وَمَا ذكر من التَّوَهُّم فَإِنَّهُ قد يتَوَهَّم فِي كل شيخ فِي أول مَا شاخ بقدمه وَلم يجب بِهِ الْوَصْف فِي الْأَزَل وَكَذَا فِي كل حَرَكَة وَسُكُون وتفرق وإجتماع فَإِن قلت ذَا محَال فَمثله كَون الْحَدث فِي الْأَزَل محَال وَالله الْمُوفق
ثمَّ زعم من يَقُول بالإثنين الظلمَة والنور بقدم الْعَالم وأحق من يَأْبَى ذَلِك من يَقُول بِهَذَا إِذْ من قَوْلهم إنَّهُمَا كَانَا متباينين فامتزجا فَكَانَ الْعَالم من امتزاجهما وَمَعْلُوم أَن الإمتزاج كَانَ حَادِثا إِذْ التباين كَانَ هُوَ الْمُتَقَدّم وَلم يَكُونَا يلقبان بالعالم إِلَّا أَن يَقُولُوا النُّور والظلمة جوهران اخْتلفَا كَانَا فِي الأَصْل بمكانهما فَكَانَ مَكَان النُّور نور كُله وَخير وَمَكَان الظلمَة ظلمَة كلهَا وَشر فَيبْطل القَوْل بقدم الْعَالم الممتزج وبخاصة قَول الماني حَيْثُ زعم أَن النُّور لما رأى الظلمَة قدحت فِيهِ ومازجت بِهِ أحدث هَذَا الْعَالم ليتخلص بذلك أَجزَاء النُّور من أَجزَاء الظلمَة فَصَارَ الْعَالم على هَذَا القَوْل بعد الإمتزاج الْمُحدث مكون بعد الْمُحدث قَدِيما وَذَلِكَ هُوَ التجاهل فأوجبوا عجز النُّور وَقت كَونه فِي سُلْطَانه بِجَمِيعِ أعوانه من الْخيرَات وأنصاره من الْحَسَنَات حَيْثُ لم يقدر على الإمتناع من قدح الظلمَة وَأحد أحزابه عَنهُ وجهلوه بِوَقْت الْقدح فِيهِ ليتخلص مِنْهُ ثمَّ زَعَمُوا أَنه أحدث هَذَا الْعَالم ليخلص أجزاءه مِنْهُ بعد أَن صَار فِي وثاقها
هَيْهَات مَا أبعدهم عَن ذَلِك وَمَا أَجْهَل من يقدمونه ويجعلون لَهُ كل خير وَأول كل خير وَعلم وَقد جهل مَا ذكر وَعظم كل خير بِقُوَّة وَقد عجز
1 / 34