، أعنى المحاريب، وسميت مذابح لأنها على صورة بناء يتقرب فيه النصارى، للعنهم الله، بالذبح { وجد عندها رزقا } جواب كلما، وهو ظرف لإضافته للمصدر المنسبك بما النائب عن الزمان متعلق بوجد، وكأنه قيل، فماذا يقول، فأجابه بقوله { قال يامريم أنى لك هذا } وقد غلقت عليك سبعة أبواب، وكان يغلقها عليها، ولا يدخل عليها غيره، أى قال فى المرة الأولى، ويبعد أن يكون للتكرير، كالمضارع ولو جعلناه جواب كلما أفاد التكرير بواسطة كلما، فحينئذ يتعلق كلما يقال، ويكون وجد حالا { قالت } وهى فى غير أوان النطق من الصفر { هو من عند الله } من جنته { إن الله يرزق من يشآء بغير حساب } انتهى كلامها ويجوز أن يكون إن الله الخ من كلام الله تعالى، وعن ابن عباس، أنه جعل لها مرضعه واحدة، أرضعتها عامين، وقيل، لم ترضع ثديا قط، عوضها الله عنه طعام الجنة، وقيل، الطعام الذى ذكر الله عز وجل بعد ضاع الحولين،
" روى أن فاطمة رضى الله عنها أهدت الرسول صلى الله عليه وسلم رغيفين وبضعة لحم، فأرسل ذلك إليها، أو مضى به إليها مغطى، وقال: هلمى يابنية، فكشف عن الطبق، فإذا هو مملوء خبزا ولحما، فقال لها، أنى لك هذا؟ فقالت: هو من عند الله، إن الله يزرق من يشاء بغير حساب، فقال: الحمد لله الذى جعلك شبيهة بسيدة نساء بنى إسرائيل، ثم جمع عليا والحسن والحسين وأهل بيته فأكلوا وشبعوا، وبقى الطعام كما هو، فأوسعت على جيرانها "
، وروى
" أنه صلى الله عليه وسلم جاع أياما، فطاف على نسائه وفاطمة فلم يجد شيئا، ثم أعطاها حارها رغيفين وقطعة لحم، فأرسلت إليه الحسن أو الحسين، فجاء، فكشفت عن ذلك، فإذا هو أضعاف، فعلمت أنه من عند الله "
، فقرأت الآية، وهذا نص عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذا كرامة لفاطمة، وما فى الآية كرامة لمريم رضى الله عنها،لا معجزة ليسدنا محمد فى هذه، وزكريا فى الآية، صلى الله عليهما وسلم، والحق أن كرامة الأولياء ثابتة وأنكرها المعتزلة، فزعم بعضهم أن ذلك إرهاص لعيسى، وبعضهم إرهاص لزكرياء، ولا يلزم الإرهاص لنبى أن يكون عالما به.
[3.38-39]
{ هنالك } فى هذا المكان المجازى، وهو ثبوت الرزق لها بلا حساب من الجنة فى غير أوانه، والولد للعجوز أو فى المكان الحقيقى، وهو المحراب إذ دخله، أو الزمان فإن هنا قد يطلق عليه تبيه بولادة العجوز وثبوت الرزق من الجنة، وفواكه فى غير أوانها إلى أن هذا من جملة الأزمان المفتوحة للخوارق، وإلى أن الولد كالثمرة والنبات، وإلى أن الله يقدر أن يرزق له وهو كبير ولدا من امرأة عاقر كبيرة، خرقا للعادة كذلك، وذلك التنبه لا يقتضى الغفلة الخارجية عن منصب النبوة، لأنه تنبه فوق علم وتنبه فى حق خصوص نفسه ولا يعترض قياسا الولد من عاقر إلى الثمار باستبعاده الولادة عند التبشير بها، لأنه نسى هذا القياس باستعظام البشارة، ولأن من أحب حصول شيءى جدا يجب تصوره وأحواله ولو عرفها { دعا زكريا ربه } كأنه قيل ما دعاؤه، فقال الله { قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة } مباركة صالحة عابدة { إنك سميع الدعآء } وليس تقديم هنالك للحصر، بل على طريق الاهتمام برتبة الرزق فى غير معتاده، وهذا قابل، لأنه أخر الدعاء إلى السحر أو الجمعة أو نحو ذلك، وروى أنه اغتسل وصلى ودعا جوف الليل، وإن قلنا، هنالك ذلك المكان الحقيقى أو الزمان قلنا دعا فيه، ودعا بعد، فلا حصر، أو التقديم للحصر، باعتبار دعاء دعا به فى ذلك غير دعاء آخر أخره، وعن الحسن قال، يا رازق مريم ثمار الصيف فى الشتاء وثمار الشتاء فى الصيف، هب لى من لدنك ذرية طيبة، والذرية الطيبة من يستحق من ولده إرث العلم والنبوة وسمع الدعاء إجابته، لأنها من لازم السمع وسببه، واختار لفظ رب إشارة إلى آثار التربية المناسة للولد المطلوب، دعا ثلاثا هده، وإنى وهن العظم منى، ولا تذرنى فردا، وبين كل واحدة والأخرى زمان، وقيل بمرة وفرق فى ذكرها، ويدل على ذلك الفاء فى قوله:
{ فنادته الملائكة } أى جنسهم للصادق بالواحد الذى هو جبريل المنادى، فلو حلفت لتلبسن الثياب لبررت بواحد، أى وصل إليه البداء من جنس الملائكة لا من جنس آخر، وسماه ملائكة تعظيما، أو المراد فناداه بعض الملائكة أو شبه الواحد بالجماعة بجمعه ما لهم من الخصال، أو نادوه كلهم، وهو غير محال، ولو لم يتعارف، أو جبريل بالنطق وغيره بالحضور والرضا، فيكون على هذا من عموم المجاز { وهو قآئم يصلى } نفلا، ليدعو عقبه، قيل يصلى يدعو { فى المحراب } محرابه، وقيل محراب مريم، وهو ما مر، أو هوالمسجد أو بمعنى أشرف، وضع فى المسجد، وذكر قائما مع يصلى مبالغة، إذ يكفى ذكر الصلاة، لأنها فى قيام أصالة، ولأن طول القيام أفضل من كثرة الركعات على الصحيح، والجملة حال من المستتر فى قائم، أو خبر ثان، أو حال ثانية { أن الله يبشرك بيحيى } لفظ عجمى عبرانى، وأنت خبير بأن العبرى قريب من العربى، فهو مشعر بالحياة ولو كان لا تصرف له، وقد قيل، اسمه حيا، وزاد الله له حرفا من حروف بسارة زوج إبراهيم، فهى سارة، وهو يحيى، وقيل عربى منفول من المضارع، لأن الله أحيا به عقم أمه، أو لأن الله أحيا قلبه بالإيمان أو بالعلم والحكمة اللذين يؤناهما، أو لأن الله يحيى به الناس من الضلال، أو لأن الله سبحانه علم أنه يموت شهيدا، والشهداء أحياء عن ربهم يرزقون { مصدقا بكلمة من الله } هى الإنجيل أو التوراة، أو كلاهما، تسمية للكل باسم الجزء، وقيل.
الكلمة حقيقة فى القليل والكثير، أو هو عيسى، وهو أولى، لقوله بكلمة منه اسمه المسيح، سماه كلمة لأنه وجد يكن المعبر به عن توحيد الإرادة لا بأب، فذلك بشارتان، بشارة بيحيى وبشارة بعيسى عليه السلام، أو لأنه يهتدى به كما يهتدى بكلام الله عز وجل، أو لأنه عز وجل بشر به مريم على لسان جبريل، أو لأنه عز وجل أخبر الأنبياء أنه سيخلقه بلا أب، ولما خلقه قال، هذه الكلمة التى وعدت، ويحيى أول من آمن بعيسى، وهو أكبر من عيسى بستة أشهر، قالت أم يحيى لمريم، أجد ما فى بطنى يسجد لما فى بطنك، يخر براسه إلى جهة بطنك، وذلك من جملة قوله، مصدقا بكلمة، وقيل، أكبر منه بثلاث سنين، وقيل بخمس سنين، وقيل، ولد بعد رفع عيسى بقليل، وقيل، قتل قبل رفع عيسى، ولا يصح ما قيل من أن الاتفاق أنه ولد قبل عيسى، ومريم ولدت عيسى بنت ثلاث عشر سنة، وقيل، بنت عشر، ويقال، بين ولادة يحيى والبشارة بمريم زمان مديد، ولا يلزم ذلك، والدعاء والحكمة يتصوران ممن يشاء الله ولو طفلا { وسيدا } رئيسا فى العبادة والورع والعلم، وفائقا فى أنه ما هم بسيئة، عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم:
" كل ابن آدم يلقى الله بذنب يعذبه الله به أو يرحمه، إلا يحيى بن زكريا "
Bilinmeyen sayfa