وقال قوم من المتصوفة: إن الكسب حرام، وهو خطأ وهو مخالف لأدلة العقل والسمع، لا يقال إن ذلك يؤدي إلى معاونة الظلمة بأخذ الجنايات؛ لأنه لم يرد ذلك، ولو لزم هذا لزم أن لا يزرع أرض ولا يملك ماشية خوفا من الظلمة والسباع، وهذا خارج بالإجماع .لا يقال: قد اختلط الحلال بالحرام فلا يأمن بواقع الحرام؛ لأنه ما كلف إلا ما يطيق من البعد عمن في يده الحرام، والظاهر من أمواله ذلك، وهذا مسألة لها تعلق بعلم الفقه، وعلم الكلام.
الثمرة الثانية : تعلق لقوله تعالى:{فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم}
أي : أنهم لا يرضون بمشاركة مماليكهم فيما ملكت أيمانهم، وفي هذا إشارة إلى أنه لا تجب المساواة بينهم وبين مماليكهم لأنه تعالى ذكر ذلك عقيب خبره تعالى بالتفضيل في الرزق، وإن من عادة المالكين أنهم لا يرضون بالمشاركة، ولم يمنعهم من ذلك، ولكن المشاركة والمساواة مستحبة.
قال جار الله -رحمه الله-: ويحكى أنه لما سمع أبو ذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تأكلون)) فما روي عنده بعد ذلك إلا وردائه كردائه وإزاره كإزاره من غير تفاوت.
وقيل: إنه -عليه السلام- قال هذا لقوم عادتهم الخشن وفي ذلك بعد؛ لأنه أراد أن لا يحصوهم بالأدنى.
قال الحاكم: واستدل بعضهم بهذه الآية أن العبد لا يملك من حيث لقي رد الرزق عليه.
قال القاضي: لا دليل فيها؛ لأن في الآية أنه لا يرد الرزق عليه، وليس فيها أنه إذا رد لم يصح وسيأتي زيادة في هذا الحكم.
قوله تعالى:
{ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا}
هذا تمثيل لحال الكفار في إشراكهم لله تعالى بعبادة الأوثان، بمن سوى بين العبد الذي لا يقدر على شيء وبين الحر الذي رزقه الله رزقا حسنا.
Sayfa 125