{ وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } تحقيقا أو حكما، فإن الخلوة توجب حكم المس، إلا إن اعترفت المرأة بعدمه { وقد فرضتم لهن فريضة فنصف } فلهن أو فعليكم، أو فالواجب لهن أو عليكم نصف { ما فرضتم } فقط، فإن وصلها تاما ردت إليه النصف { إلآ أن يعفون } أن ناصبة والفعل فى محل النصب مبنى لنون الإناث، والواو حرف، هو آخر الفعل لا ضمير، والضمير النون، والمصدر منصوب على الاستثناء المنقطع لا المتصل، لأنه لو كان هذا متصلا لكان فى التفريغ، وهو لا يكون إلا بعد نفى أو نحوه، أى إلا عفو النساء، أى لكن عفوهن مطلوب، بألا يقبضن النصف الذى لهن أو يقبضن بعضه فقط، إلا أن العفو عند الإطلاق لا ينصرف إلا إلى الكل، فإنما يؤخذ العفو عن البعض من غير نص الآية ولا يصح التفريغ لعدم النفى، فلا يصح ما قيل من أنه تفريغ من أعم الأحوال، وأن التقدير، فلهن نصف المفروض معينا فى كل حال من الأحوال عفوهن، فإنه يسقط، فإنه لا يصح صناعة ولو صح معنى { أو يعفوا الذى بيده عقدة النكاح } وهو الزوج عندنا فيعطى الصداق كاملا، أو الولى فيرد النصف الذى لها أو بعضه ويضمن لها ولو كانت ابنة طفلة له، أو يرد النصف الذى لأمته أو بعضه، إلا أن إطلاق العفو على إعطاء الزوج النصف الآخر مشكل على قائله، لأن العفو محو حق يمكن استيفاؤه، فإما أن يسمى عفوا للمشاكلة، أو لمعنى مطلق فعل الخير، هو اليسر هنا، أو لتركه عندها، وقد وصلها ولم يسترد النصف مع أن له استرداده، أو لم يصلها لكن عفا عن إبطاله، وقبل يضعف تفسير الذى بيده عقدة النكاح بالولى بقوله { وأن تعفوا أقرب للتقوى } فإن عفو الولى ليس أقرب للتقوى، قلت، هو أقرب للتقوى إذا كان يضمن، وأيضا التقوى قد يطلق على فعل المبرات وإن اشتهر فى ترك المنكرات، لأن فعل الطاعات يستلزم ترك المنكرات، والعفو يستلزم ترك البخل المذموم، والتعبير بالقرب إشارة إلى أن التقوى لا يسهل وصولها، ومؤدى الواجب قريب لها، والزائد أقرب منه.
روى أن جبير بن مطعم طلق زوجه قبل الدخول فأكمل لها الصداق، وقال، أنا أحق بالعفو، أى أحق منها ومن وليها، فالعفو ممكن من الثلاثة، وعن ابن عباس، يجوز للأب ترك صداق ابنته الطفة بلا ضمان، رواه البيهقى، وهو قول الشافعى، ولا يؤخذ به، وزعم بعض أن المولى العفو فى ذلك، ولو كانت وليته كبيرة كارهة للعفو، وأنه لا ضمان عليه، وهو مردود { ولا تنسوا } أيها الرجال والنساء لا تتركوا { الفضل } فعل الخير { بينكم } تفعل له الخير، ويفعل لها الخير بعد الطلاق والفداء، مسها أو لم يمسها، ومن ذلك أن يتم لها الصداق أو يزيد دون تمام حيث يجب النصف، وأن تترك له النصف الذى لها أو بعضه، وأن تترك له الصداق كله أو بعضه إذا وجب كله لها، والرجال أحق بالمسارعة كذلك.
لأنهم قوامون وأقوى منهن وأعقل، حتى إنه لا يبعد كون الخطاب فى قوله ولا تنسوا لهم، وفى بينكم لهم ولهن، والظرف متعلق بمحذوف حال من الفضل، أو بمحذوف معرف نعت له، أى الفضل الواقع بينكم قب الطلاق، بل ابقوا عليه، وأجاز بعض تعليقه بتنسوا { إن الله بما تعملون بصير } فيجازيكم على ما فعلتم من الفضل بينكم وسائر أعمالكم دنيا وأخرى.
[2.238-239]
{ حفظوا على الصلوت } الخمس، بتحسين الطهارة، والأداء أول الوقت، وإحضار القلب، والخشوع، والمداومة، ولتأكيد ذلك قال حافظوا بصيغة المفاعلة التى أصلها أن تكون بين متغالبين، كل يجهد نفسه، وذكره بين ذكر الأزواج والأولاد، وبين الأزواج أيضا لئلا يشغلهم ذلك عن الصلاة { والصلوة الوسطى } صلاة العصر، توسطت بين صلاتى النهار وصلاتى الليل، أو الصبح توسطت بين صلاة الليل وصلاة النهار ولا تجمع مع غيرها، أو الظهر فى وسط النهار، أو المغرب توسطت فى القصر والطول، أو العشاء توسطت بين صلاتين لا تقصران، أو الوتر أو سنة الفجر، أو سنة المغرب، أو صلاة الجنازة، أو واحدة من الخمس لا بعينها، أو صلاة الجمعة، أو صلاة الجماعة، وخصت من عموم الصلوات لفضلها، أو الوسطى صلاة الفرض كلها، والصلوات الفرض والنفل، وخصت لذلك، أو صلاة الضحى أو صلاة الخوف، أو صلاة الأضحى أو صلاة الفطر، أو صلاة الليل الواجبة، أو صلاة الليل النفل، وما فيه توسط فى الزمان فظاهر، وما لم يكن فيه فمعنى توسطه فضله، والأكثر على أنها صلاة العصر، قال صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب:
" شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم نارا "
، وعن عائشة أنها تقرأ والصلاة الوسطى صلاة العصر، وعنه صلى الله عليه وسلم والصلاة الوسطى وصلاة العصر بعطف صلاة العصر على الصلاة الوسطى، فهى إما غير العصر وإما هى، والعطف تفسير بإعادة العاطف محاكاة له فى الصلاة الوسطى، فضلت العصر لأن الناس يشتغلون عندها بالمكاسب، كما أن لصلاة الفجر مزية القيام من لذة النوم، وأما اجتماع الملائكة فقيل عند الفجر وعند العصر لأنها من المساء، وأولى منه اجتماعهم عند المغرب والوسطى من معنى الفضل، فقيل الزيادة، وهو مؤنث اسم التفضيل، لا من التوسط بين شيئين، كالكون بين صلاة النهار والليل، لأنه لا يقبل الزيادة، إلا أن يقال بخروجه عن التفضيل، والتوسط المذكور واقع فى الفجر أيضا. ووقع العشاء أيضا باعتبار كونها بين جهريتين، واعترض حديث التفسير بصلاة العصر بأن فى إسناده مقالا، وبأن ذكر صلاة العصر مدرج، لقول على: حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس الجواب أنه لا يكون هذا ردا، بل تقوية، إذ لا صلاة تلى الغروب إلا صلاة العصر، فهو بيان لما زعموا أنه مدرج، وما رد به التفسير بصلاة العصر أنهم حبسوهم يوم الأحزاب عن صلاة الظهر والعصر معا، كما فى رواية ويجاب أنه خص العصر بالذكر لمزيد فضلها، وزعم بعض أن الأصل شغلونا عن الصلاة وصلاة العصر، فحذف العاطف، وهو تكلف بعيد، وعورض ذلك أيضا بحديث أحمد وأبى داود أنه صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر بالهاجرة.
فهى أشد صلاة على أصحابه، فنزل حافظوا... الخ، وحديث أحمد، كان صلى الله عليه وسلم
" يصلى الظهر بالهجير فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان والناس فى تجارتهم وقائلتهم فنزل، حافظوا... "
الخ، وفى مصحف عائشة بإملائها على الكاتب مولاها أبى يونس، ومصحف حفصة بإملائها على عمرو بن رافع، ومصحف أم سلمة بإملائها على عبدالله بن رافع، حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر، فقيل لذلك، هى الظهر، قال أبى بن كعب، هى كذلك، أو ليس أشغل ما نكون وقت الظهر فى عملنا ونواضحنا، وقيل الصلاة الوسطى أخفاها الله ليحافظ على جميع الصلوات، وليلة القدر ليجتهد فى جميع رمضان، وساعة الإجابة فى يوم الجمعة ليجتهد فيه كله، وبسطت الكلام على ذلك فى آخر وفاء الضمانة فى جزء التفسير { وقوموا لله } فى الصلاة، ويجوز تعليق لله بقوله { قنتين } كقوله، كل له قانتون، فإن له متعلق بقانتون، أى مطيعين، لقوله صلى الله عليه وسلم:
Bilinmeyen sayfa