فإن الحكم بالعدل من أفضل أعمال البر وأعلا درجات الأجر. قال الله تعالى # {فأحكم بينهم بالقسط أن الله يحب المقسطين} أي العادلين. وقال صلى الله عليه وسلم المقسطون على منابر من نور يوم القيامة الحديث لكن خطره عظيم لأن الجور في الأحكام وإتباع الهوى فيها من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر. قال الله عز وجل {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا أس الجائرون}. وقال صلى الله عليه وسلم أن اعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله رجل ولاه الله من أمر أمة محمد شيئا ثم لم يعدل فيهم الحديث. وفرض الله سبحانه وتعالى على الناس التسليم والانقياد لهم فقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. وقال تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصا أميري فقد عصاني الحديث فمن عصا إماما أو قاضيا أو حاكما فيما أمر به من الحق فقد عصا الله ورسوله إلا أن يقضي بغير حق فإن طاعته لا تجوز لقوله عليه الصلاة والسلام لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق الحديث إلا أن يخشى المخالفة الهرج أو الفساد فتجب طاعته حينئذ. وحكمته رفع التشاجر ورد الثوابت وقمع الظالم ونصر المظلوم وقطع الخصومات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والواجب تعظيم هذا المنصب الشريف ومعرفة مكانته من الدين فيه بعثت الرسل عليهم الصلاة والسلام. قال الله تعالى {يا داود أنا جعلناك خليفة في الأرض الآية وبالقيام به قامت السموات والأرض}. قال الله تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} وفي الديباج سمع أبو الفضل قرعوس بن العباس مالكا والثوري يقولان سلطان جائر سبعين سنة خير من أمة سائبة ساعة من النهار. وحكم الشرع فيه أنه فرض كفاية ولا يتعين على أحد إلا أن لا يوجد منه عوض فإنه يتعين عليه ويجبر على القبول أن امتنع منه. وقد يكون حراما بأن يكون جاهلا أو قاصدا به تحصيل الدنيا من الاخصام أو جائزا. ويكون مستحبا كتوليته لإشهار علمه. ويكون مباحا كقصد الارتزاق # به من بيت المال لفقره وكثرة عياله أو دفع ضرر به عن نفسه من غير ارتكاب ما يوجب التحريم أو الكراهية. ويكون مكروها كتوليته لقصد تحصيل جاه من غير انفه على غيره وإلا حرم. والقضاء بالمد أصله في اللغة الحكم قال أبو منصور الأزهري القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه والقضاء الفصل في الحكم انتهى. وقال غيره يرد بمعنى الأمر ومنه قوله تعالى {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه} أي أمر ويصح أن يكون بمعنى حكم أي حكم عليكم بذلك تعبدوا أي أوجب عليكم ذلك وألزمكم إياه وهو سبحانه قد يوجب الشيء ويريد خلافه كما أوجب الإيمان وألزمه للعباد وأراد من بعضهم خلافه ولا يصح أن يكون قضاء إمضاء وإرادة لأنه لو كان كذلك لما عبد أحد غيره كما أنه قضى بالموت فليس أحد ينجوا منه لأنه قضاء إمضاء. ويرد بمعنى الإعلام ومنه قضيت لك بكذا أي أعلمتك به. والوحي ومنه قوله تعالى {فاقض ما أنت قاض} وقول الشاعر.
وعليها مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع
Sayfa 18