كالكوكب الدري أخلص ضوءه
حلك الدجى حتى تألق وانجلى
قال الفيلسوف باكون: «الأمل يطيل الحياة إذا لم يكن مخلوفا في كل حادثة.» على أنه مثل الجلد إذا كنت في حال لا يتسع لها قدره أمكنك أن تطيله، وهو مثل الحبل الذي يربط السفينة إلى جانب المرفأ، والنجم الذي يهتدي به السائح، والأثر الذي يقفوه العربي، والسراب الخلوب، والدرع الحصين.
ويقول العامة: إن أولاد يعقوب لما رموا أخاهم السيد يوسف في الجب بعث الله له ملكا من الملائكة الكرام يتلقاه في أسفل الجب، وإني لأحسب أن ذلك الملك هو الأمل.
لم يجتمع في شيء من الأضداد ما اجتمع في الأمل، فهو جليل حقير، كبير صغير، قوي ضعيف، قادر عاجز، بل هو الطبيب الذي عنده لكل داء دواء، بل هو الحديقة التي تنبت أنواعا شتى من الأزهار والفواكه، بل هو البرق في السحاب، بل هو مقذاف في يد الغريق، والأمل مثل حجر الفيلسوف الذي يغير عناصر الأشياء، فإذا مس الحديد صار ذهبا، وكذلك الأمل إذا مس الشقاء جعله نعيما، وهو مثل المصباح ذي الدهن المعجون بالطيب يبعث نورا يستضيء به العقل، وحرا تصطلي به الضلوع الباردة من اليأس، ورائحة زكية تسري في أنف الناشق التعب، فكأنها أنفاس المسيح التي كان يحيي بها الموتى.
ولكن خليقا بالمرء أن يحذر الأمل من حيث يأمنه؛ لأنه إذا علق آماله بالمستحيل كان مثل الرجل الذي بنى بيتا على أساس ضعيف، فلما احتواه البيت تهدم فوقه فصار قبره.
على أن تأثير اليأس في النفوس يختلف حسب اختلاف طبائعها، فإنه يبعث الألم والشقاء في بعضها ويبعث الراحة والكسل في بعض.
إن بعض الناس ينصب لنفسه الأماني وهو يعرف أنها علالة، حتى إذا أخذت بلبه خادع نفسه، وجعل يتطلب تحقيقها ويذل عقله لسلطانها، فهو في هذه الحال مثل الوثني الذي ينصب صنما من عمله ثم يعيده، أو كالأمة التي تضع فوقها ملكا من صنعها حتى إذا استبد وطغى استذلت أنفسها له زاعمة أن له حق الاستبداد بها. على أنه لو لم يكن في الأماني إلا أنها إذا تعلل بها المرء الذي نزل به الشقاء خلقت لشقائه أجنحة يطير بها، لكفاها ذلك مقرظا لها.
إن الإنسان ليستضيف الشقاء بأن يأمل السعادة الكاملة؛ لأن مساعيه المهزومة تفتح عليه أبوابا وتجلب إليه ضروبا من الهموم، وإن رجاء المرء السعادة الكاملة مثل رجاء الغلام أن يقفز فوق ظله إذا رآه منبسطا أمامه.
على أن سعادة الإنسان موقوفة على سياسة الإنسان للأحوال التي تحوطه، قال أنطونينس: «إذا أردت أن تعيش سعيدا فكن أكثر شبها بالمصارع منك بالراقص، فإن ثبات الأول ينفعك من حيث تضرك خفة الثاني ورشاقة وقفته.» ولكني أقول: إن المرء في حاجة إلى الوقفتين - وقفة المصارع ووقفة الراقص - فينبغي له أن يتعرف الحال التي هو فيها ثم يلتمس الوقفة التي تنصره عليها.
Bilinmeyen sayfa