Üç Erkek ve Bir Kadın
ثلاثة رجال وامرأة
Türler
ودار في نفسه أن لو كان هو أصغر سنا، وغير ذي زوجة وولد ... لماذا قسم له أن تكون زوجته مستعصية عنيدة؟ لقد كان يحبها، وما زال غير كاره لها، وما انفك مستعدا أن يصل ما انقطع، ويستأنف ما مضى، وصار كأنه من أخبار القرون الأولى، ولكن هيهات! وسيظل ولا معاذ له غير خياله وأحلامه، وإنها لأطيب من الواقع؛ فإن الحقيقة محدودة بحدود الطاقة التي لا سبيل إلى مغالطة النفس أو الغير فيها، وما يستفاد منها من المتعة ينقصه - وكثيرا ما ينغصه - ما تخطئه ولا تجده عند شريكك مما تطمع فيه، وتتطلع إليه، ولعلك كنت تحلم به. أما في الخيال فإنك تتصور ما شئت كيف شئت، على هواك، وتنحل نفسك من الطاقة ما حلا لك، وليس للمرء سلطان على الأحلام، ولكن الراسب فيما وراء الوعي يطفو فيها، والكامن يبرز، ويتمثل ويتجسد، وتتألف منه صور بعضها مما يشتهى، ففيها قدر من العوض عما حرمه بسوء حظه.
وحدث الأستاذ حليم نفسه أن أكبر ظنه أنه لطول ما عاش بين خيالاته وأحلامه، خليق أن لا يرضى عن الحقيقة لو تيسرت له، فإنها لن تكون إلا دون ما يرتسم في ذهنه من الصور، ثم راجع نفسه وقال: إن هذا شأن كل إنسان، فما من إنسان إلا وهو يحلم ويتخيل، إلا أن يكون بليدا مغلق النفس؟ وما من أحد إلا وهو يدرك - إلى حد ما - بعد ما بين الحقيقة والخيال، وبعض الناس لا يبالي هذا الفرق، ولا تعنيه إلا الحقيقة وما يفيد منها، والبعض يلوذ بخياله ليسد له النقص ويعوض ما فاته، وهؤلاء مساكين؛ فإنهم إذا لجوا في التخيل أو لجت بهم الحاجة إليه، كانوا خلقاء أن يتبرموا بالحياة ويتسخطوا حظهم ويستقلوا نصيبهم من خيرها، وأشقى الناس من كانوا مثله؛ قد سلبوا الحقيقة كلها وحرموها أجمعها، ولم يبق لهم من مسعف سوى هذا الخيال، وإنه ليسعف ولكنه لا يرضي ولا يقنع، وما تزداد به النفس إلا اشتهاء لما عز مناله، ولا تزداد به الأعصاب إلا تعبا وإعياء، ولا تزداد به الطبيعة إلا تشويها ومسخا.
ورثى الأستاذ حليم لنفسه، وتنهد، وأحس أنه مشف على البكاء، ثم كبح نفسه واستحى أن يتلقى - حتى فيما بينه وبين نفسه - ما تجيء به الحياة بغير الصبر والجلد، وقال إن له أسوة حسنة فيمن يعيشون رهبانا وزهادا؛ ثم عاد يقول: إن هؤلاء لا يكون حالهم خيرا من حالي إذا كانوا قد حملوا على الزهادة، أما إذا كانت الزهادة عن رأي أو عقيدة فذاك حري أن يعينهم على الاحتمال، ويشغلهم ويصرفهم عما أشاحوا عنه، ثم هز رأسه وقال: ومع ذلك ما أظن بهم إلا أنهم يحتاجون إلى رياضة شاقة طويلة، بل دائمة، وإلى التلهي عما تركوا - إي نعم، التلهي - بالعكوف على ما انقطعوا له، وتساءل: أترى لا تخايلهم صور ما زهدوا فيه؟! لا بد أنها تلوح لهم أحيانا فتقض مضاجعهم وتؤرق جفونهم، وكيف يستقيم بال من يخالف آيين الحياة؟!
وسندعه لخواطره هذه؛ فما لها انتهاء، وإنه ليتفرج ويذهب بها هنا وهناك، ثم يكر إلى رأس أمره، ولا حيلة له يعرفها، ولا مخرج يهتدي إليه، إلا أن يتخذ خليلة، وقد خطر له هذا مرارا فنحاه، واستعاذ بالله منه، واستبشع أن يطوف برأسه، وحدث نفسه أنه حتى لو كانت نفسه تطاوعه لما عرف الوسيلة، وضحك وقال: ثم إن الخليلة تكلف مالا، يفتح الله يا سيدي؛ الأحلام أرخص.
6
كانت أعمال «المستشارة» هينة طفيفة، لا تأخذ من وقتها إلا قدر ما يضيع من وقت المترفات المنعمات في المنازه والمطاعم ودور السينما؛ فهي في بيتها معظم النهار إلا إذا دعاها إلى الغداء، ثم تلقاه فيتنزهان ساعة، أو يدخلان ملعبا، أو ينتحيان ناحية في «جروبي» أو «صولت» وما ماثلهما، ويتعشيان في الأغلب ويفترقان.
وكان معها على ما عودها من الحذلقة الظريفة، واللطف والتحفي في غير مبالغة، ودون تكلف للتودد، وكان مرتبها عشرة جنيهات غير ما تحتاج إليه لثيابها وزينتها، وقد اعترضت على هذا وقالت إنها لا تستحق منه قرشا، وإنه يعودها البذخ، فماذا عساها تصنع إذا فقدت وظيفتها الجديدة؟!
فقال لها: تعالي نتفاهم؛ فإني أراك تجورين علي، وتوسعين نطاق حقوقك، وتعتدين بذلك على حقوقي، نعم، فإن عمل المستشار هو أن يشير لا أن يعترض، والاعتراض هو عملي أنا، ويجب أن يعرف كل منا وظيفته ويقف عند حدودها، فإني أخشى أن تتداخل الحدود ويختلط الأمر، ويضطرب الحال، وقد عرضت عليك وظيفة مستشار، وقبلت، ففرغنا من هذا، وأنا أقر وأعترف أن المرتب قليل، بل ضئيل، إذا قيس إلى الجهد المضني الذي تبذلينه، وإنها لمروءة منك أن ترضي به، وستتسع أعمالنا وتعظم بفضلك، فيتسنى حينئذ أن نجزيك التجزية العادلة ...
فقاطعته ضاحكة: أنا أقول إنه كثير، فتعتذر لي من قلته كأني كنت ...
فقال: آه! اختلاف رأي، فلنبق مختلفين إذا شئت؛ فإن رقي العالم لا يتيسر إذا كان الناس كالنسخ العديدة من صحيفة أو كتاب؛ فخلك على رأيك في الاستكثار، وسأبقى على رأيي في الاستقلال، وكلما لاحت فرصة تجادلنا، ومن يدري؟! لعلنا نتفق آخر الأمر، ربما ...
Bilinmeyen sayfa