Üç Erkek ve Bir Kadın
ثلاثة رجال وامرأة
Türler
فقالت محاسن، قبل أن تستطيع كبح لسانها: كلا، إنه لا يشبه ما أتخيل، فالرجل الذي أراه في أحلامي - أحلام اليقظة - طويل عريض الكتفين، متين البنيان، أسمر اللون، حسن الصورة، وذقنه فيها نقرة صغيرة، وهو مرهوب البأس، ولكنه رقيق القلب، عطوف على الضعفاء، ولا يهاب شيئا، وهو مرح، يقهقه حين يضحك، ولكن في صوته نبرة حزن؛ لأنه قاسى في حياته شدائد وذاق آلاما.
وأمسكت فجأة، فقد كانت كأنها تتكلم وهي نائمة.
فقالت فريدة: أنا لن أرضى عن حبيبي هذا إلا إذا كان حسن الهندام؛ فإني أكره الرجل الذي يهمل مظهره، ويترك شعره يطول أو لحيته تنبت، ولا يكوي ملابسه، وعندي أن الرجل ينبغي أن يعنى بثيابه كالمرأة.
فقالت محاسن: حسبنا أحلاما.
ولما قابلت نسيما في ليلتها خجلت؛ فما كان فيه شيء من صفة الحبيب الذي تتخيله وتحلم به.
الفصل الرابع
1
ألحت على محاسن صورة الحبيب المتخيل، بعد حديثها مع جارتها، وكانت قبل ذلك سابحة على متن التيار، وهي في شاغل من شئون البيت، ومشقة التدبير، والسخط على أبيها، واستهجان سيرته مع صاحبته، وإشفاقها على أمها، وما جرت عليها علاقتها بالأستاذ حليم، وما احتاجت إليه من كسب الرزق بعرق الجبين. وكان مما ساعدها على الانصراف عن التخيل أنها وطنت نفسها على الرضى بالعزوبة والسكون إليها بعد تلك التجربة الأليمة التي جرها عليها سوء حظها، وكانت تعود كل ليلة إلى بيتها مهدودة القوى، وإن كان عملها في الشركة قبل فصلها منها كان هينا، لأنها لم تألف العمل، ومواعيده المنتظمة التي لا تختلف في صباح أو مساء، فكانت تضطرب إذا فاتها ترام، وتشفق أن تتأخر ولو دقيقة واحدة، فمشيها أشبه بالهرولة، وأعصابها لا تهدأ، وقلبها لا يكف عن الخفقان، وكانت إذا انقضى اليوم بسلام وبلغت بيتها تتشهد، ولا تكاد تنطرح على الفراش حتى يأخذها النوم، فإذا حلمت لم تر إلا المدير المرهوب أو الوالد الأخرق وإلا صورا لا تطيب من البأساء والضراء.
وجاء نسيم، فطاب العيش، واستراحت من العمل، ولكن الزواج ظل لا يجري لها في خاطر؛ لما وقر في نفسها، حتى فتح لها الأستاذ حليم عينها ونشر المطوي من الأمل، وعرفها أن ما كانت تظنه مستحيلا قريب المنال، وأنه ما من معضل إلا وله حل ما، فتهيأت نفسها تهيؤا جديدا، وعادت الأرض التي أصارها الإهمال والترك مواتا وجمادا كنودا، حرة جيدة التربة مرجوة الريع، ثم كان حديث الجارة فريدة، وقد تلقته أول الأمر بالامتعاض مما ينطوي عليه من تطلع، ثم ما لبث على قصره أن أيقظ خيالها الذي كان قد بدأ يتقلب ويتنبه؛ فطافت برأسها، فجأة، تلك الصورة لما كانت - في قرارة نفسها وأطواء ضميرها المحجوب عن ناظرها أو إدراكها، بما هي فيه من الهم والكرب - تشتهي أن يكون عليه الحبيب.
وصارت، بعد ذلك، في غدوها ورواحها مع نسيم، لا تزال تنقل عينها منه وتديرها في قلبها، وتقيس الحقيقة الإنسانية الماثلة أمامها في صورة حية من اللحم والدم، إلى الصورة التي كانت مكنونة في أصداف من لأواء العيش، فشق عنها وبرزت، وأخذت معارفها تتجسد، وألوانها تتبدى وتعمق، وسماتها تنجلي، وكثر على الأيام تأملها لها، وطالت إجالة العين فيها، حتى صار يخيل إليها أنها تنظر إلى رسم بارز أو مجسم، وألفت - شيئا فشيئا - أن يرف لها قلبها، ويفتر لها ثغرها، وترق لها نظرة عينها وتلين، وأن تناجيها في خلوتها، وتحاورها، وتنشئ معها أحاديث تفيض عذوبة وحلاوة، وتتخيل لقاءها مع صاحبها، في الحقيقة، على أشكال شتى وفي أماكن عدة، وفي ضروب من الثياب متعددة الألوان، متفاوتة الوشي والتفصيل، مختلفة النسيج، وكانت ربما فتنتها هذه الصور التي تتعاقب على عينها، وهي مع نسيم، فتشرد نظرتها وتشخص وقد ثبت حملاقها، فتبدو له كأنها قد نأت عنه وهي إلى جانبه، وغابت وهي قيد لحظه، فيتعجب، ويحمل هذا منها على محمل الرضى بما هي فيه، ويؤوله أحيانا بأنه هو سهوم الحب، ويتساءل: حب من يا ترى؟ حبه هو؟ أم حب سواه؟ ومن يكون سواه هذا وما يعرف أنها تلتقي بغيره، ولا عهد منها إلا الصدق والصراحة في إطلاعه على أحوالها وأمورها جميعا؟
Bilinmeyen sayfa