهوتحمد لهم عاقبته فأجبتك إلى ذلك لما رجوته لنفسي ولك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليه. واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه وأولى ما عني به الناصحون ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها وتنبيههم على معالما لديانة وحدود الشريعة ليراضوا عليها وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم وتعمل به جوارحهم فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفي غضب الله وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في
ــ
"وشرائعه" وهي فروع الشريعة كالصلاة والصوم "فأجحبتك إلى ذلك" أي إلى سؤالك لما رجوت أي طمعت فيه "لنفسي ولك من ثواب" أي جزاء "من علم دين الله " أي الأحكام مطلقًا اعتقادية أو فرعية "أو دعا إليه" أي إلى التعليم "وأولي ما عني به الخ" أي اهتم به الناصحون بعد أداء ما عليهم من الفرائض إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين "وتنبيههم على معالم الديانة" وهي القواعد الدينية "وحدود الشريعة" أي الأحكام العملية "ليراضوا عليها" أي يتمرنوا عليها "فإنه روى الخ" ومعنى الحديث أن تعليم الصغار لكتاب الله يرد العذاب الواقع بإرادة الله وهل عن آبائهم
1 / 7
لحجر وقد مثلت لك من ذلك ما ينتفعون إن شاء الله يحفظه ويشرفون بعلمه ويسعدون باعتقاده والعمل به وقد جاء أن يؤمروا بالصلاة لسبع سنين ويضربوا عليها لعشر ويفرق بينهم في المضاجع فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم وسكنت إليه أنفسهم وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم وقد فرض الله سبحانه على القلب عملًا من الاعتقادات وعلى الجوارح الظاهرة عملًا من الطاعات وسأفصل لك ما شرطت لك ذكره بابًا بابًا
ــ
أو عن معلميهم أو يرد العذاب عموما ذلك فضل الله "وقد جاء الخ" أي ورد في الحديث "ان يؤمروا" أي الصغار بالصلاة لسبع أي أمر ندب "ويضربوا عليها لعشر" والضرب لا يكون مبرحا أي لا يهشم لحما ولا يشين جارحة وهو غير محدود بل يختلف باختلاف الصبيان ومحله إن أفاد فإن الوسيلة إذا لم يترتب عليها المقصد لا تشرع "ويفرق بينهم الخ" التفرقة في المضاجع يكفي فيها أن يكون كل في ثوب وإن كانوا تحت لحاف واحد وعدم التفرقة مكروه ولا فرق في هذا بين الإناث والذكور "وقد فرض الله سبحانه على القلب الخ" كالإيمان وفيه مع قوله: "وعلى الجوارح"
1 / 8
ليقرب من فهم متعلميه إن شاء الله تعالى وإياه نستخير وبه تستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
ــ
مجاز إذ الفرض إنما هو على النفس "وإياه نستخير" أي نطلب منه الخيره أي إن كان فيه خير فيسره لي وإلا فلا "وبه نستعين" أي نطلب منه الإعانة أي الإقدار على فعل الخيرات "ولا حول الخ" أي لا تحول عن معصية الله إلا بعصمته ولا قدرة على الطاعة إلا بإعانته
باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان. ــ "باب ما تنطق الخ" أي هذا باب في بيان الذي تنطق به الألسنة "وتعتقده الأفئدة" أي تجزم به القلوب وقد اشتمل هذا الباب على نحو مائة عقيدة وترجع في التفصيل إلى ثلاثة أقسام قسم فيما يجب لله تعالى وقد أشار له بقوله العالم الخبير إلى قوله الباعث بإخراج الغاية وقسم أشار له فيما يستحيل عليه بقوله لا إله غيره إلى قوله العالم الخبير بإخراج الغاية وقسم فيما يجوز في حقه وقد أشار له بقوله الباعث الخ واستظهر بعضهم أن أول الواجبات أن الله إله واحد لما أن الوجود المفهوم من قوله إله واحد صفة نفسية يجب اعتقادها له "الديانات" جمعها باعتبار المكلفين "من ذلك" أي الواجب "الإيمان بالقلب" أي التصديق بالقلب "والنطق باللسان" أي النطق بالشهادتين.
باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان. ــ "باب ما تنطق الخ" أي هذا باب في بيان الذي تنطق به الألسنة "وتعتقده الأفئدة" أي تجزم به القلوب وقد اشتمل هذا الباب على نحو مائة عقيدة وترجع في التفصيل إلى ثلاثة أقسام قسم فيما يجب لله تعالى وقد أشار له بقوله العالم الخبير إلى قوله الباعث بإخراج الغاية وقسم أشار له فيما يستحيل عليه بقوله لا إله غيره إلى قوله العالم الخبير بإخراج الغاية وقسم فيما يجوز في حقه وقد أشار له بقوله الباعث الخ واستظهر بعضهم أن أول الواجبات أن الله إله واحد لما أن الوجود المفهوم من قوله إله واحد صفة نفسية يجب اعتقادها له "الديانات" جمعها باعتبار المكلفين "من ذلك" أي الواجب "الإيمان بالقلب" أي التصديق بالقلب "والنطق باللسان" أي النطق بالشهادتين.
1 / 9
أن الله إله واحد لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له ولا ولد له ولا والد له ولا صاحبة له ولا شريك له ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء لا يبلغ كنه صفته الواصفون ولا يحيط بأمره المتفكرون يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في مائية ذاته: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
ــ
وظاهره أن الإيمان مركب منهما وظاهر كلامه الآتي أن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح أنه مركب من الثلاثة ونسب للمعتزلة وهذا كله باعتبار جريان الأحكام وإلا فالتصديق وحده ينجي صاحبه من الخلود في النار "أن الله إله واحد" أتى بالاسم الأعظم في كلمة التوحيد تنبيها على أنه هو الذي يقع به الإسلام لا غير فلا يجزي أن تقول لا إله إلا العزيز وغير ذلك من الأسماء "لا إله غيره" تأكيد لقوله إله واحد "ولا شبيه له ولا نظير" هما مترادفان على معنى واحد وهو نفي المماثل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ "ولا صاحبة" أي لا زوجة لأن هذا شأن المحتاج وهو الغني المطلق "ليس لأوليته ابتداء" أي ليس وجوده مفتتحا بأولية فيكون له أول ولا منقضيا بآخرية فيكون له آخر فهو القديم الباقي "لا يبلغ كنه صفته الخ" أي لا تدرك حقيقة صفته وبالأولى حقيقة ذاته "يعتبر الخ" أي يتعظ المتأملون بالعلامات التي نصبها على باهر قدرته "في مائية ذاته" أي لا يتفكرون في حقيقة ذاته لقوله ﵊ تفكروا في مخلوقاته ولا تتفكروا في ذاته " ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ﴾ الخ" أي لم يضق عن السموات
1 / 10
وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ العالم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ وعلى الملك احتوى
ــ
والأرض " ﴿وَلا يَؤُودُهُ﴾ الخ" أي لا يثقله ولا يشق عليه حفظهما مع حفظ ما اشتملا عليه "العالم" أي بجميع الأشياء موجودها ومعدومها قديمها وحادثها واجبها ومستحيلها وجائزها ألا وهو بكل شيء عليم "القدير" صيغة مبالغة في قادر بمعنى أن قدرته كثيرة التعلق الممكنات كما أن سمعه وبصره متعلقان بجميع الموجودات "فوق عرشه" أي فوقية سلطنة وقهر قال تعالى: ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ ﴿تُوَسْوِسُ بِهِ﴾ الخ أي الذي تتحدث به نفسه "وهو أقرب إليه الخ" أي أن الله تعالى أقرب للإنسان من حبل الوريد الذي هو جزء منه وحبل الوريد عرق بباطن العنق ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ﴾ الخ" بزيادة من لتأكيد العموم أي ما تسقط ورقة إلا في حال علمه بها لأن سقوطها بإرادته والإرادة على وفق ما في العلم ﴿فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾ أي في بطونها ﴿وَلا رَطْبٍ﴾ الخ معطوف على ورقة والرطب ما ينبت واليابس ما لا ينبت ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ هو من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله.
ولما سئل عن ذلك الإمام مالك أجاب بأن الاستواء معلوم والكيف مجهول "وعلى الملك احتوى" أي أن الله تعالى محيط بجميع المخلوقات
1 / 11
وله الأسماء الحسنى والصفات العلى لم يزل بجميع صفاته وأسمائه تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته لا خلق من خلقه وتجلى للجبل فصار دكا من جلاله وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد ولا صفة لمخلوق فينفد والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وكل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير
ــ
فلا يخفى عليه منها شيء "وله الأسماء الحسنى" وصفها بالحسنى لدلالتها على أشرف المعاني وأفضلها "والصفات الخ" جمع صفة وهي المعنى القائم بالموصوف كالقدرة والإرادة والعلي جمع العليا تأنيث الأعلى أي المرتفعة عن كل نقض "لم يزل بجميع صفاته الخ" أي لم يزل متصفا بجميع صفاته ومسمى بجميع أسمائه "تعالى أن تكون الخ" أي ليست صفاته مخلوقة ولا أسماؤه "كلم الله موسى" أي ناجاه وأسمعه كلامه القديم "وأن القرآن كلام الله" أي القائم بذاته وذاته لا يقوم بها إلا القديم "فيبيد" بالنصب في جواب النفي وحاصل المعنى أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد أي يفنى ولا صفة لمخلوق فينفد أي يذهب "والإيمان بالقدر خيره وشره" أي ومما يجب اعتقاده أن جميع الأشياء بتقدير الله لا يخرج منها شيء عن إرادته تعالى أن يقع في ملكه إلا ما أراده من خير وشر "وكل ذلك" الإشارة إلى الخير وما ذكر بعده "قد قدره الله ربنا الخ" أي أن تكوين الأشياء وإيجادها من كتم العدم إلى حيز التجلي على أنحاء شتى وأشكال مختلفة من طول وقصر ووقت دون وقت ومكان دون مكان صادر وواقع عن قضائه
1 / 12
الأمور بيده ومصدرها عن قضائه علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به. ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ فيخذله بعدله ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ فيوفقه بفضله فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد أو يكون لأحد عنه غنى أو يكون خالق لشيء إلا هو رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم الباعث الرسل إليهم
ــ
على حسب ما جرى به علمه وتعلقت به مشيئته "علم كل شيء قبل كونه" أي قبل وقوعه فلا يقع إلا على القدر الذي علمه ألا يعلم من خلق "فكل ميسر بتيسيره الخ" أي كل إنسان مهيأ إلى الذي سبق في علم الله من كونه سعيدا أو شقيا وعلى حسب استعداده لأن الله ما خلق الإنسان إلا على ما علمه وما علمه إلا على ما هو عليه فلله الحجة البالغة "تعالى أن يكون الخ" أي تنزه ربنا وجل مجده عن وقوع شيء في ملكه خارج عن تدبيره قاص عن سلطان مشيئته بل الأشياء كلها من عز وذل وغنى وفقر وعمل بر وغير ذلك بإرادته وقهر سلطانه ولا غنى لها عن قيوم السموات والأرض "باعث الرسل الخ" أول الرسل آدم وآخرهم محمد ﷺ أي من الجائز الذي يجب اعتقاده والتصديق به بعثة الرسل إلى من تحققت فيهم شروط
1 / 13
لإقامة الحجة عليهم ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه ﷺ فجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وأنزل عليه كتابه الحكيم.
ــ
التكليف وهي البلوغ والعقل وبلوغ الدعوة "لإقامة الحجة الخ" بيان لحكمة البعثة وهي قطع العذر وإلا لقالوا: ﴿لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا﴾ "ثم ختم الرسالة" الرسالة كون المرسل موحى إليه بشرع ومأمورا بتبليغه "والنذارة" هي التحذير من السوء "والنبوة" مأخوذة من النبأ وهو الخبر لأن النبي مخبر عن الله "بمحمد نبيه الخ" ولما كانت رسالة نبينا محمد ﷺ ونذارته ونبوته مانعة من ظهور نبوة ورسالة بعدها شبهت بالخاتم على سبيل المكنية والجامع المنع فكما أن رسالته مانعة من ظهور رسالة بعدها كذلك الخاتم يمنع من ظهور ما ختم عليه وذلك باعتبار أثر الآلة وختم قرينة المكنية "فجعله آخر المرسلين" أي صير الله نبينا محمدا ﷺ آخر المرسلين ﴿بَشِيرًا﴾ من البشارة بالكسر للباء وهي إذا أطلقت لا تكون إلا بالخير وإذا قيدت جاز أن تكون بالشر كقوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ " ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ الخ" الدعاء إلى الله تبليغ التوحيد إلى المكلفين ومكافحة الكفرة أي ردهم ﴿وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ أي ذا سراج منير وإنما كان شرعه سراجا منيرا يهتدي به الحائر لأن من اتبعه وسلك طريقه القويم يخرج به من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان "وأنزل عليه كتابا" أي ومما يجب اعتقاده والتصديق به ويكفر جاحده أن الله أنزل على نبيه محمد ﷺ
1 / 14
وشرح به دينه القويم وهدى به الصراط المستقيم وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من يموت كما بدأهم يعودون وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات وغفر لهم
ــ
كتابا محكما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه "وشرح به دينه الخ" أي أن الله فتح ووسع بنبيه محمد ﷺ: دين الإسلام "القويم" أي المستقيم والمراد لازم ذلك وهو إظهار الأحكام وبيانها على لسان نبيه وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين للناس مانزل إليهم "وهدى به الصراط الخ" أي هدى بمحمد ﷺ فهو شمس المعارف ومصدر الرشاد وعين اليقين وكفانا شرفا ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ " ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ﴾ الخ " أي ومما يجب اعتقاده والتصديق به ويكفر جاحده أن الساعة آتية من الإتيان وهو المجيء ووقت مجيئها موكول إلى علام الغيوب ﴿لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ ﴿وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ ومما يجب اعتقاده أن الله يبعث الأموات أي ينشئهم بعد موتهم إلى الحشر ولا خلاف في هذا بين المسلمين وإنما الخلاف هل إنشاؤهم عن عدم للذوات بالكلية أو عن تفريق استدل كل فريق منهم على مدعاه "وأن الله سبحانه الخ" ومما يجب اعتقاده أن الله يضاعف الحسنات لعباده المؤمنين بقدر الإخلاص وعلى حسب درجات الخشوع فالتضعيف يرتقي من عشر إلى سبعمائة بل إلى غاية عظيمة فقد أخرج الإمام أحمد أن الله يضاعف الحسنة إلى ألف ألف والمراد مضاعفة جزائها والحسنة ما يحمد عليها شرعا عكس السيئة وهي ما يذم عليها شرعا "وصفح لهم الخ" مما تفضل به المبدأ الفياض على عباده المؤمنين أن من
1 / 15
الصغائر باجتناب الكبائر وجعل من لم يتب من الكبائر صائرا إلى مشيئته ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ومن عاقبه بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ويخرج منها بشفاعة النبي ﷺ من شفع له من أهل الكبائر من
ــ
اقترف منهم شيئا من كبائر السيئات ثم تاب وأصلح أنه يتجاوز عنه ويعفو على سبيل الفضل والكرم وأما الصغائر فتكفر باجتناب الكبائر "وجعل من لم يتب الخ" أي أن من اقترف شيئا من كبائر السيئات من المؤمنين ومات غير تائب فأمره موكول إلى مشيئة الله إن شاء عفا عنه فضلا وإن شاء عاقبه عدلا ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ "ومن عاقبه الله بناره الخ" أي ومما يجب التصديق به أن عصاة المؤمنين إن أراد الله تعذيبهم في دار العقاب يكون العقاب بقدر ما جنوا على أنفسهم من السيئات ثم تتغمدهم الرحمة فيخرجون من دار العقاب إلى دار السلام ولا يخلد في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فالإيمان سبب في عدم الخلود في النار وسبب في دخول الجنة إلا أن مسببية الإيمان في دخول الجنة مع عفو الله ورحمته ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ "ويخرج منها الخ" أي ومما يجب التصديق به ثبوت الشفاعة لنبينا محمد ﷺ ولغيره أيضا وإنما خصه بالذكر لكونه أول شافع فيخرج من النار بشفاعة نبينا من كان من أهل الكبائر من أمته الموحدين وأنكرت المعتزلة الشفاعة بناء على عدم تجويز الصفح والعفو عن الذنوب ولكنا راعينا الأدلة السمعية وهم
1 / 16
أمته وأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته وأن الله ﵎ يجيء يوم القيامة والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابها وعقوبتها وثوابها
ــ
تمسكوا بالأدلة العقلية والسمع أجلى وأنور "وأن الله سبحانه الخ" أي أن الله خلق الجنة وأعدها دار خلود واستقرار حياة لعباده المؤمنين لا كد فيها ولا نصب بل هم في شغل فاكهون وبالنظر إلى وجه ربهم متنعمون "وخلق النار الخ" يعني أن الله خلق النار وأعدها دار خلود ومقر عقاب مؤبد لمن كفر به وألحد وزاغ عن الأدلة الدالة على وجود الصانع ووحدانيته وأنكر كتبه المنزلة ورسله المرسلة فهم في مقت الكفر مقيمون وعن رؤية ربهم يومئذ محجوبون "وأن الله تبارك الخ" قد ثبت في السمع أن الله يجيء يوم القيامة والملك صفا صفا ولا يسعنا إلا التصديق بذلك ونكل علمه إلى صاحب الشرع وكان مالك وغيره يقول في هذه الآية وأمثالها اقرؤوها كما جاءت بلا كيف أي اقرؤوها وأحيلوا ظاهرها فلا تشبهوه بخلقه "لعرض الأمم الخ" متعلق بيجيء يعني أن جميع الأمم تعرض للنظر في أحوالها والحساب على أعمالها وهو أن يعدد على من أحضر
1 / 17
وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ويؤتون صحائفهم بأعمالهم فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولئك يصلون سعيرا وأن الصراط حق
ــ
للحساب كل ما فعل من حسنة ومن سيئة فيحاسب المؤمن بالفضل والمنافق والكافر بالحجة والعدل فالمؤمن يخلو بربه فيقول الله ﷾ له: "سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك يوم القيامة" والكافرون يحاسبون على رؤوس الأشهاد وينادى بهم ﴿هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ " وتوضع الموازين الخ" أي تنصب الموازين لإظهار العدل ﴿فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾ يأتي بها الله يوم القيامة ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ فهو المفلح الذي فاز بالسعادة التي لا شقاء بعدها ومن خفت موازينه فهو الشقي الذي شقي شقاء لا سعادة بعده "ويؤتون صحائفهم الخ" يعني أن الأمم يؤتون صحائفهم جمع صحيفة وهي كتب أعمالهم فإذا أعطوها يخلق الله تعالى فيهم علما ضروريا فيفهمون ما فيها فمن أوتي كتابه بيمينه كان ذلك دليلا على أنه من أهل اليمين والسعادة ومن أوتي كتابه بشماله كان ذلك دليلا على أنه من أهل الشقاء وأهل الشمال وكان الأولى للمؤلف أن يقدم قوله ويؤتون الصحف على الوزن لأن الوزن بعد الحساب والحساب بعد أخذ الصحف "وأن الصراط حق" وفي وصفه كلام طويل قيل إنه أدق من الشعرة وأحد من السيف وهو ما يفيده ظاهر الحديث وذهب إليه كثير وخالف في ذلك القرافي قائلا لم يصح في الصراط أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف والذي صح أنه عريض وفيه طريقان يمنى ويسرى
1 / 18
يجوزه العباد بقدر أعمالهم فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم والإيمان بحوض رسول الله ﷺ ترده أمته لا يظمأ من شرب منه ويذاد عنه من بدل وغير وأن الإيمان قول باللسان
ــ
فأهل السعادة يسلك بهم ذات اليمين وأهل الشقاوة ذات الشمال وفيه طاقات كل طاقة تنفذ إلى طبقة من طبقات جهنم وجهنم بين الخلائق وبين الجنة والصراط منصوب على متن جهنم فلا يدخل أحد الجنة حتى يمر على جهنم "يجوزه العباد الخ" أي أن مرور الخلائق على الصراط يتفاوت بحسب تفاوتهم في الأعمال والإعراض عن حرمات الله فمنهم من يمر كالبرق ومنهم ناج مسلم أي من خدش الكلاليب ومنهم مخدوش مرسل أي تخدشه الكلاليب ثم يطلق منها ومكدوش في نار جهنم أي مدفوع إليها "والإيمان بحوض الخ" ومما يجب اعتقاده وجود حوض رسول الله ﷺ "ويذاد عنه من غير وبدل" أي يطرد ويبعد من غير وبدل كالمرتدين وترده أمته أي أتباعه الذين اتبعوه بإحسان حين خروجهم من قبورهم عطاشا فيشربون منه فمن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا "وأن الإيمان الخ" فمن نطق بالشهادتين وأذعن بقلبه بصدق الرسول بما جاء به وعمل بأحكام الشريعة كالصلاة والصوم كان مؤمنا وإن لم يعتقد أن الإيمان مجموع هذه الثلاثة وإن أوهم ذلك كلام المصنف لعطفه على ما يجب اعتقاده لأن الإجماع على أن من آمن بقلبه ونطق بلسانه وعمل بجوارحه فهو مؤمن وإن لم يعتقد أن الإيمان مجموع
1 / 19
وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصها فيكون فيها النقص وبها الزيادة ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل ولا قول وعمل إلا بنية ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة وأنه لا يكفر أحد بذنب
ــ
هذه الثلاثة وإنما ذكرها توطئة لقوله: "يزيد" أي الإيمان من حيث هو ب سبب "زيادة الأعمال وينقص بـ" سبب "نقص الأعمال فيكون فيها" أي الأعمال "النقص وبها الزيادة" ما ذكره من زيادة الإيمان ونقصانه باعتبار الثمرات هو مذهب جماعة من سلف الأمة خلفها وهو آخر قول مالك ﵁ وكان أولا يقول يزيد ولا ينقص وإطلاق اسم الإيمان على الأعمال متفق عليه قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أي صلاتكم جهة بيت المقدس "ولا يكمل قول الخ" فمدار الأقوال والأعمال على النيات فالنية هي المحور الذي تدور عليه الأعمال وتقفو أثره فينبغي للإنسان أن لا يدور عمله إلا على السنة المطهرة والشرع القويم الذي أتى به خير بشير ونذير ويسلك طريقة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين "وأنه لا يكفر أحد الخ" ومما يجب التصديق به أن من كان من أهل القبلة أي الإسلام وارتكب من الذنوب ما لا يخل بالإيمان كمن يفعل المعاصي غير مستحل لها ويعتقد أن الشرع يمنعه منها وأما من فعل ما يخل بالإيمان كإلقاء مصحف بقذر فهو مرتد وليس كلامنا فيه وفي الحديث من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو مؤمن حقا وألحد الخوارج حيث قالوا كل ذنب كبيرة وكل كبيرة محبطة للعمل ومرتكبها كافر
وقال المعتزلة كل كبيرة محبطة للعمل ومرتكبها له منزلة بين منزلتين لا يسمى مؤمنا ولا كافرا وإنما
1 / 20
من أهل القبلة وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وأرواح أهل السعادة باقية
ناعمة إلى يوم يبعثون وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدين وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ
ــ
يقال له فاسق "وأن الشهداء الخ" ومما يجب التصديق به أن الشهداء جمع شهيد وهو من قاتل الكفار وقتل في طريق إعلاء كلمة الله "أحياء" منعمون فرحين لما أعطوا من المزايا منها الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة ومنها أنهم يتوجون بتاج الكرامة يوم القيامة "وأرواح" أهل "السعادة الخ" أي أن أرواح السعداء باقية منعمة إلى يوم القيامة برؤيتها لمقعدها في الجنة إذ قد ورد إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي "وأرواح أهل الشقاوة" وهم الكفار معذبة برؤيتها لمقعدها في النار وغير ذلك من أنواع العذاب "إلى يوم الدين" أي يوم القيامة "وأن المؤمنين الخ" المراد سؤال الملكين أي أن الميت إذا وضع في قبره وانصرف الناس عنه يأتي إليه ملكان ويجلسان ويقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك أما المؤمن فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد فيوسع له في قبره وأما الكافر إذا أدخل في قبره أجلس وقيل له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول لا أدري فيضرب بمطراق من حديد ضربة فيصيح منها صيحة يسمعها الخلائق إلا الثقلين وورد أن ضغطة القبر وهي التقاء حافتيه على جسد الميت لم ينج منها أحد إلا من استثناهم النبي ﷺ ومنهم فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب ﵁ ببركة نزول النبي
1 / 21