{ أولئك } الكافرون بالآية، القاتلون للأنبياء وللآمرين بالقسط { الذين حبطت } بطلت { أعمالهم } كصدقة وصلة رحم ومكارم الأخلاق { فى الدنيا والأخرة } لا تحقن دماؤهم بها ولا يحترمون عليها فى الدنيا ولا يثابون عليها فى الآخرة، وقال بعض قومنا: إن الأعمال التى لا تحتاج إلى نية تنفع الكافر فى الآخرة بأن تنقص من عذابه كالصدقة وصلة الرحم، وهو خطأ، من حيث أن النصوص، أنهم لا ينتفعون بعمل ما، وحديث شرب أبى لهب فى مثل نقرة الأبهم، وهى أسفل الإبهم، لعتقه ثويبة إذ بشرته بولادة النبى صلى الله عليه وسلم لم يصح، وإن صح فشاذ، ومن حيث إنه لا غمل لا يحتاج إلى النية، فالصدقة وصلة الرحم لا تصحان إلا بالنية { وما لهم من ناصرين } مانعين من العذاب، كما لم يكن فيهم ناصر للأنبياء والآمرين بالقسط.
[3.23]
{ ألم تر } تعجيب له صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له { إلى الذين أوتوا نصيبا } بعضا، وذكر بلفظ النصيب إشعارا لكمال اختصاصه بهم، وأنه مؤمن حقوقهم { من الكتاب } أى هو الكتاب، وهو التوراة، أو بعضا من جنس كتب الله، فيشمل التوراة وغيرها، قيل: أو جاء من الكتاب الذى هو اللوح المحفوظ، وعلى هذين فالتنكير تعظيم، ويجوز أن يكون تحقيرا، ووجهه، أنه ولو لم يكن معهم إلا نصيب قليل ينقادون به لأمر الله ولو استعملوا عقولهم، فكيف لو كان لهم كثير، وفيه، أن المقام لتقبيحهم، لا لبيان أن القليل منه كاف، ولو كان وجه هو ما ذكرته، قلت، أو بعضا من علم التوراة، لأنهم لا يدركون كل علمها، وإنما علمه كله الله، وكأنه قيل، ما شأن هؤلاء المؤمنين نصيبا من الكتاب فاستأنف جوابا بقوله { يدعون إلى كتاب الله } القرآن كما هو اصطلاح الشرع، وذلك أنهم علموا أنه القرآن ولو أنكروه بألسنتهم، أو هذه الجملة حال، والداعى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو بعض اليهود راجيا ألا يكون الرجم فى القرآن، أو كتاب الله التوراة، وهو أوفق لقوله، { أوتوا نصيبا من الكتاب } ، والدعوة إلى التوراة دعوة إلى القرآن لكونه مصدقا له، ومن جملة ما أوتوا من علماه وأحكامها نعوت النبى صلى الله عليه وسلم وحقيقة الإسلام،
" ودخل صلى الله عليه وسلم مدرسة لليهود فقال له نعيم بن عمرو، والحارث بن زيد، على أى دين أنت؟ فقال، على دين إبراهيم، فقالا له، إن إبراهيم كان يهوديا، فقال، هلما إلى التوراة، فإنها بيننا وبينكم، فأبيا، فنزل قوله تعالى، ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله "
{ ليحكم } أى الكتاب أو الله { بينهم } فيما اختلفوا فيه من الرجم، أو بينهم وبين الرسول فى إبراهيم، أو بين من لم يسلم وبين من أسلم منهم، والوعيد لمن لم يسلم { ثم يتولى فريق منهم } بأبدانهم عن مجلسه صلى الله عليه وسلم { وهم معرضون } بقلوبهم عن حكمه،
" وروى أن أهل خيبر كرهوا رجم رجل وامرأة منهم زنيا، لشرفهما، فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء لرخصه، فأمر برجمهما، فقال النعمان بن أوفى، وعدى ابن عمرو: جرت عليهما يا محمد، فقال صلى الله عليه وسلم، بيننا التوراة، قالوا، أنصفت، فقال: من أعلمكم بالتوراة؟ قالوا: أعور يسكن فدك، يسمى عبد الله بن صوريا، فأرسلوا إليه، فجاء المدينة، وقد وصفه جبريل عليه السلام له صلى الله عليه وسلم، فقال، أنت ابن صوريا؟ فقال: نعم، فقال: أنت أعلم اليهود بالتوراة، فقال، كذلك يزعمون، فدعا صلى الله عليه وسلم بالتوراة، وقال له، أقرأ، ولما أتى على آية الرجم وضع يده عليها وقرأ ما بعدها، فقال عبد الله بن سلام: يا رسول الله، قد جاوزها، ثم قام، ورفع كفه عنها: وقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود وفيها، أن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما فى بطنها، فأمر صلى الله عليه وسلم بهما، فرجما، وليست حبلى، وقال صلى الله عليه وسلم، إنما أحكم بكتابكم "
، أى إنما أحكم بما ثبت فيه ولم ينسخ، لأنه موافق لما فى كتاب الله إلى، وليس لامراد أنى تركت ما أوحى إلى، بل حكمت بما أوحى إلى وهو نص كتابكم، ولما رجما غضبت اليهود لذلك غضبا شديدا، فنزلت الآية: " ألم تر إلى الذين...إلخ " فالخلاف بين عبدالله بن صوريا ومن معه، وبين عبدالله بن سلام مع النبى صلى الله عليه وسلم أو بين أحدهما معهم، أيرجمان أم يسحمان، وبينه صلى الله عليه وسلم وبينهم فى إبراهيم، أيهودى، حاشاه، أم حنيف مسلم.
[3.24]
{ ذلك } أى ما ذكر من التولى والإعراض { بأنهم } بسبب أنهم تساهلوا فى العقاب كما قال الله عز وجل { قالوا } اعتقدوا وتلفظوا على طبق اعتقادهم { لن تمسنآ النار إلآ أياما معدودات } ندخلها جزما من أجل عبادة آبائنا العجل، تطهرنا من عبادتهم ومن ذنوبنا فلا فائدة فى اتباع حكم محمد مع أنا داخلوها جزما، وخارجون منها بعد الأيام المعدودات، أربعين يوما، عدد أيام عبادة آبائهم العجل،أو سبعة أيام عدد أيام الأسبوع، وزعموا أن مدة الدنيا سبعة آلاف عام، يوم كألف { وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون } أى كونهم يفترون أو ما كانوا يفترونه من خروجهم منها بعد الأيام المعدودات، أو من أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم كلهم، من كان الأنبياء آباءهم ومن ليسوا بآبائهم، ولا شفاعة لهم ألبتة، او من قولهم { نحن أبناء الله وأحباؤه } أو من كان ذرية نبى شفع له نبيه، ومن لم يكن خرج بعد الأيام، أو من دعوى أن الله عز وجل وعد يعقوب ألا يعذب أولاده إلا نحلة القسم، وفيه أنه لا عذاب فى تلك التحلة بل الورود، أما رؤيتها كما هو الحق، ويزيد الشقى بالعذاب وهو الحق وأما دخولها بلا عذاب للسعيد فيخرج.
[3.25]
Bilinmeyen sayfa