162

وإلا فإنما طلب المال طلابه؛ ليطردوا به هم الفقر عن أنفسهم، وإنما طلب الصوت(446) من طلبه؛ ليطرد به عن نفسه هم الاستعلاء عليها، وإنما طلب اللذات من طلبها؛ ليطرد بها عن نفسه هم فوتها، وإنما طلب العلم من طلبه؛ ليطرد به عن نفسه هم الجهل، وإنما هش إلى سماع الأخبار ومحادثة الناس من يطلب ذلك؛ ليطرد بها عن نفسه هم التوحد، ومغيب أحوال العالم منه، وإنما أكل من أكل، وشرب من شرب، ونكح من نكح، ولبس من لبس، ولعب من لعب، واكتن(447) من اكتن، وركب من ركب، ومشى من مشى، وتودع من تودع؛ ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه الأفعال، وسائر الهموم.

وفي كل ما ذكرنا_لمن تدبره_هموم حادثة لابد لها من عوارض تعرض في خلالها، وتعذر ما يتعذر منها، وذهاب ما يوجد منها، والعجز عنه لبعض الآفات الكائنة، وأيضا نتائج سوء تنتج بالحصول على ما حصل عليه من كل ذلك من خوف منافس، أو طعن حاسد، أو اختلاس راغب، أو اقتناء عدو مع الذم والإثم وغير ذلك.

ووجدت العمل للآخرة_سالما من كل عيب، خاليا من كل كدر_موصلا إلى طرد الهم على الحقيقة، ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم، بل يسر؛ إذ رجاؤه في عاقبة ما ينال به عون له على ما يطلب، وزايد في الغرض الذي إياه يقصد، ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم؛ إذ ليس مؤاخذا بذلك، فهو غير مؤثر فيما يطلب، ورأيته إن قصد بالأذى سر، وإن نكبته نكبة سر، وإن تعب فيما سلك فيه سر؛ فهو في سرور أبدا، وغيره بخلاف ذلك أبدا؛ فاعلم أنه مطلوب واحد، وهو طرد الهم، وليس إليه إلا طريق واحد، وهو العمل لله_تعالى_فما عدا هذا فضلال وسخف+(448).

هذا وسيأتي مزيد بيان لحقيقة السعادة في الصفحات التالية_إن شاء الله_.

Sayfa 162