Yıldızsal Yorumlar: Tasavvufi İşaretlerle Tefsir
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Türler
[1 - سورة الفاتحة]
[1.1-7]
قال الشيخ - رحمه الله ونفعنا به وبعلمه في الدارين -: سميت الفاتحة لمعنيين:
أحدهما: أن الله تعالى بها فتح أبواب خزائن الحقائق التي ما فتح أبوابها لأحد من العالمين على حبيبه ونبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب بعد أن أودع فيه حقائق جوامع الكلام التي أنزلها على جميع أنبيائه ورسله - عليهم السلام - يدل على هذا المعنى قوله تعالى:
ولا رطب ولا يابس إلا في كتب مبين
[الأنعام: 59].
والثاني: أنها هي فاتحة فتوحات هذا الكتاب بأن الله تعالى ضمن فيها: حقائق مراتب الربوبية ومراتب العبودية، ومراتب الأمور الدنيوية ومراتب الأمور الأخروية التي هذا الكتاب مشتمل عليها سنجمع دقائق مبانيها.
1- فمراتب الربوبية عشرة:
أولها: مرتبة الاسم؛ بأن له تعالى أسماء.
والثاني: الذات.
Bilinmeyen sayfa
والثالث: الصفات.
فهذه المراتب الثلاثة حاصلة في { بسم الله الرحمن الرحيم } [الفاتحة: 1].
والرابع: الثناء.
والخامس: الشكر.
وهما حاصلان في { الحمد } [الفاتحة: 1].
والسادس: الألوهية بمعنى الخالقية، وهي حاصلة في { لله } [الفاتحة: 1].
والسابع: الربوبية بالوحدانية في الخالقية، وهي حاصلة في { رب العالمين } [الفاتحة: 1].
والثامن: الملكية بالمالكية، وهي حاصلة في { ملك } [الفاتحة: 1].
والتاسع: المعبودية بالألوهية والوحدانية، وهي حاصلة في { يوم الدين } [الفاتحة: 1].
والعاشر: الهداية بالحق والإنعام من الأزل إلى الأبد، وهي حاصلة في { اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة: 1].
Bilinmeyen sayfa
2- وكذلك في مرتبة العبودية عشرة:
أولها: معرفة الله تعالى بهذه المراتب.
والثاني: الإقرار بالربوبية لله تعالى وبعبودية نفسه له.
والثالث: معرفة النفس وخلوها عن مراتب الربوبية.
والرابع: العلم باحتياجه إلى الله تعالى واستغناء الله تعالى عنه.
والخامس: عبادة الله تعالى على ما هو أهله بأمره.
والسادس: الاستعانة بالله تعالى في عبوديته بالتوفيق والقدرة والتعلم والإخلاص.
والسابع: الدعاء بالخضوع والخشوع والشوق والمحبة، فإنه خلق لهذا كما قال تعالى:
قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعآؤكم
[الفرقان: 77] وقال تعالى:
Bilinmeyen sayfa
يحبهم ويحبونه
[المائدة: 54].
والثامن: الطلب لوجدان الله تعالى وصفاته ونعمه، وهو المقصد الأعلى والمنية القصوى.
والتاسع: الاستهداء عنه ليهتدى به وينعم عليه بإرشاده طريق الهداية.
والعاشر: الاستدعاء منه بأن ينعم عليه، ويديم نعمته عليه ، ولا يغضب فيرده إلى الضلالة والغواية.
وهذه المراتب كلها حاصلة في { وإياك نستعين } إلى آخر السورة فافهم جدا.
3- ومراتب الأمور الدنيوية أربعة:
الملك والملك والتصرف فيهما بالملكية والمالكية، وفاتحة الكتاب مشتملة على هذه المراتب كلها كما أشرنا إلى طرف منها، وسنبينها في تفسيرها إن شاء الله تعالى، ولهذا المعنى أيضا سميت أم الكتاب؛ لأن أم الكتاب في الحقيقة مصدر حقائق كل دين، وكتاب ومنشأ دقائق كل حكم وخطاب، كقوله تعالى:
يمحوا الله ما يشآء ويثبت وعنده أم الكتاب
[الرعد: 39].
Bilinmeyen sayfa
وأما الحكمة في أن الله تعالى جعل افتتاح كتابه بحرف الباء واختياره على سائر الحروف لا سيما على الألف بأنه أسقط الألف من ال " اسم " وأثبت مكانه الباء، وقال: { بسم } فعشرة معان:
أحدها: إن في الألف ترفعا وتكبرا وتطاولا، وفي الباء انكسارا وتواضعا وتساقطا، فالألف لما تكبرت وضعها الله تعالى والباء لما تواضعت رفعها الله تعالى كما ورد في الحديث:
" من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله "
وقد ورد أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن يأتي الجبل ليسمعه كلامه، فتطاول كل جبل طمعا أن يكون محلا لموسى عليه السلام، وتصاغر طور سيناء في نفسه " متى أستحق أن أكون محلا لقدم موسى عليه السلام في وقت المناجاة؟ " فأوحى الله تعالى إلى موسى: " أن ائت ذلك الجبل المتواضع الذي ليس يرى لنفسه استحقاقا " فكذلك حال الباء مع الألف.
وثانيها: إن الباء مخصوصة بالإلصاق، وتصل كل حرف بخلاف أكثر الحروف خصوصا الألف؛ لأن الألف مخصوصة بالقطع وتكون منقطعة عن الحروف كلها، فلما كانت الباء واصلة للرحم في الحروف وصلها الله تعالى، ولما كانت الألف قاطعة الرحم عن الحروف قطع الله معها كما روى عبد الله بن عوف: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما يحكي عن ربه - جل ثناؤه -:
" أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته "
حديث صحيح.
وثالثها: إن الباء مكسورة أبدا فلما كانت فيها كسرة وانكسار في الصورة والمعنى وجدت شرب العندية من الله تعالى واسمه دون الألف كما قال تعالى:
" أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي ".
ورابعها: إن في الباء وإن كانت في الظاهر تساقط وتكسر، ولكن في الحقيقة رفعة درجة وعلو همته وهي من صفات المصدقين، وفي الألف ضدها. أما رفعه درجتها فبأنها أعطيت نقطة وليست للألف هذه الدرجة، وأما علو الهمة فإنه لما عرضت عليه النقطة ما قبلت إلا واحدا بسكون حاله كحال موحد لا يقبل إلا واحدا، وعابد لا يعبد إلا معبودا واحدا، وقاصد لا يقصد إلا مقصودا واحدا ومحب لا يحب إلا محبوبا واحدا.
Bilinmeyen sayfa
وخامسها: إن للباء صدقا في طلب قربة الحق ونيل المقصود الحقيقي لا يوجد في غيرها من الحروف وذلك أنها لما وجدت درجة حصول النقطة وبلغت هذه المرتبة وضعتها تحت قدمها؛ لصدقها في طلب المقصود الحقيقي والمطلوب الأصلي، وما تفاخرت بها بل أعرضت عنها حتى بلغت مقصدها الأقصى ومقصودها الأعلى، فالباء مخصوصة من سائر الحروف بوضع النقطة تحتها ولا تناقضها الجيم وإن كانت تحتها نقطة واحدة؛ لأن نقطة الجيم في وضع الحروف ليست تحتها بل هي وسطها وكذلك الباء، وإنما موضع النقطة تحتها عند اتصالهما بحرف آخر لئلا تشبها بالخاء والثاء بخلاف الباء فإن نقطتهما موضوعة تحتها وإن كانت مفردة غير متصلة بحرف آخر.
وسادسها: إن الألف حرف العلة وهو معلول لا يتحمل الحركة، والباء حرف صحيح غير معلول يتحمل الحركة وحالهما كما أن الله عرض الأمانة على أهل السماوات والأرض من الملائكة وغيرهم
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان
[الأحزاب: 72] فأمر الملائكة بالسجود له فأبى إبليس واستكبر فلعنه الله وأسقطه عن قربته وطرده عن جواره وحضرته، واصطفى آدم من بريته واجتباه لقربته وزاد في علو درجته وهداه إلى محبته ومعرفته.
وسابعها: إن الباء حرف تام متبوع في المعنى وإن كان ناقصا منكسرا تابعا في الصورة، والألف حرف ناقص تابع في المعنى وإن كان تاما متبوعا في الصورة ألا ترى أنك إذا نظرت إلى صورة وضع الحروف وجدت الألف مقدما على الباء متبوعا له، وإذا قلت الباء وجدت الألف تابعا وإذا قلت الألف لم تجد للباء تبعية فالابتداء بالمتبوع التام في المعنى والناقص المنكسر التابع في الصورة أولى من الابتداء بمن هو على مثل هذا.
وثامنها: إن الباء حرف عامل يعمل ويتصرف في غيره، فظهر لها من هذا الوجه قدر وقدرة فصلحت للابتداء، والألف ليس بعامل ولا متصرف في غيره فليس له هذا القدر والقدرة، فما صلح للابتداء والاقتداء.
وتاسعها: إن الباء حرف في صفاته مكمل لغيره، فكماله في صفاء نفسه بأنه للإلصاق والاستعانة والإضافة، وفيه تواضع إذا لم تقبل من الحركات إلا الكسرة، وله علو وقدر في تحميل الغير بأن يخفض الاسم التابع له ويجعله مكسور الصفات نفسه بحيث كل اسم يجيء خلف الاسم التابع له يكون مسكورا بالإضافة، والذي يجيء بعده يكون مكسور بالصفة إلى غير النهاية كما دخل على الاسم، وجعل ميم بسم مكسورة، وجعل الهاء من الله مكسورة بالإضافة، والنون من الرحمن مكسورة بالصفة، والميم من الرحيم أيضا مكسورة بالصفة لو شئت هلم جرا، فالكامل المكتمل أولى بالإمامة والتقدم من الألف الذي هو ناقص معلوم في نفسه منقص معلل لغيره، فإنه لو دخل في الفعل الماضي يجعله مهموز الفاء معتل العين ناقص اللام.
وعاشرها: إن الباء حرف شفوي تفتح الشفة به ما لم تفتح بغيره من الحروف؛ لأن بالميم وإن كان شفويا لا تفتح الشفة به كما تفتح بالباء حسا، وكان أول انفتاح فم الذرة للإنسانية في عهد
ألست بربكم
[الأعراف: 172] بالباء في جواب { بلى } فلما كان الباء أول حرف نطق به الإنسان وفتح به فمه، وكان مخصوصا بهذه المعاني اقتضت الحكمة الإلهية اختيارها من سائر الحروف، فاختيارها ورفع قدرها وإعلاء شأنها وأظهر برهانها وأعز سلطانها وجعلها مفتتح كتابه ومبتدأ كلامه وخطابه، وأعطاها رفعة الألف وقامته وتقدمه على الحروف وإمامته فحذف الألف في { بسم الله } وطول باؤه لإظهار تعظيمها وتفخيمها؛ إذ منها مرتبة الألف وأثبتها مكانه وقرنها باسم ذاته وصفاته، وجعلها معدن إشاراته ومنبع كراماته مع بريته.
Bilinmeyen sayfa
كما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: الباء بره بأوليائه، والسين سره مع أصفيائه، والميم منته على أهل ولائه، وأخبرنا المؤيد بن محمد الطوسي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن عيسى ابن مريم عليه السلام أرسلته أمه إلى الكتاب يتعلم فقال له المعلم: قل: { بسم الله } ، فقال عيسى: وما { بسم الله } فقال: ما أدري! فقال: الباء بهاء الله، والسين سناؤه، والميم منته ".
وأخبرنا الثعلبي ثنا أبو القاسم بن حسين بن محمد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن عمر الوراق يقول في { بسم الله }: إنها روضة من رياض الجنة لكل حرف منها تفسير على حدة:
* الباء على ستة أوجه:
" بارئ " خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
والله على كل شيء قدير
[البقرة: 284].
" بصير " ، " باسط " رزق خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
ويبقى وجه ربك
[الرحمن: 27].
Bilinmeyen sayfa
" باعث " الخلق بعد الموت للثواب والعقاب، من العرش إلى الثرى، بيانه:
وأن الله يبعث من في القبور
[الحج: 7].
" بار " بالمؤمنين من العرش إلى الثرى بيانه:
إنه هو البر الرحيم
[الطور: 28].
* والسين على خمسة أوجه:
" سميع " لأصوات خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى
[الزخرف: 80].
Bilinmeyen sayfa
" سيد " قد انتهى سؤدده من العرش إلى الثرى، بيانه:
الله الصمد
[الإخلاص: 2].
" سريع " الحساب مع خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
والله سريع الحساب
[البقرة: 202].
" سلام " على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
السلام المؤمن
[الحشر: 23].
" ستار " ذنوب عباده من العرش إلى الثرى، بيانه:
Bilinmeyen sayfa
غافر الذنب وقابل التوب
[غافر: 3].
* والميم على اثنى عشر وجها:
" ملك " الحق من العرش إلى الثرى، بيانه:
الملك القدوس
[الحشر: 23].
" مالك " خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
قل اللهم مالك الملك
[آل عمران: 26].
" منان " على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
Bilinmeyen sayfa
بل الله يمن عليكم
[الحجرات: 17].
" مجيد " على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
ذو العرش المجيد
[البروج: 15].
" مؤمن " أمن خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه:
وآمنهم من خوف
[قريش: 4].
" مهيمن " اطلع على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
المؤمن المهيمن
Bilinmeyen sayfa
[الحشر: 23].
" مقتدر " على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
وكان الله على كل شيء مقتدرا
[الكهف: 45].
" مقيت " على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
وكان الله على كل شيء مقيتا
[النساء: 85].
" مكرم " أوليائه من العرش إلى الثرى، بيانه:
ولقد كرمنا بني ءادم
[الإسراء: 70].
Bilinmeyen sayfa
" منعم " على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة
[لقمان: 20].
" مفضل " عما خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه:
إن الله لذو فضل على الناس
[البقرة: 243].
" مصور " خلقه من العرش الى الثرى، بيانه:
الخالق البارىء المصور
[الحشر: 24].
قال الشيخ المحقق مصنف الكتاب رحمه الله تعالى: الباء بلاؤه لأنبيائه وأحبائه، والسين سلامه لأوليائه وأصفيائه، والميم معروفة مع أهل ولائه في ابتلائه ومعرفة مبتلاه بالابتلاء، وإنه لأوليائه وأصفيائه ومنته على أهل سلامته بآلائه ونعمائه وسلامة القلب وصفائه.
Bilinmeyen sayfa
قال رحمه الله تعالى: قيل: ما المناسبة في حمل هذه الحروف على هذه المعاني؟
قلنا: إن مناسبة حمل الباء على البلاء في ابتداء كلامه وابتداء خطابه أن الإنسان في أصل الجبلة وبدء الخلقة خلق مجبولا على الابتلاء، قال الله تعالى:
إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه
[الإنسان: 2] إنما بنى أمر خلقته على الابتلاء؛ لأنه خلق للمحبة والولاء، كما قال تعالى:
فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه
[المائدة: 54]، والمحبة مظنة الابتلاء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:
" إذا أحب الله عبدا ابتلاه وإذا أحبه حبا شديدا اقتناه فإن صبر ورضي اجتباه، قيل: يا رسول الله وما اقتناه؟ قال: لا يبقي له مالا وولدا ".
وإن مناسبة حمل السين على السلامة في المرتبة الثانية من افتتاح الكتاب، فلمعنيين:
أحدهما: أن السلامة مرتبة لأهل البلاء؛ لأن البلاء على نوعين: بلاء المحبة وبلاء النعمة، فبلاء المحبة على نوعين: بلاء المحبة وبلاء المحنة، وبلاء النعمة على نوعين: بلاء الرحمة وبلاء النقمة، فأما بلاء المحبة فمخصوص بالأنبياء والأولياء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن البلاء موكل بالأنبياء والأولياء ثم بالأمثل فالأمثل "
Bilinmeyen sayfa
، فمنهم من يختص ببلاء المحنة كما كان حال أيوب عليه السلام، ومنهم من يختص بلاء النعمة كما كان حال سليمان عليه السلام واعلم أن الطريق إلى الله تعالى على جادة المحنة أقرب من جادة المنحة؛ لأن غبار بلاء المحنة بناء خلص الأنبياء والأحباء أبرز، فنزه النبوة والمحنة عن تدنس غش معدن الإنسانية، وبموت الحسية الحيوانية.
كما جاء: البلاء للولاء كاللهب للذهب، فأهل المحنة مجذوبون بجذبة البلاء واصلون إلى المبلي غير منقطعين في رتبة البلاء بالغون إلى كعبة وصال المحبوب، ألا ترى أن أيوب عليه السلام كيف وصل بجذبة
مسني الضر
[الأنبياء: 83]، إلى مشاهدة كمال
وأنت أرحم الراحمين
[الأنبياء: 83]، وذلك لأنه تمسك بيد الصبر على جذبة الضر فمسه الضر إلى الضار، فأنسته لذة مشاهدة الضار عن شهود ألم الضر، فأرى أن الضر كان جذبة فوصله إلى الضار فعرفها أنها رحمة في صورة بلاء المحنة رحمه بها محبوبه وخلصه من حبس وجوده، فقال:
مسني الضر
[الأنبياء: 83]، أي أفنيتني عني بضاريتك
وأنت أرحم الراحمين
[الأنبياء: 83]، الواو فيه واو الحال أي: في هذا الحال أرحم علي من جميع الراحمين؛ لأن رحمة الرحماء على المرحومين بالنعمة والمنحة في الظاهر لدفع الفقر والمرض وذلك أيضا بلاء؛ بلاء النعمة لبعضهم رحمة وهم أهل الوفاء، ولبعضهم نقمة وهم أهل الجفاء، كما قال تعالى:
Bilinmeyen sayfa
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا
[الكهف: 7].
فأهل الوفاء: أوفوا بما عهدوا الله على ترك الشهوات النفسانية والزينة الدنيوية حتى اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم
بأن لهم الجنة
[التوبة: 111].
وأهل الجفاء: نقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وافسدوا استعدادهم بالركون إلى زينة الدنيا، واتباعهم الهوى أولئك هم الخاسرون؛ فصارت عليهم النعمة في الظاهر نقمة في الحقيقة، فالنعمة توجب الإعراض، كما قال تعالى:
وإذآ أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه
[الإسراء: 83].
ومس الضر يوجب الإقبال إلى الله تعالى؛ لقوله تعالى:
وإذا مسه الشر فذو دعآء عريض
Bilinmeyen sayfa
[فصلت: 51] فأنت رحمة علي بدفع النعمة والصحة على أنها مظنة الإعراض، وأفنيتني بك عني فلما جاوز الضر حده آل إلى ضده، فما أبقي الضر مني شيئا، وما بقي الضر كالنار إذ لم تبق من الحطب شيئا لا تبقى النار، فإذا لم يبقى الضر ما بقي إلا الرحمة، فبنظر الرحمة نظرت إليك فرأيتك رحمة أرحم الراحمين، فإذا تحققت هذا فاعلم أن المرتبة الثانية من بلاء المحنة لأهل السلامة كما كان حال أيوب وإبراهيم ويونس وغيرهم من الأنبياء - عليهم السلام - في المرتبة الثانية السلامة.
وأما المعنى الثاني: في حمل السين على السلامة في المرتبة الثانية فهو أنا ذكرنا أن الباء في افتتاح الكتاب إشارة إلى البلاء لأهل الولاء، وقررنا أن الإنسان لا يخلو من البلاء بحال، وأثبتنا أن البلاء على نوعين بلاء المحبة وبلاء النعمة، فبلاء النعمة ما يكون مع سلامة الدين والدنيا لأهلهما، فالسين بعد باء البلاء إشارة إلى أهل الصفاء كما ذكر. فإن قيل: ما الفرق بين بلاء المحنة وبلاء النعمة التي هي الرحمة وكلاهما السلامة في الدنيا والآخرة؟ قلنا: الفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: أن بلاء المنحة وإن كانت السلامة ولكن يخلو بها صاحبها من المحنة.
إما في ابتداء أمره: كما كان حال إسماعيل ويوسف - عليهما السلام - ابتلاهما الله تعالى بالمحنة في حال عبادتهما فخلصهما منها بعد ذلك وأعطاهما النبوة والملك كما حكى الله تعالى عن يوسف عليه السلام:
رب قد آتيتني من الملك
[يوسف: 101].
أما في أثناء أحواله: كما كان لإبراهيم عليه السلام ابتلاه الله تعالى بذبح ولده ورميه في المنجنيق إلى نار نمرود حتى خلصه الله من ذبح الولد بعد التسليم عند الامتحان كقوله تعالى:
فلما أسلما وتله للجبين
[الصافات: 103]، وكقوله:
وفديناه بذبح عظيم
Bilinmeyen sayfa
[الصافات: 107]، وخلصه عن النار بقوله:
قلنا ينار كوني بردا وسلما على إبراهيم
[الأنبياء: 69].
وأما في آخر عهده: كما كان حال زكريا ويحيى وجرجيس - عليهم السلام - كانت فتنتهم في آخر عمرهم، ولهذا كان بلاء المحنة وبلاء المنحة مخصوصين بالأنبياء والأحباء؛ لأنهما فرع بلاء المحبة وهم مخصوصون بالمحبة وأهل المحبة لا ينفكون عن المحنة والمنحة، ولا يخلو أهل المنحة في بعض الأحوال من المحنة عن المنحة وإن كان الغالب على أحوالهم المحنة أو المنحة بخلاف أهل بلاء النعمة، فإنه يمكن أهل بلاء الرحمة منهم أن يستديم نعمته في سلامة الدين والدنيا، ولهذا أثبتناهم في المرتبة الثانية بإشارة السين السلامة لهم وهم الأولياء والأصفياء مع أنه يمكن أن يصيب بعضهم المصائب والمحن نادرا.
الفرق الثاني: أن سلامة أهل بلاء المنحة غير سلامة بلاء أهل بلاء النعمة، وإن كانت سلامة بلاء النعمة داخلة في سلامة بلاء المنحة وهما شريكان في اسم السلامة لا في المعنى؛ لأن سلامة بلاء النعمة راجعة إلى البدن والمال والأولاد والأقرباء والأحباء في الدنيا، والآخرة راجعة إلى عبور الصراط والنجاة من النار والدخول في دار السلامة كما قال تعالى:
ادخلوها بسلام آمنين
[الحجر: 46].
وسلامة أهل بلاء المنحة وهم أهل المحبة من الأنبياء والأولياء في العبور من النعمة إلى المنعم ومن البلاء إلى المبلي ومن دار السلام كما قال تعالى في شرح عبورهم عن الجنة إلى مليك الجنة:
إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر
[القمر: 54-55] أي: في عبورهم في جنات ونهر إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر، والإشارة في قوله تعالى:
Bilinmeyen sayfa
قلنا ينار كوني بردا وسلما على إبراهيم
[الأنبياء: 69] لهذه السلامة مودع في ترك سلامة أهل بلاء النعمة، وإنما قوله تعالى للنار:
كوني بردا وسلما على إبراهيم
[الأنبياء: 69] كان بعد أن ألقي إبراهيم في النار لتخليص إبريز الخلة عن دنس التفات لغير الخليل، وإن كان إبراهيم عليه السلام في بدء مقام الخلة نظر إلى غير خليله بنظر العداوة، وقال:
فإنهم عدو لي إلا رب العالمين
[الشعراء: 77]، وأعرض عن الأغيار وقال:
إني وجهت وجهي للذي فطر السموت والأرض حنيفا ومآ أنا من المشركين
[الأنعام: 79] وسعى على قدم العبودية إلى حضرة الربوبية:
وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين
[الصافات: 99].
Bilinmeyen sayfa
واعلم أن الطريق إليه بغير هدايته منسد، فأحال بعد إقامته شروط العبودية هداية الربوبية عليه، قال: { سيهدين } ليهديه الله إليه بقدم الوصال كما هداه بنظر التوحيد متى رأى القمر بازغا قال:
هذا ربي
[الأنعام: 76]، إلى أن قال:
لا أحب الآفلين
[الأنعام: 76]،
إني وجهت وجهي
[الأنعام: 79] لأن الهداية بالنظر والتوحيد هداية أهل البداية، والبداية بالقدم والوصول إلى الوحدة هداية أهل النهاية، وبين النظر والقدم مسالك ومهالك كثيرة وقد انقطع فيها خلق عظيم من العلماء المتقين، وأعزة السالكين وهلك فيها جمهور الحكماء المتفلسفين اللهم إلا عبادك منهم المخلصين المجذوبين بجذبات المحبة من الأنبياء والمرسلين وأوليائك المحفوظين على صراط المستقيم والدين القويم كما خلصت بفضلك ورحمتك خليلك عليه السلام حين ابتليته بالإلقاء بالنار ليتخلص بالكلية من آفة التفاته كما تخلص من آفة الالتفات إلى المال والولد فلما ألقي في النار أدركته العناية الأزلية، وخلصت إبريز خلته عن آفة الالتفات إلى غير خليله من نفسه ومن الوسائط كلها حتى جبريل حين تلقاه في الهواء ليمتحن إبريز خلته: " بمحك هل لك من حاجة " ، فيرى هل هو صاف خالص أم فيه بقية روحانية بعد بذل الجسم والروح تتعلق بالمناسبة الروحانية بجبريل عليه السلام فاشتعلت نار الخلة بكبريت الغيرة وأحرقت بقيته الغيرية، فاشتعلت منها شعلة: " أما إليك فلا " فرجع جبريل عليه السلام بخفي حنين، فعبر عن مقاطع الوسائط بدلالية نور الخلة في خفاء العناية وصل الخليل إلى الجليل بالسلامة، فالنار كانت واسطة تخليصه وتمحيصه بترك سلامة أهل بلاء النعمة لنيل سلامة أهل بلاء المنحة وهي الوصول إلى المليك بالسلام.
وكذلك الفرق بين بلاء أهل المنحة وبين بلاء أهل النعمة أن بلاء المحنة يكون الامتحان لأحباء في دار الدنيا كما كان محنة أيوب عليه السلام فلا يدفع أنها تنقضي في دار الدنيا صورة ومعنى، وإما تنقضي في الدنيا بالمعنى وبالموت صورة. بخلاف بلاء النعمة فإنه إما يدفع في الدنيا والآخرة صورة ومعنى وإما أن يكون في الدنيا بالمعنى لا بالصورة بأن يكون في التنعم ويكون في الآخرة بالصورة والمعنى.
وأما مناسبة حمل الميم في المرتبة الثالثة من حروف بسم على معروفه مع أهل بلائه وولائه في أثناء ابتلائه، وعلى منته على أهل سلامة في الابتلاء بآلائه ونعمائه فظاهر، فإنه لو لم يكن معروفه ومع أهل بلائه بنعمة الصبر لزال قدمهم عن جادة العبودية ورؤية رحمة الربوبية في عين البلاء وانقطع نظريهم بحجاب البلاء عن الجمع كما كان في حق الأكثرين من المخذولين.
قال تعالى:
Bilinmeyen sayfa