كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين...
[البقرة: 180] قلت، الوصية للوالدين كانت واجبة. ثم نسخت بالميراث، وكذا القرابة الوارثون فلا يصح تأويل كتب باستحب ولا حجة أيضا فى قراءة ابن مسعود، ألا يطوف لأنها شاذة مخالفة للجمهور، لفظا وعملا، بل لم نر من عمل بها، فيقرب تأويلها بزيادة لا، ولنا الحديث دليل للوجوب، ولا دليل للشافعى ومالك على أنه ركن يبطل الحج بتركه، ولا يقال، تم الكلام فى جناح واستنأنف أن عليه التطوف، لأنه لا يتوهم أحد أن فى الحج والعمرة جناحا إلا أن يقال إنهم توهموا الجناح فى الحج والعمرة، لأن فيهما الطواف بين محلى الصنمين { ومن تطوع خيرا } عالج الطاعة بفعل فرض أو سنة، أو نفل من حج أو عمرة أو طواف، أو صلاة، أو غير ذلك، وذلك أصل التطوع فى اللغة، وأما تخصيصه بالنفل فهو فى عرف الاصطلاح، قيل، والشرع، وكأنه قيل، ومن فعل خيرا، أو زاد خيرا أو تطوع بخير، وليس المراد من تطوع بالطواف بينهما، كما قيل لأحاديث وجوبه { فإن الله شاكر } أى يثيبه ثوابا عظيما، أو مثن عليه عند الملائكة، لأن الله شاكر، أو هذه علة وبرهان عظيم، أو من تطوع خيرا فإن الله شاكره، أى مثيبه أو مثن عليه فى ملأ خير من ملئه وفى التعبير بشكره تعالى له من الإثابة أو الإثناء مبالغة { عليم } بتطوعه وبكل شىء، أو بكل شىء، فيكون برهانا للعلم بتطوعه.
[2.159]
{ إن الذين يكتمون } من اليهود والنصارى بالمحو، أو بتبديل غيره به، أو بتفسيره بغير معناه، أو إخفاء لفظه، أو محله عن الناس، والكتم ترك إظهار الشىء قصدا مع مسيس الحاجة إليه، وذلك بمجرد إخفائه أو بإزالته، ووضع لشىء آخر موضعه، واليهود لعنهم الله مرتكبون للأمرين { ما أنزلنا من البينت والهدى } الآيات الدالات على الرجم، ونعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سماهن آيات، لأنهن دلائل هدى، وسماهن، لأنه يوصل بهن إلى المقصود، وقيل الهدى الدلائل العقلية كقوله تعالى
قدر فهدى
[الأعلى: 3] ولا يأباه الإنزال والكتم، لأن العطف حينئذ عل مالا على البينات، ولا مانع من أن يظهر الحجة العقلية لإنسان ويكتمها، إلا أنه خلاف المتبادر { من بعد ما بينه للناس } الكاتمين وغيرهم { في الكتب } التوراة والإنجيل، وقيل التوراة وغيرها ملحق بها، وهو أولى، لأن سبب النزول اليهود، وقيل القرآن، وعليه فالناس أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وبيناه أوضحناه فيه، بحيث يكون متبينا لكل من رآه أو سمعه، المشهورون بالكتمان اليهود، وهم سبب النزول.
سأل معاذ بن جبل، وسعد بن معاذ، وخارجة بن زيد نفرا من أحبار اليهود عن بعض ما فى التوراة، فكتموا، فنزلت، وقيل: نزلت فى الكاتمين من اليهود والنصارى، إلا أن خصوص السبب لا يدفع عموم الحكم، فالآية تعم من كتم من أهل التوحيد ما لا يجوز له كتمة من أمر الدين.
قال أبو هريرة لولا هذه الآية ما حدثت أحدا بشىء، وعنه صلى الله عليه وسلم:
" من سئل عن علم فكتمه جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار "
، وذلك شامل للنساء لا يحل لهن الكتم ولا يعذر المسئول بل يكفر إلا إن علم أنه إن لم يجب سئل غيره وأجاب { أولئك يلعنهم الله } يبعدهم عن رحمته، ويذيقهم العذاب، مقتضى الظاهر أولئك نلعنهم ويلعنهم اللاعنون بالنون، إلا أنه بالياء، ولفظ الجلالة تفخيما للحكم، يبعدهم الله عن رحمته أو يذمهم للملائكة، وفى اللوح المحفوظ { ويلعنهم اللعنون } أى يتلفظون بلعنهم، كل وكلامه، حتى الجمادات، وقد علم الله تسبيحها، أو يدعون بإبعادهم عن الرحمة، وتلعنهم أجسامهم وأجسام غيرهم من الكفرة والمسلمين، وقيل الملائكة والثقلان، وقال ابن عباس: غير الثقلين، وقال عطاء: الثقلان، وقال مجاهد: البهائم حتى العقارب والخنافس إذا أقحطت بذنوب بنى آدم، فجمع السلامة للمذكر تنزيل لها منزلة ما قل إذا دعت، أو تعد من العقلاء إذ ذاك.
Bilinmeyen sayfa