قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده+(49).
قال ابن القيم×تعليقا على هذا الحديث: =ولم يجىء هذا الفرح في شيء من الطاعات سوى التوبة، ومعلوم أن لهذا الفرح تأثيرا عظيما في حال التائب وقلبه، ومزيده لا يعبر عنه.
وهو من أسرار تقدير الذنوب على العباد؛ فإن العبد ينال بالتوبة درجة المحبوبية، فيصير حبيبا لله؛ فإن الله يحب التوابين، ويحب العبد المفتن التواب+(50).
8_ التوبة توجب للتائب آثارا عجيبة من المقامات التي لا تحصل بدون التوبة: فتوجب له المحبة، والرقة، واللطف، وشكر الله، وحمده، والرضا عنه؛ فرتب له على ذلك أنواع من النعم لا يهتدي العبد لتفاصيلها، بل لا يزال يتقلب في بركتها وآثارها ما لم ينقضها أو يفسدها.
9_ حصول الذل والانكسار لله: ففي التوبة من الذل، والانكسار، والخضوع، والتذلل لله ما هو أحب إلى الله من كثير من الأعمال الظاهرة_وإن زادت في القدر والكمية على عبودية التوبة_فالذل والانكسار روح العبودية، ولبها.
وحصول ذلك للتائب أكمل له من غيره؛ فإنه قد شارك من لم يذنب في ذل الفقر والعبودية والمحبة، وامتاز عنه بانكسار قلبه.
وقد جاء في الأثر الإسرائيلي: =يا رب أين أجدك؟
قال: عند المنكسرة قلوبهم من أجلي+(51).
ولأجل هذا كان =أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد+(52).
لأنه مقام ذل وانكسار بين يدي ربه.
ولعل هذا هو السر في استجابة دعوة المظلوم، والمسافر، والصائم؛ للكسرة في قلب كل واحد منهم؛ فإن لوعة المظلوم تحدث عنده كسرة في قلبه، وكذلك المسافر في غربته يجد كسرة في قلبه، وكذلك الصوم، فإنه يكسر سورة النفس السبعية الحيوانية.
10_ أن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به التوبة من كثير من الطاعات: ذلك أن لله على القلوب أنواعا من العبودية، من الخوف، والخشية، والإشفاق، والوجل وتوابعها من المحبة، والإنابة، وابتغاء الوسيلة.
Sayfa 15